كارنيغي: دبي تلعب دورا مهما في تسهيل الفساد والتدفقات المالية غير المشروعة
قالت مؤسسة كارنيغي لأبحاث السلام إن إمارة دبي تعد واحدة من البؤر التي تمكّن للفساد العالمي والجريمة والتدفقات المالية غير المشروعة، وأشارت إلى ضرورة الضغط على المسؤولين في دولة الإمارات لتنفيذ إصلاحات حتى لا يتضرر الاستقرار والسلام العالميان.
وتستهل المؤسسة تقريرا طويلا لها عنوانه "دور دبي في تسهيل الفساد والتدفقات المالية العالمية غير المشروعة" (Dubai’s Role in Facilitating Corruption and Global Illicit Financial Flows) بالقول إن فاسدين ومجرمين من جميع أنحاء العالم يعملون عبر دبي أو منها، ويجدون فيها مكانا ملائما لأنشطتهم في غسل الأموال، بينهم أمراء الحرب الأفغان والعصابات الروسية واللصوص النيجيريون وغاسلو الأموال الأوروبيون ومهربو الذهب بشرق أفريقيا.
ويقول التقرير المطول إن ما دعم ازدهار دبي هو التدفق المستمر للعائدات غير المشروعة الناتجة عن الفساد والجريمة، وقد ساعد تدفق هذه الثروات في الإمارة على تغذية سوق العقارات فيها، كما حولها إلى مركز رئيسي لتجارة الذهب في العالم.
- غض الطرف عن الأموال القذرة
ويلفت التقرير الانتباه إلى أنه في الوقت نفسه يواصل كل من القادة الإماراتيين والمجتمع الدولي غض الطرف عن السلوكيات الإشكالية والثغرات الإدارية والممارسات التي تجعل دبي وجهة جذابة عالميا للأموال القذرة.
وذكّر بأنه في الوقت الذي يعيد فيه القادة في واشنطن والعديد من العواصم الغربية الأخرى تقييم إستراتيجياتهم وعلاقاتهم في الخليج لتعكس الحقائق الجيوسياسية المتغيرة والضرورات الاقتصادية الجديدة والاختلافات المتزايدة مع الشركاء الإقليميين بشأن مجموعة من قضايا السياسة فإن هناك فرصة لن تدوم طويلا للتصدي للمخاوف بشأن دور دبي في تمكين الفساد العالمي وآثاره المتعددة المزعزعة للاستقرار.
وقال التقرير إن القيام بهذا الإصلاح سيتطلب فهما دقيقا لسبب ظهور الفساد وكيفية تحوله إلى عنصر مركزي في الاقتصاد السياسي لدبي.
وأوضح أن الإمارة بنيت لجذب المشترين الأجانب، وتكتظ بأبراج من شقق راقية وجزر من صنع الإنسان مرصعة بفيلات فاخرة، وتطور سوق العقارات فيها وأصبح مصدرا لجذب الأموال الملوثة، لأن مطوري العقارات والوكلاء العقاريين يقبلون مبالغ ضخمة من الأشخاص المشتبه بهم سياسيا، ومن شاغلي الوظائف العامة وكذلك عائلاتهم وشركائهم، وغيرهم من المشترين المشبوهين، وحتى الأفراد الذين تستهدفهم العقوبات الدولية يستخدمون دبي لغسل الأموال بسبب ضعف اللوائح والتراخي.
- دبي محور لغسل الذهب
وبحسب تقرير كارنيغي، تعد دبي الآن واحدة من أكبر محاور الذهب في العالم، وهي أيضا مكان لغسل الذهب المستخرج يدويا، خاصة من مناطق الصراعات في شرق ووسط أفريقيا، وتسمح الممارسات التجارية المبهمة والثغرات التنظيمية لهذا الذهب المغسول بدخول الأسواق العالمية على نطاق واسع.
وأضاف التقرير أنه مع ما يقارب 30 منطقة تجارة حرة تعد دبي ملاذا لغسل الأموال على أساس التجارة، وتعمل هذه المناطق بالحد الأدنى من الإشراف التنظيمي أو فرض الجمارك، وتسمح للشركات بإخفاء العائدات الإجرامية من خلال الإفراط في خفض السعر الحقيقي بالفواتير أو رفعها، وبالفواتير المتعددة، وتزوير الوثائق التجارية الأخرى.
