واقع عدن وصراع السيطرة
في هذه اللحظات الفارقة تعيش عدن انفلاتا غير مسبوق , انفلات جعلها ساحة لحرب عصابات , وتراشق بالأسلحة المتوسطة , في أبسط خلاف , خلاف على بسط الأراضي والمتنفسات , خلاف على السيطرة على الإيرادات والإتاوات , في عدن اليوم مناطق مدنية مغلقة , تحت سلطة فلان وزعطان ,من الصعب دخولها دون موافقة من ذلك القائد فلان , الغير منضبط لسلطة ومؤسسة ونظام .
لحظات فارقة تعيشها عدن , في ظل اتفاق رياض أفضى لحكومة توافق , وأعادها للعمل من عدن كعاصمة مؤقتة , تستوعب كل مؤسسات الدولة , للبدء بترسيخ الدولة التي ننشدها جميعا بكل اختلافاتنا الفكرية والسياسية والعقائدية , دولة ضامنة للمواطنة , دولة النظام والقانون والمؤسسات والحريات والعدالة والتوافق على وطن يستوعب الجميع .
وبهذا يستدعي سيطرة تلك الدولة بمؤسساتها , مع وجود سلطة أمر واقع لا تقبل لعدن أن تكون مسرحا لهذه الدولة ومؤسساتها وقراراتها الرئاسية والحكومية , ما لم يتم الموافقة عليها من اعلى سلطة الأمر الواقع , هذا الواقع الذي يثير عددا من الأسئلة المسئولة :
ومن المسؤول إذا على واقع عدن اليوم وهو ينهار على رؤوس البسطاء ؟ حيث المسئولية استحقاق قبل أن تكون هيمنة .
من المسؤول على ضبط الأمن والأمان في عدن ؟ ضبط العصابات ولصوص الأراضي وهي تتراشق بالأسلحة المتوسطة في شوارع عدن المكتظة بالسكان , أسلحة وجنود يرتدون الزي العسكري ,يثيرون الهلع في أوساط الأمنيين , ويعكرون صفو السلم الاجتماعي والمدني في المدينة عدن , وتسببوا بأضرار في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.
من المسؤول عدن استقطاع أراضي وجزر كاملة , وسواحل ومتنزهات , مغلقة لنافذين عسكريين وقبليين دون مسوغ قانوني , وصفقات فساد ؟
من المسؤول عن ضبط استخلاص إيرادات عدن لتصب في موازنة عدن , وهي قادرة أن تغذي بنود صرف الرواتب لتنتظم شهريا , وتحسين المستوى المعيشي للناس ,وتدعم بنود الموازنات التشغيلية والصيانة للمرافق الحيوية التي تقدم خدمات مهمة لعدن ؟
من المسؤول على تنظيم المضاربة في سوق الصرف , وأصحاب التوكيلات التجارية , محتكري السلع , ومهربي المشتقات النفطية والمواد الغذائية والأدوية , وعدم ضبط سعر السلع الغذائية , من المسؤول عدن تجارة الأسلحة وتهريب الآثار وتدميرها , من المسؤول عن تنامي اقتصاد التهريب ,اقتصاد ظل يدعم اقتصاد الحرب التي تشن على المواطن , بطمع تجار الحرب الذين هم قادة مسيطرين على منافذ وطريق التهريب .
أسئلة كثيرة إجاباتها , تكمن في استحقاقات المسيطر على الأرض عسكريا , المعيق تطبيع الحياة في عدن واستقرارها , لتنفيذ سلطة النظام والقانون , وتفعيل القضاء والنيابة , وترسيخ عدالة اجتماعية ؟
هو ذاته المسؤول عن تغييب النظام والقانون , واستبداله بأعراف قبلية , حيث تقاوم مآدب الصلح القبلي بأشراف قيادات ,ونحر الاثوار , وتبديد المال العام والحق العام والممتلكات العامة كضمانات لهذا التحكيم , في تجاوز صارخ للنظم والقوانين ,تعود بعدن لأزمان غابرة ؟
هي المسئولية نفسها , تصب في محاربة النشاط التجاري واقتصاد عدن , من منافذه الرسمية , في ميناء عدن ومرفقه الحيوية التي كانت تضخ ملايين الدولارات لخزينة عدن , واليوم تعيش عدن ركود تجاري واقتصادي وافلاس غير مسبوق ؟
من المسؤول عن قادة خلال سنوات ثلاث , شيدوا القصور , و كنزوا الأموال , واشتروا عمارات وفلل وشقق فاخرة في دول العالم , والناس في الداخل يفتقدون لرواتب , وحياتهم جحيم من جوع ومرض وحاجة ؟ والله المستعان.
الواقع في عدن يحكم , مؤشراته تضع السيطرة على الأرض مسؤولية , حيث العصابات تدير عمليات نصب وبسط واستحواذ واستئثار وإقصاء وتهميش , عصابات تتقاتل على اقتسام غنيمة , وابتزاز حقوق الناس تحت مبررات عدة , عصابات تنقسم لفرق متعددة , فريق سياسي يدين ويشجب و يصنف ويفرز المجتمع بمزاجه واهوائه , وفريق اعلامي يواصل بث الاتهامات والتخوين والتكفير ,وفريق عسكري يستعرض القوة ويثير الرعب , ويسبب هلع في السكينة العامة بأطقم عسكرية لا ترعى حق الطريق وقانون السير , وفريق امني يهدد ويتوعد , ويستقطع له أراضي وجزر تحت مبرر الحماية , وفريق يروج أحلام المدينة الفاضلة , واستعادة الرخاء , والواقع غير .
في واقع كهذا تضيع وتتلاشى أي إنجازات ومواقف مشرفه للبعض , فقد دفنت تحت ركام من الأخطاء والتهور والطيش والشطط , ركام من الكراهية والأحقاد والضغائن , ركام من الماضي الذي لازال مؤثرا , ويقف البعض باكيا شاكيا على حائطه , مهددا متوعدا بالثأر والانتقام , ويمارس ممارسات أسوأ والعن من ذلك الماضي , فقدم صورة قبيحة لحاضر , ومؤشر أقبح للمستقبل .