"شعر في الشارع".. حين يلقي شعراء المغرب قصائدهم في الساحات والحارات
يقف بقامته الطويلة أمام الميكروفون وظهره إلى الجدار الأثري لأشهر ساحة بمدينة الصويرة (جنوب الدار البيضاء)، منتشيا بأبيات شعرية يقول فيها: "لست محظوظا يا لبيب البحر، أنت صفي ومنذور للعاصفة بلا غرق، أصِخ السمع، دع متلاشاتي جانبا".
يستمر الشاعر رشيد فجاوي في إلقاء قصيدته، ليس أمام جمهور من الجالسين على كراس وثيرة بل من أجل الزوار المارين والأهالي العابرين بساحة "مولاي الحسن" وسط المدينة المطلة على المحيط الأطلسي، عسى أن تلفتهم الكلمات وتشدهم المعاني.
بالنسبة للشاعر المنحدر من مدينة آسفي المجاورة، فإن مكان الشعراء وقصائدهم هي الهواء الطلق، مما حدا به رفقة مجموعة من الشعراء والفنانين المغاربة إلى إطلاق تظاهرة ثقافية وفنية أسموها "الشعر في الشارع".
ولأن قدماء الشعراء من سومريين ويونانيين وعرب تغنوا بالقصائد في المسارح المفتوحة وداخل الساحات والأسواق، وفق الشاعر فجاوي، فقد ارتأى رفقة زملاء آخرين إخراج الشعر من ضيق القاعات إلى رحابة الساحات والشوارع.
يقول صاحب ديوان "كنت محقا تماما يا أبي" للجزيرة نت "يحس الشعر بالضيق والحصار داخل القاعات وبين الجدران، لذلك يرغب بين حين وآخر أن يتجول في شوارع المدينة وأن يرقص في ساحاتها، أن يكون قريبا من الناس لا غريبا عنهم".
- للبحر وللعابرين
نجح إذن شعراء وفنانون ومثقفون مغاربة في إيقاف العابرين للحظات عبر تعبيرات قصائدهم وألحان موسيقاهم، وفضل المنظمون خلط مزيج مذهل من الشعر وباقي الفنون، فيما تولى الفنان المالي "بابا بياباتي" افتتاح اللقاء الشعري بعزف مقطوعات موسيقية ومرافقة باقي الشعراء ممن كانوا يتلون أبياتهم المتطايرة مع رياح مدينة "موكادور" بأربع لغات (العربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية).
ولأن للغناء مساحة فسيحة في اللقاء الأول لمبادرة "الشعر في الشارع" التي سيتم تنظيمها مستقبلا في مدن وقرى عبر ربوع البلاد، فضلت الشاعرة خديجة مسعودي إماطة اللثام عن موهبة فنية أخرى.
واختارت الشاعرة الشابة أداء أغنية "غني لي شوي شوي" للسيدة أم كلثوم، كتحريض منها لنفسها وللآخرين على الغناء، مما جعل الجمهور يتمايل ويردد كلمات الأغنية بفرح وحماس.
تحكي خديجة تجربتها للجزيرة نت قائلة: "أؤمن بأن الشعر يسعى للموسيقى، وأن الموسيقى تسعى للشعر. إنهما ثنائي يملآن فراغات بعضهما"، مستطردة بنبرة متحمسة "في تظاهرة شعر في الشارع، لم يخرج الشعر وحده، لقد حرر أجنحتي وأطلقني لموسيقى الريح حيث المدى والسماء والمحيط والمارة وطيور النورس".
وإن كان العابرون في الساحة ممن بقوا واقفين أو فضلوا الاسترخاء قليلا على الزرابي والطنافس التقليدية، نالوا نصيبا من جمالية القصائد الشعرية التي سعت إليهم عوض أن يسعوا هم إليها، فإن آخرين تركوا أقداح الشاي والقهوة جانبا واقتربوا من الحلقة ليرددوا مع خديجة مقطع "المغنى حياة الروح".
الشا
- خدمة الشعر
حرصُ المنظمين على إدراج فقرات موسيقية وغنائية لم يكن اعتباطيا، وإنما خدمة للشعر والقصيدة، بحسب ما أكده الشاعر عبد الرحيم خصار للجزيرة نت.
فعلى الرغم من أن تفاعل الناس كان جميلا وراقيا خلال بداية اللقاء وما أعقبه من قراءات للنصوص الشعرية، فإن توالي الفقرات ما بين غناء وموسيقى جعل الجمهور يقترب ويتفاعل بطريقة إيجابية ومبهجة.
ولأن الجمهور يحب الموسيقى، فقد حقق المنظمون المعادلة ومزجوا بينها وبين القصائد الشعرية، كما عمدوا إلى ترك القاعات المغلقة وقصد الناس في الشارع، وجعلوهم يتوقفون قليلا ليكتشفوا أن "هذا الشعر فن جميل يلمس القلوب وليس غريبا ونخبويا"، بحسب الشاعر المغربي.
وبحثا عن جمهور أوسع وشرائح مختلفة ودفعها لتذوق الشعر وجماليته، اتفق شعراء ومثقفون وفنانون على ضرب مواعيد للقاءات متتالية في ساحة أو شارع أو حارة، تجمع شمل المرهفين وتقرب الأشعار والقصائد من العامة.