ويتم كل ذلك -كما يشير التقرير- مع امتلاك الحكومة المركزية لدولة الإمارات ومسؤولي دبي ووكالات إنفاذ القانون الإماراتية إلى حد كبير المعرفة التقنية والقدرة على معالجة هذه القضايا، ومع علم المسؤولين والمنظمين ووكلاء إنفاذ القانون الإماراتيين بأن دبي قناة للمعاملات المالية غير المشروعة.
- دور دبي في فساد الحكم بالعالم
ونبه التقرير إلى أن ما يحدث في دبي ودولة الإمارات مهم، لأن لكلتيهما أهمية أستراتيجية للولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى، لأن الإمارات هي واحدة من شركاء واشنطن ولندن الرئيسيين في الأمن والتجارة في المنطقة، ولدبي -خصوصا- علاقات تاريخية وتجارية وثيقة مع إيران المجاورة.
وعلاوة على ذلك، فإن العديد من الأنشطة غير المشروعة الموضحة في هذا التقرير -تقول كارنيغي- لها عواقب إستراتيجية على أميركا وبريطانيا، حيث إنها تؤدي إلى تفاقم الصراع والجريمة المنظمة العابرة للدول و"الإرهاب" وسوء الحكم في البلدان بجميع أنحاء العالم.
- مكافحة الفساد الشائكة وتحديات الجريمة المنظمة
ومن أبرز تحديات مكافحة الفساد والجريمة المنظمة في دبي -بحسب كارنيغي- هو النطاق الواسع والحجم الكبير للتدفقات المالية غير المشروعة وشبكات التيسير العالمية التي تنتهي في الإمارة أو تعبرها.
وتتقاطع هذه الروابط الإشكالية مع مجموعة من اهتمامات السياسة الإقليمية والوظيفية الأخرى، وغالبا ما ترفض دبي -التي تتسم بالسرية والتشويش- المحاولات الخارجية لتمييز ما إذا كان اللصوص والمجرمون يشترون العقارات أو يغسلون الأموال من خلال الإمارة.
ويضيف تقرير كارنيغي أن وكالات إنفاذ القانون الدولية تجد صعوبة في الحصول على المعلومات والتعاون من السلطات الإماراتية.
وفي تقريرها الصادر في أبريل/نيسان الماضي عن دولة الإمارات، وجهت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية الحكومية الدولية "فاتف" (The Financial Action Task Force (FATF) دعوة محددة لدبي بسبب العدد المحدود من المحاكمات والإدانات المتعلقة بغسل الأموال.
ونتيجة لذلك، وضعت "فاتف" الإمارة تحت المراقبة لمدة عام للتأكد من أنها تنفذ بالكامل تشريعات مكافحة غسل الأموال التي تم إقرارها مؤخرا، وأنها تعمل بنشاط على تفكيك شبكات غسل الأموال الدولية، وتحسين التعاون الرسمي عبر الحدود في القضايا الجنائية.
ومع هذه التهمة لا يستطيع صانعو السياسات ومنفذوها التغاضي عن فشل دبي في اتخاذ السياسة العلاجية وخطوات الإنفاذ اللازمة لوقف التدفقات المالية غير المشروعة.
- مؤسسات حكم ذات طابع شخصي
ويرى تقرير كارنيغي أن التحديات الرئيسية الأخرى في مكافحة الفساد بدبي هي مؤسسات الإمارة ذات الطابع الشخصي للغاية وعدم وجود آليات لمحاسبة النخب، وعلى الرغم من أن اللصوص والمجرمين ينشطون بالمثل وقادرون على استغلال اللوائح المتراخية في الولايات المتحدة وبريطانيا والعديد من البلدان الأوروبية الأخرى فإنهم يواجهون تدقيقا أكبر بكثير من مسؤولي إنفاذ القانون ووسائل الإعلام والمجتمع المدني في تلك البلدان مقارنة بما هو موجود في دبي، ولا تدعم الإمارة الصحافة الحرة والمجتمع المدني النشط والحق في الاحتجاج السلمي.
وفي غياب الضغط المحلي والدولي نجد أن النخب الإماراتية لها الحرية في مقاومة الإصلاحات التي تعرّض مصالحها الخاصة للخطر أو رؤيتها الاقتصادية السياسية المفضلة لدبي والإمارات بشكل عام، وفق تقرير كارنيغي.
