احتجاجات إيران: خامنئي يؤيد رفع أسعار البنزين... ودعوات لإلغاء القرار
[ احتجاجات إيران: خامنئي يؤيد رفع أسعار البنزين... ودعوات لإلغاء القرار ]
في أول تعليق على الاحتجاجات التي تشهدها إيران، قال المرشد الأعلى، علي خامنئي، اليوم الأحد، إن خطة رفع أسعار الوقود يجب أن تنفذ وتطبق، ملقياً باللوم والمسؤولية فيما يجري من "تخريب" على من أسماهم "معارضي الثورة والأعداء"، في حين عقد مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران جلسة مغلقة صباح اليوم بحضور أمين المجلس الأعلى للأمن القومي لمناقشة قرار زيادة أسعار البنزين وتداعياته.
وأيّد خامنئي، بحسب ما نقل عنه التلفزيون الرسمي، اليوم، قرار زيادة أسعار البنزين وتقنين توزيعه، وهو قرار اتخذته الحكومة بشكل مفاجئ وأثار تظاهرات في عدة مدن إيرانية.
وقال خامنئي "لست خبيراً وهناك آراء مختلفة، لكنني قلت إنه إذا ما اتخذ قادة الفروع الثلاثة قراراً، فإنني أؤيده"، تعقيباً على القرار الصادر، يوم الجمعة الماضي، عن المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي المؤلف من الرئيس ورئيس مجلس الشورى ورئيس السلطة.
وأضاف: "لا شك أن بعض الناس يشعرون بالقلق من هذا القرار. لكن التخريب والإحراق يتم عن طريق مثيري الشغب وليس شعبنا. إن الثورة المضادة وأعداء إيران يدعمون دائماً التخريب ويزعزعون الأمن ويستمرون في فعل ذلك".
وفي وقت سابق، أكد مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الإعلامية، حسام الدين آشنا، أن بلاده "ليست العراق ولا لبنان والسفارة الأميركية مغلقة منذ سنوات"، في اتهام للسفارة الأميركية بالوقوف وراء الأوضاع في البلدين.
وقال آشنا في تغريدة على "تويتر"، إن "المتربصين في الداخل والخارج ارتكبوا خطأ استراتيجيا"، مؤكداً أن المواطنين الإيرانيين "لن يسمحوا بأن تقرر وسائل إعلام عميلة مصيرنا"، متوعدا بأن "الأيام ستثبت ذلك".
في الأثناء، تصاعدت انتقادات مرجعيات دينية إيرانية بارزة، لقرار زيادة أسعار البنزين، فبعد أن أصدر المرجع الديني لطف الله غلبايغاني بياناً، أعرب فيه عن أسفه وقلقه "الشديدين" لهذا القرار ودعا إلى إلغائه، انتقده المرجع الديني المعروف ناصر مكارم شيرازي في بيان، داعياً الحكومة والسلطات الإيرانية الثلاث إلى توضيح أسباب ذلك.
واعتبر مكارم شيرازي أن "زيادة أسعار البنزين لثلاثة أضعاف في توقيت غير مناسب أحدثت صدمة كبيرة للرأي العام"، مضيفاً أن ذلك أدى إلى "احتجاجات".
من جانبه، وصف المرجع الديني محمد علي علوي جرجاني في بيان، قرار رفع أسعار البنزين "المفاجئ" في البلاد بأنه "محزن جداً"، معتبراً أنه يأتي "في ضوء الضغوط الكبيرة التي يتحملها الناس إثر العقوبات، وارتفاع أسعار العملات بشكل غير مألوف".
ودعا جرجاني إلى "تجنب أي سلوك يزيد من المشاكل المعيشية في الظروف الراهنة للمواطنين الإيرانيين"، معتبراً أن قرار رفع أسعار البنزين "غير صائب ويتعارض مع المصالح الوطنية".
ودعا المرجع الإيراني نواب البرلمان إلى "الوقوف في وجه إيجاد اضطراب معيشي في المجتمع بحزم"، كما أنه طالب الحكومة الإيرانية بـ"إعادة النظر في القرار قبل فوات الأوان".
إلى ذلك، كشف رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية، النائب المحافظ مجتبى ذو النور أن البرلمان سيدعو اليوم الأحد إلى إلغاء قرار زيادة أسعار البنزين من خلال تبني مشروع عاجل.
