بموجب اتفاق الرياض.. هل يقبل "الانتقالي" تسليم السلاح للدولة باليمن؟
عاد إلى الواجهة مجددا الخلاف بين الحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي" المدعوم من الإمارات بشأن الشق العسكري من اتفاق الرياض، بعد أن أعلن المجلس عن تشكيل هيئة عسكرية مشتركة لقواته أثارت انتقادات من طرف مراقبين ومحللين سعوديين، ليفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات عن إمكانية تطبيق هذا الشق.
والمجلس الانتقالي هو كيان سياسي، أسسه محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي في مايو/أيار 2017، ويدعو لانفصال جنوب اليمن، وقد حظي بدعم عسكري ومالي إماراتي مكّنه من إنشاء قوات خاصة، والظهور كسلطة مناهضة للشرعية والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
وتضم القوات التابعة له "قوات الحزام الأمني" التي تشكّلت في 3 محافظات جنوبية هي عدن ولحج وأبين، و"قوات النخبة" في شبوة وحضرموت، ولا يعرف على وجه التحديد عدد أفراد تلك القوات، لكن تقديرات تشير إلى وجود أكثر من 30 ألف مقاتل في عدن وحدها.
ويمتلك الانتقالي، أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة كالدبابات التي غنمها بعد معاركه ضد القوات الحكومية ضمن سلسلة من جولات "العنف" التي انتهت في أغسطس/آب 2019 بسيطرته على العاصمة المؤقتة عدن.
ويأتي الخلاف بينه وبين الحكومة بعد أسابيع من التهدئة السياسية، بموجب اتفاق الرياض الذي وقع في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 برعاية سعودية ودعم أممي، بهدف إنهاء التوتر بين الطرفين، وهو الاتفاق الذي تضمن شقا سياسيا وآخر عسكريا.
رفض وشروط
وعلى الرغم من أن الطرفين كانا قد قطعا الشوط الأساسي للاتفاق، حيث تم تشكيل حكومة جديدة بمشاركة المجلس الانتقالي، وتعيين محافظ لعدن من قياداته، فإن بنود الشق العسكري ما تزال تواجه عقبات وعراقيل كثيرة، في ظل رفض الانتقالي التجاوب مع طلب سحب السلاح ودمج قواته في المؤسسة العسكرية للدولة.
وتنص بنود هذا الشق على خروج القوات العسكرية من عدن، ودمج الوحدات الأمنية والعسكرية التابعة للانتقالي تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية، إضافة إلى سحب الأسلحة الثقيلة، وإعادة نشر قوات الأمن التابعة للحكومة للقيام بمهامها.
وفي محاولة لمعرفة موقف الانتقالي من هذا الأمر، أكد نائب رئيس إدارة الإعلام في المجلس الانتقالي منصور صالح أن "آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض لم تنص على تسليم السلاح الثقيل، وإنما الدفع بالقوات المسلحة إلى الجبهات لمواجهة الحوثي".
وقال في حديث للجزيرة نت، "ليس منطقيا أن تسلم سلاحك لخصمك وأنت في حالة حرب مع عدو يتربص بك"، وأضاف "لا مانع لدى الانتقالي من ضم الوحدات الأمنية والعسكرية إلى وزارتي الدفاع والداخلية، ولكن بعد أن يتم تعيين قيادات مؤهلة في هاتين الوزارتين ما دون الوزير"، وليس كما هي الحال الآن.
ويؤيد هذا الموقف تصريح سابق لمصادر عسكرية مطلعة في الحكومة قبل أيام، تحدثت فيه عن رفض المجلس الانتقالي طلب الحكومة تسليم السلاح الثقيل في معسكراته بعدن، ووضعه شروطا من أجل البدء في تنفيذ الشق العسكري والأمني لاتفاق الرياض.
ومن هذه الشروط التي ساقها الانتقالي "عدم تسليم أسلحته المختلفة لوزارتي الدفاع والداخلية، والمطالبة بمناصب عليا في الوزارتين ومحاصصتها مع مكونات الشرعية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي".
تصعيد جديد
وفي ضوء هذه التعقيدات، رد مسؤول لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأميركية سلمان الأنصاري -عبر حسابه في "تويتر"- على الشروط بدعوة المجلس الانتقالي إلى سرعة تنفيذ بنود اتفاق الرياض في الجوانب العسكرية والأمنية وعدم التحول إلى وجه آخر للعملة الإيرانية التقسيمية في اليمن.