ويرى التقرير أنه وإلى أن يكثف صانعو السياسات والممارسون الدوليون جهودهم لتحفيز صناع القرار الإماراتيين والضغط عليهم لإجراء إصلاحات واتخاذ إجراءات صارمة ضد التدفقات المالية غير المشروعة عبر الإمارة فإن دبي ستظل تشكل تحديا لجهود مكافحة الفساد ومكافحة الجريمة على مستوى العالم.
- طرق المستقبل
ويؤكد التقرير أن الإصلاحات قابلة للتطبيق وواقعية وتخدم المصلحة الإستراتيجية للقادة الإماراتيين وشركائهم الدوليين، ويورد عددا من الإشارات لبلورة سبل الإصلاح في دبي، ومنها:
• وضع الإمارة تحت المراقبة من قبل "فاتف":
هو إشارة مهمة إلى أن التدقيق والضغط الدولي على أنشطة دبي سيزدادان، وعلاوة على ذلك، ستبقى الإمارة عرضة بشكل غير متناسب للصدمات الخارجية مثل الأزمة المالية العالمية لعام 2008، فعندما لا تعاني أسواق الأعمال والعقارات والسفر والتمويل المشروعة فحسب، بل أيضا المؤسسات الإجرامية يمكن للإمارة أن تبدأ على الفور في التخلص من التدفقات المالية غير المشروعة من خلال تطبيق القوانين القائمة بشكل أكثر فعالية وشفافية، كما يمكن لدبي أن تشدد على تنظيم قطاعات العقارات والذهب والمصارف، وتحرير قوانين العمل، ومعالجة غسل الأموال القائم على التجارة، وتعميق التعاون مع تطبيق القانون الدولي.
• يمكن لصانعي السياسات الغربيين أيضا أن يلعبوا دورا في تشجيع حكومة دبي والإمارات والضغط عليهما لتطبيق الإصلاحات، ويمكن أن تشمل الإجراءات المحتملة لصانعي السياسة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا فرض عقوبات سفر ومالية على ميسري الجرائم والفساد في الإمارات، كما يمكنهم أيضا التركيز بشكل أكبر على قضايا القوة الناعمة، مثل الافتقار إلى حقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الرشيد في دبي والإمارات بشكل عام بدلا من التركيز فقط تقريبا على تمويل "الإرهاب" والأنشطة المناهضة لإيران.
• ربط المساعدات الأمنية بالإصلاحات المطلوبة
وكجزء من هذا الجهد يمكن أن يكون الارتباط والمساعدة الأمنية مشروطين بالإصلاحات المطلوبة، وعلاوة على ذلك، ونظرا لنقص حرية الصحافة والمجتمع المدني بدولة الإمارات يمكن للحكومات الغربية زيادة دعمها للصحفيين الخارجيين المستقلين وجماعات المجتمع المدني والباحثين في مجال مكافحة الفساد وحقوق الإنسان الذين يقدمون تقارير عن دبي.
• دور الكيانات غير الحكومية
ويمكن للمنظمات الدولية -بما في ذلك الأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز- إلقاء نظرة أكثر صرامة على دور دبي في تسهيل التدفقات المالية غير المشروعة، والنظر في إضافة الإمارة إلى قوائم سوداء مختلفة بما يتماشى مع النتائج الأخيرة التي توصلت إليها مجموعة العمل المالي.
• دور المنظمات الدولية وجماعات المجتمع المدني والحكومات الغربية
ويمكن أيضا للمنظمات الدولية وجماعات المجتمع المدني والحكومات الغربية أن تنأى بنفسها عن السمعة السيئة لدبي في غسل الأموال، مثل أن تكف هذه الجهات عن إرسال الرسائل التي تؤدي إلى نتائج عكسية أو مختلطة عند المشاركة في المناسبات التي تلحق الضرر بمكافحة الفساد في دبي أو حقوق الإنسان أو منع نشوب النزاعات.
ويختتم التقرير ملاحظاته بأن هؤلاء الفاعلين الدوليين سيحتاجون إلى العمل معا لصياغة مجموعة متماسكة ومنسقة من الحوافز والمثبطات، وهي ما تسمى "الجزرة والعصا"، والتي من شأنها أن تؤثر على حسابات صنع القرار للقادة الإماراتيين.