العراق مرتع لصوص الآثار خلال عقود من الحروب والاضطراب
[ أحد مسؤولي المتحف الوطني في بغداد يجلس متحسرا على قطع أثرية مدمرة بعد الفوضى التي حلت في أبريل/نيسان 2003 (إندبندنت) ]
في أعماق المكاتب الخلفية الخاصة بالمتحف الوطني العراقي في بغداد، وفي نهاية ممر طويل، بعيدا عن الأعمدة البابلية والثيران المجنحة التي تعود للعهد الآشوري؛ يستمر البحث عن كنوز بلاد الرافدين المفقودة.
ونقل تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية عن وفاء حسن عالمة الآثار ورئيسة قسم استعادة الآثار بالمتحف الوطني العراقي أن "الآثار العراقية المفقودة موجودة في أميركا وبريطانيا وسويسرا ولبنان والإمارات وإسبانيا... وأن هناك سعيا لاستعادتها".
وحسب وفاء، فإن عشرات الآلاف من القطع الأثرية نُهبت من العراق ونقلت إلى المتاحف الأخرى والمجموعات الخاصة.
وتمثّل بلاد الرافدين المكان الذي ولدت فيه الحضارة، وبنيت المدن الأولى، وكُتبت الكلمات الأولى.
وفي ظلّ الحرب وحالة عدم الاستقرار التي عاشها العراق في العقود السابقة، استغلّ اللصوص هذه الفرصة. ولطالما نقل علماء الآثار الأوروبيون اكتشافاتهم بشكل روتيني إلى بلدانهم الأصلية في أوائل القرن العشرين.
كما كانت عمليات الحفر غير القانوني شائعة في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، خاصة بعد حرب الخليج الأولى (1990-1991)، ولكن الفوضى لم تبدأ فعلا إلا بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق سنة 2003.
وأضاف كاتب التقرير ريتشارد هال أنه في العاشر من أبريل/نيسان 2003 تعرّض المتحف الوطني العراقي للنهب بأكمله، وسُرقت منه أكثر من 15 ألف قطعة.
وبينما كان يجري الاستعداد لإعادة افتتاح المتحف، حدثت كارثة أخرى سنة 2014، حيث سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث البلاد، بما في ذلك الآلاف من المواقع الأثرية والمتاحف.
وخلال سيطرته دمر تنظيم الدولة العديد من التماثيل التي لا تقدر بثمن، وهرّبت الباقي للحصول على مبالغ مالية.
وتشير تقارير إلى أن التنظيم تمكن من جمع أكثر مئة مليون دولار سنويا من خلال بيع الآثار المسروقة في السوق السوداء.
وذكر التقرير أن من بين القطع المفقودة لوحة من الطين مع كتابة مسمارية من مدينة أوروك السومرية القديمة (جنوب العراق)، التي يعود تاريخها إلى نحو 3500 قبل الميلاد، وأسطوانة تحمل اسم الملك الآشوري آشوربانيبال من بابل يعود تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد.
وذكر الكاتب أن العراق تمكن من استرداد ما يقارب نصف عدد الآثار التي نُهبت سنة 2003، بمساعدة العديد من الحكومات الأجنبية. وفي مارس/آذار من هذه السنة، أعادت بريطانيا حجرا بابليا نادرا عليه كتابة مسمارية، تمت مصادرته في مطار هيثرو أثناء محاولة تهريبه.
ومن المقرّر أيضا أن تعيد بريطانيا مجموعة تتكوّن من 154 لوحا للكتابة المسماريّة تمّت مصادرتها سنة 2011.
في المقابل، ترفض بعض الدول التخلي عن القطع الأثريّة العراقية المنهوبة التي بحوزتها.
وفي لندن، بيعت الأسبوع الماضي في مزاد كريستي عدة آثار، وكان من بينها لوح طيني عمره خمسة آلاف سنة مع كتابة بروتونية مسمارية، وهو في الواقع من أقدم الكتابات التي سجلها الإنسان، وبيعت هذه القطعة مقابل 62 ألفا وخمسمئة جنيه إسترليني (79 ألف دولار).
وقبل فترة، قامت جامعة لندن بتحقيق حول أوعية أثرية استعارتها من تاجر آثار نرويجي، ورغم أن نتيجة التحقيق لم تنشرها الجامعة، فإن عالم الآثار والبروفيسور في جامعة كامبريدج كولين رينفرو قام بنشرها، وأخبر مجلس اللوردات (وهو عضو فيه) أن التحقيق قد كشف عن أن هناك احتمالا كبيرا بأن هذه القطع سرقت من العراق خلال حرب الخليج الأولى، وتحديدا في السادس من أغسطس/آب 1990؛ مما يعني أنها بيعت بطريقة غير قانونية.
وفقا للتحقيق، استشهد الخبراء بقانون في العراق يعود إلى سنة 1936 يحظر تصدير الآثار إلا في حال كانت ستعرض في المعارض، أو ستجرى عليها بعض الأبحاث.
ونقل الكاتب عن علي الطائي، وهو المسؤول القانوني الذي يعمل في قسم استعادة الآثار، قوله "لقد حاولنا استعادة هذه القطع الأثرية مرات عديدة من خلال القنوات الدبلوماسية الرسمية، ولكننا للأسف لم نتلق أي رد بخصوص هذه المسألة، لذا سنلجأ إلى استخدام أساليب أخرى".
وأفاد الكاتب بأن هناك أكثر من عشرة آلاف موقع أثري مهم في جميع أنحاء العراق، ولكنه لم يتم حفر سوى 10% منها، أما البقية فقد تركت دون حراسة مما جعلها معرضة للسرقة من قبل المهربين.
وأوضح برونو ديسلاندس، وهو مهندس صيانة في اليونسكو أن التنقيب غير الشرعي لبعض المواقع الأثرية يمثل أكبر تهديد لتاريخ العراق.
وأضاف أن غياب التناسق والتواصل بين مختلف الوكالات الحكومية وقواعد البيانات المركزية لتتبع العناصر المفقودة يعيق عمل الخبراء الذين يحاولون إعادة القطع الأثرية المفقودة.
المصدر : إندبندنت - الجزيرة