احتلال ثروات اليمن.. مشاريع مشبوهة للتحالف في المهرة وسقطرى
اتسعت دائرة الدمار في المناطق المحررة باليمن، في ظل إصرار تحالف السعودية والإمارات على عرقلة أي محاولة لإعادة الإعمار، على مدار خمس سنوات من الحرب والصراع الدائر مع الحوثيين، وفي المقابل ذهب التحالف لإقامة مشروعات مشبوهة في كل من محافظة المهرة (شرق) وسقطرى (جزيرة في المحيط الهندي)، تستهدف السيطرة على ثرواتهما، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".
وقدرت الحكومة اليمنية خسارة مختلف قطاعات الاقتصاد بنحو 50 مليار دولار بسبب الحرب، بينما كشفت مسودة خطة أوليات إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي للعامين 2019 – 2020 اطلعت عليها "العربي الجديد"، عن خسائر أخرى بعشرات المليارات من الدولارات ناتجة عن تدمير البنية التحتية للبلاد.
في هذا السياق، يحذر الخبير الاستشاري في إدارة المشاريع، مروان السعيدي، من تهميش المحافظات والمدن المحررة وقطاع المقاولات اليمني في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، خلال المرحلة المقبلة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "يجب العمل على معالجة المشاكل والأعباء التي ترزح تحتها مختلف قطاعات الأعمال وانتشالها من وضعيتها الراهنة".
وكشف السعيدي عن ظهور مؤشرات توحي بإقصاء الشركات والمقاولين وقطاع الأعمال اليمني من عمليات إعادة الإعمار المرتقبة بالعديد من المناطق، والاعتماد بشكل كلي على شركات سعودية بإشراف السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر.
ويبدي استغرابه من تصرف التحالف الذي شن حرباً على اليمن لدحر الانقلاب وإعادة الشرعية، لكن اتضح أن له أغراضاً وأهدافاً أخرى بدأت تتضح مؤخراً بصورة جلية وفقاً لما يجري في المهرة وسقطرى، حسب السعيدي.
ويقول إن الحرب دمرت صنعاء وعدن وشبوة وتعز ومأرب والجوف ولحج والضالع، وبدلاً من تطبيع الحياة في المحافظات التي دمرتها الحرب والتي قد تم تحريرها وتنفيذ مشاريع إنقاذية عاجلة في إطار عملية التعافي والبناء والإعمار، اتجه التحالف لتطبيع الحياة وتنفيذ مشاريع في مناطق ومحافظات لم تصلها الحرب وبعيداً تماماً عنها، إذ ذهبت السعودية إلى المهرة والإمارات إلى سقطرى، وهو ما يؤكد الأغراض المشبوهة لدولتي التحالف في اليمن.
وأغلب المشاريع التي ينفذها التحالف في سقطرى والمهرة تستهدف السيطرة على ثروات وإمكانات البلاد، ومنها مشروعات محطات كهربائية وألواح طاقة شمسية ومشاريع أشغال عامة وطرق.
وكان السفير السعودي، محمد سعيد آل جابر، قد اصطحب ممثلي الحكومة اليمنية أكثر من مرة لوضع أحجار أساس كثيرة لمشاريع وهمية ضخمة في الغيظة عاصمة المهرة وغيرها لامتصاص غضب الرافضين للاستيلاء على أراضي المحافظة والموانئ والمنافذ المغرية قرب بحر العرب ولم يعترض أحد في الحكومة اليمنية على تعديات المملكة بشق طرقات أسفلتية طويلة تقسم المهرة وتقتطع منها وتعزلها من بعض حدودها، وتأخر الاحتجاجات المستمرة في المهرة تنفيذه.
وفي الحقيقة تعمل السعودية في المهرة على إنشاء مشاريع خاصة بها في مجال النفط وتهيئة البنية التحتية اللازمة لوضع أنبوب خاص بها لتصدير النفط، إذ تسعى الرياض حسب مصادر لـ"العربي الجديد" إلى استخدام المهرة في منظومتها التصديرية في المشتقات النفطية.
وعلى الجانب الآخر تقوم الإمارات بمشاريع محدودة في المطار والميناء لخدمة مصالحها الخاصة في أهم وأكبر جزيرة يمنية وهي سقطرى.
ودمّر القصف الذي كان أغلبه عشوائياً عدداً من المدن اليمنية وأحدث أضراراً بالغة في البنية التحتية وأدى إلى تدهور حاد بمنظومة الخدمات الأساسية وخاصة المياه والكهرباء والصحة والتعليم، إضافة إلى تشريد نحو ثلاثة ملايين نازح داخل البلاد.