وأكد أن البرلمان والنواب "لم يكن لهم أي دور في القرار، ولم يكونوا مطلعين على هذا التصرف المفاجئ للحكومة"، معتبرا ذلك "إجراء خاطئاً".
كما أعلنت كتلة "أميد" (الأمل) الإصلاحية، السبت أنها ستقدم اليوم الأحد مشروع قرار في البرلمان لإلغاء زيادة أسعار البنزين.
وعلى خلفية تصاعد انتقادات المرجعيات الدينية والمشرعين البرلمانيين واتساع رقعة الاحتجاجات لا يستبعد أن يعيد المجلس الأعلى الاقتصادي في إيران، المكون من السلطات الثلاث، النظر في قراره برفع أسعار البنزين، سواء من خلال إجراء تعديلات عليه أو إلغائه.
سقوط قتلى
من جهة أخرى، فيما لم تؤكد السلطات الرسمية حتى الآن إلا سقوط قتيل واحد في مدينة سيرجان بمحافظة كرمان وسط البلاد، تشير تقارير غير مؤكدة على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع إيرانية إلى سقوط عدد من القتلى خلال احتجاجات السبت في شيراز ومريوان وخرمشهر وبهبهان.
كما أن الفيديوهات المنتشرة على شبكات التواصل تظهر أن الاحتجاجات تخللتها أعمال عنف واشتباكات وتخريب للممتلكات العامة.
في السياق، أعرب وزير الداخلية الإيراني، عبدالرضا رحماني فضلي في حديث للتلفزيون الإيراني عن أسفه لما آلت إليه الاحتجاجات في بعض المدن، قائلا إنها "أحدثت مشاكل كثيرة للمواطنين"، مؤكدا أن "الأمن وهدوء الناس يعدان مبدأ أساسيا لقوات الشرطة والأمن والقوات العسكرية".
وقال إن قوات الأمن الداخلي (الشرطة) مارست ضبط النفس بالتعامل مع المتظاهرين، مضيفا أن "البعض قام بتصرفات غير قانونية من خلال تكسير زجاجات السيارات ومهاجمة المستشفيات والمراكز الحساسة والأمنية ... وإغلاق الطرق وإيجاد زحمة مرور".
واتهم الوزير الإيراني "عدداً قليلاً باستغلال الأجواء العامة وإثارة الرعب"، مشيراً إلى "إمكانية تنظيم احتجاجات قانونية".
في الأثناء، بينما عطلت سلطات طهران المدارس الأساسية والإعدادية لأسباب جوية بسبب تساقط الثلوج، أعلنت السلطات المحلية في مدينة أصفهان ومحافظة فارس إغلاق المدارس بسبب "المشاكل" التي خلفتها الاحتجاجات.
وأفادت وكالة "إيلنا" العمالية بأن المدير العام لمنظمة التعليم والتربية بمدينة أصفهان وسط البلاد أعلن إغلاق الروضات والمدارس الابتدائية والإعدادية اليوم الأحد، عازيا السبب إلى "مشاكل مرورية" و"مخاوف لدى الوالدين".
كما ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية نقلا عن التعليم والتربية بمحافظة "فارس" إغلاق المدارس في مدينة "شيراز" مركز المحافظة.
تصاعد الخلافات
وعلى وقع الاحتجاجات التي فجّرها قرار زيادة أسعار البنزين، تصاعدت الخلافات السياسية بين الحكومة وخصومها من المحافظين، لتوجّه وسائل إعلام محافظة ومحافظون في إيران انتقادات حادة للحكوم، محملين إياها مسؤولية زيادة أسعار البنزين وتداعياتها، إلا أن الحكومة ووسائل الإعلام التابعة أو المقربة منها نفت ذلك، معتبرة أن القرار يعود للمجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، المكون من رؤساء السلطات الثلاث ومسؤولين آخرين من هذه السلطات.
ووجه القائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني، قائد المقر الثقافي والاجتماعي للحرس، محمد علي جعفري انتقادات حادة للحكومة، متهما إياها بدفع الناس نحو الاحتجاج و"منح الفرصة لمثيري الشغب لاستغلال الأوضاع "من خلال "اتباع أساليب خاطئة وغير حكيمة".
