مسلمو إيطاليا ومآسي كورونا.. الغسل والدفن يفاقمان المحن
يواجه المسلمون في إيطاليا -منذ تفشي فيروس كورونا- العديد من المشاكل كبقية الجاليات الأخرى، بيد أن المشكلة الحقيقية التي تكشّفت في الأيام الماضية تتعلق بصعوبة العثور على أماكن لدفن موتاهم، بسبب عدم وجود مقابر إسلامية في إيطاليا، باستثناء مدنها الكبرى.
وتنتظر إيطاليا بفارغ الصبر اقتراب 3 أبريل/نيسان المقبل، الذي من المقرر أن يتزامن حلوله مع انتهاء سريان التدابير الاحترازية الصارمة، التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء جوسيبي كونتي.
ووضعت الحكومة منذ العاشر من الشهر الحالي أكثر من ستين مليون إيطالي تحت الحجر الصحي؛ للحدّ من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفي-19)، بيد أن الحصيلة المأساوية لعدد الضحايا والإصابات اليومية، ستدفع إلى التمديد أسبوعين إضافيين على الأقل.
وفي ظل هذه "الكارثة" التي هزت -ولا تزال- أركان الدولة، يتشارك في المحنة مع الإيطاليين أبناء الجاليات العربية والمسلمة، ومن بينهم أكثر من مليون شخص من حملة الجنسية الإيطالية، حيث تمنح إيطاليا سنويا أكثر من مئة ألف جنسية للمهاجرين المقيمين على أراضيها.
- 100 وفاة
وفي السياق، يقول رئيس اتحاد الجاليات المسلمة في إيطاليا الدكتور ياسين لفرم "إن المعلومات التي وصلتنا حتى الآن تشير إلى أن عدد الوفيات لا تقل عن مئة وفاة، جلهم تقريبا في المقاطعات المنكوبة شمالي البلاد".
وأوضح لفرم في حوار حصري ومعمق مع موقع الجزيرة نت أن "المشكلة المستعصية التي واجهتنا هذه الأيام هي العثور على أماكن لدفن موتانا في المقابر، لا سيما أن عدد المقابر الإسلامية الموجودة في كافة أنحاء البلاد لا يزيد عددها على ستين مقبرة، تخضع جلها لأحكام البلديات الموجودة على أراضيها".
وبما أن البلديات يتجاوز عددها ثمانية آلاف بلدية، فبإمكانكم تخيّل حجم الصعوبات التي كان يتم تجاوزها قبل انتشار الفيروس بنقل أغلب جثامين الموتى إلى بلدانهم الأصلية، الأمر الذي بات مستحيلا بعد إغلاق السلطات حدودها، وتعليق كافة الرحلات الجوية والبحرية.
وأشار رئيس الجاليات المسلمة إلى الاتصالات الحثيثة التي أجراها مع السلطات للعثور على حلول للقضية، لا سيما أن هناك يوميا حالات وفاة بين المسلمين، مشدّدا على "تمكن الهيئة الإسلامية حتى الآن من دفن موتاها وفقا لنصوص الشريعة، رغم أن المشكلة لا تزال قائمة".
ولفت لفرم إلى ردود الفعل الإيجابية والقبول المبدئي الذي أبدته السلطات الإيطالية على الصعيدين الوطني والمحلي، خاصة البلديات التي أبدت استعدادها لحلّ المشاكل.
وفي ردّه على سؤال حول القصة التي أثارت مشاعره بشكل خاص منذ بداية الأزمة، روى لفرم قصة سيدة مقدونية توفيت بسبب مرض عضال في بلدية صغيرة شمالي البلاد، وبقي جثمانها في منزل عائلتها أسبوعا كاملا أمام زوجها وأبنائها، نظرا لتعذر نقلها إلى مقدونيا أو دفنها في بلدية المنطقة، حيث تقيم الأسرة؛ لعدم وجود مقبرة إسلامية هناك.
وتابع المسؤول "صدمت من هول تلك القصة التي هزّت كياني وحركت مشاعري، ولم أكن أصدق إلا بعد أن تواصلت هاتفيا مع ابنة المرحومة، واسمها "حراء" (23 عاما) وروت لي تفاصيل القصة".