في هذا الخصوص يؤكد الباحث الاقتصادي، عبد الفتاح الحكيمي، لـ "العربي الجديد"، أن تحالف السعودية والإمارات عطل دور كل مؤسسات سلطة الشرعية (المعترف بها) طوال خمس سنوات، وقيدوا إرادة القرار اليمني، وفرضوا من يريدونهم من الوزراء والمديرين لتمرير أطماعهم.
وأضاف: وصل الأمر إلى بقاء وزارة الأشغال العامة (التي يمكن أن تتولى مشاريع التعافي والإعمار) شاغرة بدون وزير بعد تعيين معين عبد الملك الذي كان يشغلها رئيساً للوزراء، ولهذا فإن المتتبع للإحداث في اليمن يجد أن السفير السعودي يحتفظ بهذا المنصب ولو بطريقة غير مباشرة.
وتابع الحكيمي: "على الأرض يتصرف الأشقاء ليس كأوصياء فحسب بل يتقمصون ويمارسون أكثر من دور صاحب السيادة ومالكها نفسه"، إذ تم عزل المهرة كما يوضح الحكيمي، عن محيطها الجغرافي وتم التحكم في منافذ العبور الرئيسية وتكدير معيشة وحياة الناس وقهرهم بمزاعم مكافحة الإرهاب، فأقحمت المهرة في الحرب البعيدة عن حدودها عنوة بهذه الذريعة الكيدية لتسهيل السيطرة والاستحواذ على مقدراتها الحيوية وثرواتها.
وجاء توقيع اتفاقية الرياض بين الحكومة الشرعية والانتقالي، حسب الحكيمي، لينتزع التحالف من خلال بنودها ما تبقى من سلطات نسبية للدولة اليمنية في مناطق جنوب اليمن لصالح الرياض وأبوظبي، وعزز ذلك بحقه الحصري في التحكم بثروات ومقدرات اليمن ومواقعه السيادية.
وتسببت الحرب حسب تقارير دولية ومحلية حديثة في فقدان المواطن اليمني ثلثي دخله نتيجة ارتفاع التضخم وانهيار العملة وارتفاع نسبة الفقر إلى ما يقرب من 70% ومعاناة نحو 80% من انعدام الأمن الغذائي.
ويقول رئيس جمعية المعماريين اليمنيين، محمد عبد الخالق الطلوع، لـ"العربي الجديد"، إن الصراع تسبب في خسائر وأضرار مالية ومادية وبشرية كبيرة تجاوزت قيمتها قدرات اليمن على التعافي ما بعد توقف الحرب والصراع لبدء مشاريع إعادة الإعمار، ولهذا تحتاج البلاد إلى دعم وجهود دولية سخية لجبر أوضاع المناطق والمدن
المتضررة بدرجة رئيسية.
ويدعو الطلوع إلى تعويض الشعب اليمني عما يجرى بعدالة وإنسانية لضمان العودة حتى إلى مستوى ما كان عليه اليمن سابقاً كمرحلة أولى، بعدها يتم التركيز على مشاريع البناء والتطوير التنموي.
من جانبه يؤكد الباحث الاقتصادي، عبد الواحد العوبلي، أن ادعاء دول التحالف دعم اليمن خلال فترة الحرب ليس إلا من قبيل التضليل، لأن كل ما حدث وما يحدث لم يخدم جهود اليمنيين لإيقاف الحرب وتمكينهم من السيطرة على مواردهم السيادية في سبيل استعادة دولتهم ومؤسساتهم واقتصادهم ليتمكنوا من وقف تدهور عملتهم وإعادة الحياة إلى المدن التي أعلنوا تحريرها من الحوثيين.
بل كانت كل التحركات، كما يقول العوبلي لـ"العربي الجديد"، ضمن مخطط لاستمرار احتلال ثروات البلاد، إذ تم فتح جبهات عبثية في محافظات بعيدة كل البعد عن الحرب مثل المهرة وسقطرى وتنفيذ مشروعات مشبوهة فيها وبالتالي إطالة أمد الحرب وتشتيت جهود إيقافها والعمل على ترتيبات بناء وإعمار يكون للتحالف فيها نصيب كبير كما بدأ يحدث حالياً.
وكان مركز الملك سلمان للأعمال الإغاثية قد أعلن، عبر مديره عبد الله الربيعة، عن إجمالي ما أنفقته المملكة على اليمن منذ بداية الحرب بنحو 17 مليار دولار، بينما قالت مندوبة الإمارات في الأمم المتحدة أميرة الحفيتي، في جلسة الشهر الماضي في مجلس الأمن، إن بلادها أنفقت ما يقارب 8 مليارات دولارات في اليمن.