وأضاف جعفري أن الحكومة "لا تعير اهتماما للشعب وفاجأته بزيادة أسعار البنزين"، متسائلا "لماذا السلطات التنفيذية، بافتقارها الحكمة وعدم مراعاتها ظروف الناس، تقدم على إجراءات تصب في مصلحة العدو؟".
إلا أن رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية، محمود واعظي، نفى أن تكون الحكومة هي وحدها وراء القرار برفع سعر البنزين، منبها إلى أن "تعديل سعر البنزين كان قرارا لجميع أركان النظام، والجميع شارك في اتخاذ هذا القرار والحكومة كانت تنفذ القرار فقط".
إلى ذلك، دافعت السلطة القضائية الخاضعة لسيطرة المحافظين والمشاركة في المجلس الاقتصادي الأعلى عن قرار زيادة أسعار البنزين، معتبرة أنه "قانوني"، متوعدة من وصفتهم بـ"مثيري الشغب الذين يستغلون الوضع الراهن بمواجهتم بحزم"، وفقا لما جاء على لسان النائب العام محمد جعفر منتظري، اليوم السبت.
وفي تقرير بعنوان "قرار النظام"، أشارت وكالة "إيسنا" الإصلاحية إلى أن "المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، الذي يعتبر مجلسا عابرا للسلطات الثلاث اتخذ قرار زيادة أسعار البنزين بعد عدة جلسات"، معتبرة قرارات المجلس بأنها "قرارات النظام" الإيراني.
وأضافت الوكالة أن المرشد الإيراني علي خامنئي، سبق أن أكد أنه يؤيد قرار المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي، الذي تشكل قبل عام بناء على تعليماته، لمواجهة تداعيات العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها على طهران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018.
وفي تقريرها، بعنوان "أي مؤسسة اتخذت قرار زيارة سعر البنزين؟"، نبهت وكالة "إرنا" الرسمية التابعة للحكومة الإيرانية أن المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي هو الجهة التي اتخذت القرار، معيدة نشر تصريحات نقلت عن المرشد الِإيراني حول دعمه لمخرجات اجتماعات المجلس.
كما أشارت "إرنا" إلى تصريحات أخرى لخامنئي قبل عام حول ضرورة ترشيد استهلاك البنزين في البلاد، داعيا إلى البحث عن طرق لتقليل هذا الاستهلاك واتخاذ قرار بشأن ذلك.
اجتماع مغلق للبرلمان
في الأثناء، عقد البرلمان الإيراني، صباح اليوم الأحد، اجتماعا مغلقا لمناقشة زيادة أسعار البنزين وتداعياتها بحضور أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، وفقاً لرئيس البرلمان علي لاريجاني.
ونقلت وكالة "فارس" عن لاريجاني قوله في مستهل جلسة معلنة للبرلمان، أعقبت الجلسة المغلقة، إن البرلمانيين ناقشوا "من الثامنة صباحا القضايا المطروحة هذه الأيام والدعم الحكومي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي قدم تقريرا عن الوضع الراهن".
ودعا لاريجاني الحكومة الإيرانية إلى الإسراع في إيداع عوائد ارتفاع أسعار البنزين في حسابات الأسر الإيرانية، مشيرا إلى أن "ما يقلق الناس هو أن يتسبب قرار رفع سعر البنزين بارتفاع الأسعار في بقية القطاعات".
وفي السياق، قال لاريجاني إن اللجنة الاقتصادية للبرلمان ستعقد اجتماعات مع لجنة تنظيم الأسواق والسلطة القضائية "لفرض رقابة صارمة لكبح الأسعار ومنع ارتفاعها".
الشرطة الإيرانية تحذر
من جهتها، حذرت قوات الأمن الداخلي (الشرطة) الإيرانية "المخربين والمخلين بالأمن العام" من أنها "لن تتوانى في مواجهتهم".
ودعا المتحدث باسم هذه القوات، أحمد نوريان الشعب الإيراني إلى مساعدة الشرطة في مواجهة "الانتهازيين والعملاء" لاستتباب الأمن العام.
وأكد نوريان أن قوات الشرطة ستقوم بمهامها بموجب مسؤولياتها الذاتيه والقانونية، وأنها "لن تتغاضى عن مثيري الشغب والمخلين بالأمن العام"، معلنا أنها ستتصدى لهم بكل قوة من خلال "الوصول إلى رؤوسهم وعناصرهم الميدانية".