وكتب الأنصاري "آن الأوان لكي يطبق المجلس الانتقالي لـ(كافة) بنود الشق العسكري لاتفاق الرياض. فأي تأخير في ذلك سيجعلهم مجرد وجه آخر للعملة الإيرانية التقسيمية، وجه حوثي ووجه انتقالي، وذلك سيكون وبالا على هذا الحزب الناشئ وداعميه"، وأضاف "أمن اليمن هو في صميم الأمن القومي العربي، والتاريخ لن يرحم!".
وفي تصعيد جديد، أعلن المجلس الانتقالي أول أمس الخميس إنشاء ما يسمي بـ"هيئة العمليات المشتركة للقوات المسلحة الجنوبية"، ليضع بذلك عقبات جديدة في وجه القيادة السعودية في عدن المكلفة بتنفيذ الاتفاق، ما دفع بعض القيادات السعودية للخروج عن صمتها.
وتساءل المحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي في تغريدة على حسابه في "تويتر" عن الهدف من تشكيل هذه الهيئة، وأضاف "ألا تعتبر قوة متمردة؟ حيث إنهم جزء من الحكومة! ألا يتعارض هذا مع اتفاق الرياض الذي أدمجهم بالجيش ومع قرارات مجلس الأمن حول وحدة اليمن واستقراره وسلامته الإقليمية؟".
كما تساءل المحلل السياسي تركي القبلان في تغريدة أخرى قائلا "هل نحن أمام دولة داخل الدولة اليمنية؟ أليس هذا مُقوِّضا لاتفاق الرياض؟ ماذا يعني تشكيل هيئة عمليات مشتركة للقوات المسلحة الجنوبية؟".
ويستبعد محللون ومراقبون موافقة الانتقالي على تسليم السلاح ودمج قواته، معتبرين أن بقاء السلاح يُعد بالنسبة للانتقالي أهم من دخولهم الحكومة، ويرجح هؤلاء أن يسعى الانتقالي خلال المرحلة المقبلة للجمع بين بقاء السلاح والسيطرة والمشاركة في الحكومة.
مشروع أبو ظبي
وفي هذا السياق، يبدي مستشار وزير الإعلام في الحكومة الشرعية مختار الرحبي عدم تفاؤله بنجاح تنفيذ الشق العسكري للاتفاق المعلن، ويعزو ذلك إلى كون الإمارات ما تزال هي المتحكم بقرار المجلس، وترى أن تفكيك هذه القوات ودمجها في مؤسسات الدولة سيفقدها أي تأثير على المشهد اليمني، على حد قوله.
وقال في حديث للجزيرة نت إن الشق العسكري والأمني من الاتفاق لم ينفذ بالكامل، وما تم تنفيذه اقتصر على إيقاف الحرب في أبين والانسحاب المحدود للقوات المتحاربة فقط، بينما في عدن ما تزال قوات الانتقالي هي المتحكم بزمام الملفين الأمني والعسكري في المدينة بشكل كامل.
وأضاف الرحبي "لا أعتقد أن الإمارات التي أنفقت أكثر من 4 مليارات دولار ونصف المليار على تأسيس هذه القوات ستقبل بدمجها في إطار الجيش والأمن، كون ذلك يعني انهيار مشروع أبو ظبي المتمثل في الاستيلاء على المناطق والمنافذ البحرية الإستراتيجية في اليمن".
من جهته، يرى الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية علي الذهب، أن السلاح هو وسيلة لفرض الإرادة السياسية، "والمجلس الانتقالي واضح الأهداف والغايات والأجندات، وبالتالي سيظل متمسكا بالسلاح ويتحين الفرصة لحين حدوث تحولات جديدة تدعم اتجاهه في الانفصال".
وقال في حديث للجزيرة نت، إن اتفاق الرياض كان بالنسبة للانتقالي فرصة لتحقيق مكسب سياسي ليس إلا، مع الاحتفاظ بقدرته العسكرية إلى حين حدوث تحول آخر على المستوى الكلي للأزمة اليمنية بشكل عام ينقل هذه الأزمة إلى واقع آخر يتيح له تنفيذ أهدافه، حسب قوله.
وأضاف الذهب "الانتقالي شأنه شأن أي جماعة مسلحة تسعى للوصول إلى السلطة ولديها هدف إستراتيجي وأجندة خاصة وتتحكم في قراراتها أطراف إقليمية أكثر من كونه جماعة محلية لديها أهداف سامية، ولهذا يخشى قادته من الذوبان وسط التكتلات دون مخالب وأنياب".