التوقيت الدقيق.. سر الحركات الرشيقة لدى الفراشات
كيف تستطيع الفراشة تنسيق عمل عضلات أجنحتها حتى تتمكن من النزول على سطح زهرة مضطربة في مهب الريح لتناول رحيقها؟ حسب دراسة علمية جديدة فإن السر وراء ذلك يكمن في التوقيت الدقيق للإشارات العصبية التي تصدر من دماغ الحشرة نحو الأجنحة. وقد يكون هذا السر كذلك وراء الحركات الدقيقة والرشيقة لدى الحيوانات الأخرى.
من خلال التقاط جميع إشارات دماغ فراشة عثة الصقر (Manduca sexta) التي يتم إرسالها إلى عضلات أجنحتها وتحليلها، أظهر الباحثون أهمية التوقيت الدقيق (المتزامن) للتغيرات السريعة للإشارات العصبية في سيطرتها على عضلات الطيران حتى تتمكن من تناول الرحيق من الزهور.
- ألف إشارة مختلفة/ثانية
رغم أن أهمية التزامن الدقيق لتغير الإشارات العصبية في التحكم بالعضلات كانت قد اكتشفت سابقا لدى بعض الفقاريات، فإن نتائج الدراسة الجديدة -التي نشرها باحثون من معهد جورجيا للتكنولوجيا في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي بمجلة "بروسيدنغز أوف ناشيونال أكاديمي أوف ساينس"- توضح طبيعة هذه الآلية وكيفية عملها.
ويظهر البحث الجديد أن التغييرات التي تحصل في جزء من الألف من الثانية الواحدة في الإشارات العصبية (ألف إشارة مختلفة في الثانية) وليس عدد هذه الإشارات أو سعتها هي التي تنقل غالبية المعلومات التي يستخدمها العث لتنسيق عمل العضلات الخمس في كل واحد من أجنحتها.
يقول الباحث سيمون سبونبيرغ المؤلف الرئيسي للدراسة "لقد تمكنا تقريبا من تسجيل كل إشارة تستخدمها الفراشة في وقت واحد للسيطرة على أجنحتها، الأمر الذي يمنحنا نافذة غير مسبوقة وكاملة حول كيفية قيام الدماغ بإجراء هذه المناورات الرشيقة ".
ويضيف الأستاذ بمعهد جورجيا للتكنولوجيا "يتم تنسيق (عمل) هذه العضلات عن طريق التحولات الدقيقة في التوقيت في حدود جزء واحد من ألف جزء من الثانية لتوليد المزيد من النشاط. إنها قصة أكثر دقة مما توقعنا، ويبدو أن هذا قد ينطبق بشكل أوسع على كائنات أخرى".
قام الباحثون في الدراسة بالبحث عن كيفية تنسيق الدماغ للأنشطة الرشيقة مثل الركض أو الطيران التي تتطلب التأقلم مع اضطرابات الهواء أو التغيرات على الأرض. ووجدوا أن حجم الإشارات يمكن أن يفسر السيطرة الشديدة على السلوك، لكنها لا تتيح تفسير كيفية إنجاز المهام الدقيقة التي تتطلبها المتغيرات البيئية كاستخراج الفراشات للرحيق من زهرة في مهب الريح.
- رموز التوقيت بالعضلات
يعد تسجيل إشارات التحكم الحركي في البشر والفقاريات الأخرى مهمة شاقة لأن الكثير من الخلايا العصبية تستخدم للتحكم في الكثير من العضلات حتى بالسلوكيات البسيطة. لذلك لجأ الباحثون إلى فراشة عثة الصقر التي تتغذى على الرحيق، ويتم التحكم في عضلاتها بواسطة خلايا عصبية حركية مفردة أو قليلة للغاية.
هذا الأمر سمح لهم بدراسة الإشارات العصبية عن طريق قياس نشاط العضلات، وذلك باستخدام أسلاك صغيرة يتم إدخالها من خلال الهيكل الخارجي للحشرة وإيصالها بالحاسوب لتسجيل الإشارات العصبية الصادرة من الدماغ نحو العضلات وتحليلها.
خلال التجربة تمكنت الفراشات من الطيران على حبل أثناء رؤية زهرة بلاستيكية ثلاثية الأبعاد متحركة. ولقياس قوى عزم الدوران التي تولده وهي تحاول تتبع الزهرة، تم تعليق الحشرة على جهاز قياس التسارع.
وأظهرت نتائج الدراسة أن العضلات المرتبطة بتحريك الفراشة لأجنحتها تستخدم رموز التوقيت بشكل متسق بغض النظر عن حجم العضلات وكيفية ارتباطها بالجسم.
ورغم عثور الباحثين بدراسات سابقة على مؤشرات حول أهمية التوقيت لدى الحيوانات العليا، فإن البحث الجديد سيشجع على إجراء مزيد من الدراسات حول دور التوقيت في إنجاز تلك الحيوانات حركات دقيقة ومتناسقة ومتناغمة، وكيفية إنشاء الأنظمة العصبية بشكل عام لأوامر حركية دقيقة ومنسقة، كما يقول سبونبيرغ.