ولفت ياسين إلى أن تلك الفاجعة دفعته للتواصل فورا مع السلطات الوطنية والمحلية على أعلى المستويات؛ الأمر الذي أدى إلى دفن السيدة قريبا من المنطقة التي تقيم فيها أسرتها. مؤكدا أن القصة أثارت مشاعر المسلمين والإيطاليين على حدّ سواء.
- فتوى الدفن
وكثرت الأسئلة خلال هذه الأسابيع في باب الجنائز وأحكامها، في ظل هذا الوضع الحرج، خاصة مع وفاة أول مجموعة من المسلمين في إيطاليا.
وبهذا الخصوص أصدرت الجمعية الإسلامية الإيطالية للأئمة والمرشدين فتوى حول أحكام الجنائز والدفن في ظل مستجدات وباء كورونا.
وقالت الجمعية إن الفتوى كما هو معلوم تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان والظروف، وإن الفقه الإسلامي يراعي في مثل هذه الظروف جملة من القواعد وما تفرع عنها بُنيت على استقراء نصوص الوحي وروح الشريعة، ومن ذلك قول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). وقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا).
وفي ظل الخشية والخطر من انتقال العدوى من الميت إلى الحي، حسب ما يؤكده الأطباء، وقوانين منع التجمعات سارية المفعول حاليا في البلاد لإقامة صلاة الجنائز، فقد جاء في الفتوى غسل المتوفى المصاب بكورونا بصبِّ الماء عليه من بعيد، مع أخذ الاحتياطات اللازمة للمغسلين، فإن تعذّر ذلك يُمّم، وإلا دُفن دون غسل ولا تيمم دفعا لانتقال العدوى.
ويُكفّن الميت بالكفن الشرعي إن تيسر وإلا فيُلفُّ عليه ثوب على ثيابه التي مات فيها إن تيسر، وإلا فكفنه ثيابه التي توفي فيها، وأخيرا الصلاة على الميت فرض كفاية -كما هو معلوم- إذا قام بها البعض سقط وجوبها عن بقية المكلفين.
- أطباء فلسطينيون وعرب
وعلى صعيد آخر، قال الدكتور خضر التميمي منسق الجاليات الفلسطينية في إيطاليا -هو طبيب أيضا مقيم بمدينة ميلانو منذ أكثر من أربعة عقود- "نحن على اتصال دائم بكافة الجاليات الفلسطينية ومع السفارة الفلسطينية في إيطاليا لتبادل المعلومات والتنسيق المستمر.
وأضاف أن هناك العديد من الطلاب الفلسطينيين الذين قدموا في السنوات الأخيرة من مخيمات لبنان، وهناك لاجئون آخرون من غزة، الذين لم تُقنن أوضاعهم بعد في إيطاليا، وأصبحوا الآن يعيشون للأسف في ظروف صعبة جدا بعد توقف الحوالات البنكية من لبنان، وفقدان من كان يعمل من اللاجئين عمله الذي كان يمثل مصدر رزقه الوحيد منذ انتشار الفيروس في البلاد.
ولفت التميمي -في حديثه للجزيرة نت- إلى صعوبة التواصل مع هؤلاء لمد يد العون لهم؛ نظرا للإجراءات الصارمة المفروضة على تنقل الأشخاص من مكان لآخر، مؤكدا انطلاق هبّة لمساعدة كل من يمكن الوصول إليه أو تقصي أخباره.
وقال إن "ما يقض مضاجعنا أن من بين أبناء هذه الجالية أكثر من ثلاثمئة طبيب إيطالي من أصول فلسطينية، لبوا نداء الواجب ويناضلون حاليا في الخطوط الأمامية، بعضهم من المسؤولين أيضا عن أقسام العناية المركزة بمستشفيات بيرغامو وبريشييا التي تتواجد فيها أخطر وأكثر الإصابات".
وختم التميمي بالقول "لدينا حالة وفاة واحدة لطبيب فلسطيني كان من أكفأ الأطباء. وطبيبان آخران كانا يكافحان في الخطوط الأولى، ويرقدان حاليا في العناية المركزة، ندعو لهما بالشفاء العاجل".