مأرب قلعة المعركة الوطنية
لا خلاف أن مارب هي ما تبقى من قلاع المعركة الوطنية , التي لم تشوبها شائبة بعد , مصيبتها هي مصيبة البلد من تداعيات التدخل الخارجي , الذي يسعى لإدارة المعركة لأجندات بما يرعى مخاوفه من يمن التاريخ والحضارة , كرقعة جغرافيا قابلة للتجديد والتغيير , تتنفس حرية واستقلال , لا تقبل الطاعة العمياء , والخنوع والاستسلام لأنظمة اسرية , وحكم الطاغوت .
معركة يستبسل فيها أبناء الأرض للدفاع عن أرضهم وعرضهم , عن عقيدتهم ومعتقدهم , عن قناعاتهم وأفكارهم وتوجهاتهم , حيث لا مساومة فيما يؤمنون ويريدون .
ردود الأفعال المضطربة حول معركة مأرب , هي انعكاس حقيقي لواقع ثورة تواجه هجمة شرسة من القوى المضادة وداعميها الإقليميين والدوليين , هجمة تدير المعركة نحو صناعة قوى تلبي أجندة الداعمين الدوليين و الإقليميين ( التحالف ) محل قوى تثير مخاوف مستقبل أنظمة الحكم في التحالف والمجتمع الدولي .
لمن يتساءل أين الشرعية , لم يدرك بعد أنها لم تعد غير هيكل يشرعن تنفيذ سيناريو معركة تخص الأنظمة الأسرية في دول التحالف , وهي تسعى لإعادة تموضع قواها في ذلك الهيكل , لتكن أكثر ضمانا لتنفيذ السيناريو, وإنهاك كل القوى الوطنية , الرافضة للتبعية والارتهان , بل تدمير إرادة تلك القوى على الأرض , وتجريدها من مقومات النضال والكفاح , لتكون النقطة الأضعف , بل الجزء الأكثر انهاك , ليستسلم لأمر واقع يراد له ان يكون .
لم يكن إغراق الجنوب في مستنقع النعرات والنزعات , خارج نطاق المخطط ,دون حقن وحقن مبرمج , يثير الروح السلبية , ويحطم إرادة الروح الإيجابية , بل ينتزع الأفكار الإيجابية من جذورها قبل ان تزهر حتى لا تثمر .
ما رأيناه من ردود أفعال صادمة لقوى وأفراد حول معركة مارب , لم تكن صادمة للمتابع الجيد للمشهد الجنوبي وهو يتشكل من وقت مبكر , بل هي نتاج لاستقطاب إقليمي ودولي , وترتيب أوراق عفن الماضي , لتبديد مخاوف وقلق الإقليم من حاضر ومستقبل اليمن .
مخاوف وقلق له معاركه واتفاقياته وتحالفاته , في مجتمع منهك شعارات لم ير لها أي اثر على الواقع , يرفع راية ترفرف فوق رؤوس لا تؤمن بها , ولا تعي قيمها ومبادئها وأخلاقياتها , للتحول لمجرد رؤوس لاعقل يرشدها , تثيرها العواطف والهواجس .
ما نراه ونستطلعه , هو نتاج طبيعي لفقد سترة النجاة من الرداءة والبلادة , وهي القيم والمبادئ والأخلاقيات, التي رماها البعض وسار في وحل من المخاطر دون ستره تنجيه منها , فوقع في هوة ما بين الأفكار والتوجهات والرؤى , الهوة السحيقة التي حالت دون إفراغ الذاكرة من سلبيات الماضي , وصار رقيق تلك السلبية المشحونة بالأفكار المغلوطة و تقديسها , يبني عليها مواقف واختيارات , وجعلته عاجزا على تحفيز ذاكرة إيجابية للتعامل مع الحاضر , للولوج لمستقبل خالي من الصراعات السلبية والإقصاء والتهميش والاجتثاث وأوهام السيطرة والتمكين على حكم الناس بالقوة والجبروت .
هذه السلبية جعلته أداة سهلة الاستخدام في معارك عبثية , لا تبقي ولا تذر , فيها يتمنى السقوط لقلاع تحميه من الأعداء , كمثل ذلك الجنوبي الذي يتمنى لمارب السقوط في يد الحوثي , وهي القلعة التي تحمي الجنوب من التمدد السلالي .
هذا التمني مبني على الشهوات والغرائز الخسيسة , وهواجس الرق الفكري المتعصب , الذي يتمنى أن يرى الآخر ذليلا مهانا , مستعد أن يتنازل عن المعركة الكبرى , في سبيل رغبات وهواجس صغرى هامشية , فانجر لمتاهات افقدته للرشد والإرشاد للقيم والمبادئ الإنسانية , التي تثير مشاعره الإنسانية والوطنية , من حب وتسامح وتصالح و توافق واتفاق على رؤى مشتركة , وتعايش وعيش كريم .
لا خير في تحالف يحمل كل تلك المخاوف والهواجس من مستقبل اليمن , بقائه صار عبء على المعركة الوطنية , وسند للمعارك الهامشية الغير وطنية , التي تسعى لتفكيك البلد وتنهك قواه وتفخيخه مخاوفها وهواجسها , ليستسلم اجنداتها .
معركتنا الوطنية يجب أن تعيد ترتيب أولوياتها , لتبدأ البداية الصحيحة بالتحرر من الارتهان والتبعية للخارج و أولهما التحالف , تحرير القرار السيادي من الوصاية , من أجل تحرير وطن وأمة , بداية ترسيخ الروح الإيجابية في الحاضر للولوج لمستقبل وضاء منشود .