فصول من خطة الإمارات للهيمنة على الساحل الغربي لليمن
يسود القلق والخوف في اليمن، ولا سيما في أوساط الحكومة، فضلاً عن الخشية التي أبداها عدد من دول الجوار، من تداعيات ما تقوم به الإمارات والمليشيات التي أنشأتها ودرّبتها وموّلتها في الساحل الغربي والشرقي لليمن، خصوصاً في ظلّ رصد تحركاتٍ لها لفرض سيطرتها الكاملة على المنطقة، وإبعاد أيّ وجودٍ أو نفوذٍ للشرعية. وكشفت مصادر عسكرية خاصة في المنطقة العسكرية الرابعة، وداخل القوات الموجودة في الساحل الغربي، أن الإمارات تهيئ تلك المنطقة لتكون واحدة من أكبر مناطق وجودها خارج حدود أراضيها، وذلك على الصعد العسكرية، وحتى التدريبية.
ويأتي ذلك في ظل مساعي أبوظبي المتصاعدة في سبيل إنشاء العديد من المعسكرات الجديدة والقواعد العسكرية، كما هو الأمر في جزيرة ميون وميناء المخا، وبسط سيطرتها الكاملة على الساحل الغربي الممتد من الحديدة إلى حدود مدينة عدن، ومضيق باب المندب، مع إنهاء كامل أيضاً لأي وجودٍ أو نفوذ، أكان صغيراً أم كبيراً، للشرعية في تلك المنطقة.
ويضمّ الساحل الغربي مناطق تهامة والمخا وذباب وجزءاً من لحج، فيما يمتد الساحل الشرقي من شبوة مروراً بحضرموت الساحل، وصولاً إلى المهرة. وأكدت المصادر أن أبوظبي أبعدت الشرعية عن الساحل الغربي ومناطقه وموانئه، بمساعدة من عائلة الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، ممثلاً بتسعة ألوية دعمت الإمارات تشكيلها وتمولها بشكل كامل، ويقودها العميد طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل. وأمدت الإمارات صالح بأسلحة حديثة، وبكمياتٍ كبيرة منها، تكفي لتغطية جيش دولة، علماً أن بعضاً من تلك الأسلحة لم يملكها حتى وكلاء الإمارات جنوباً، في ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي. إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن أبرز رجال الاستخبارات والقيادات العسكرية والأمنية ومسؤولين إماراتيين، وحتى ضباط وخبراء أجانب تستعين بهم أبوظبي، يزورون بشكلٍ مستمر الساحل الغربي، حيث يمكثون أحياناً لفترات تصل إلى لأشهر، إضافة إلى فتح مراكز تدريب لأجانب بينهم أفارقة وعرب، ولا يعرف حتى اللحظة أماكن استخدامهم والأدوار التي قد يقومون بها والمهام التي قد توكل إليهم، إذا ما كانت داخل اليمن أو خارجه.
يزور رجال استخبارات وقيادات عسكرية وأمنية ومسؤولون إماراتيون، باستمرار الساحل الغربي حيث يمكثون لفترات تصل إلى أشهر
ووفقاً لذلك، تقول المصادر إن الإمارات تسعى إلى تقليص نفوذ الشرعية رويداً رويداً، وتغيير وجه وخريطة جغرافيا الساحل وعلاقته باليمن. وبحسب المصادر، فهي نجحت كثيراً في ذلك، عبر استخدام وكلائها من اليمنيين، ممثلين في قوات طارق صالح والمجلس الانتقالي، ممن سهّلوا لها السيطرة على أغلب الجزر اليمنية، وأهمها في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن فضلاً عن المحيط الهندي. ولا تعرف الشرعية كثيراً ما تقوم به الإمارات داخل هذه الجزر.
كما أن أحد المصادر الحكومية اليمنية الرفيعة قال بشكل مختصر، إن القلق الحكومي اليمني يشاطره أيضاً قلق من دول القرن الأفريقي، وسلطنة عمان. وقد وصل في هذا الإطار، إلى آذان المسؤولين اليمنيين أكثر من مرة، القلق داخل هذه الدول مما قد تسببه الإمارات في المستقبل في تفجير مزيد من الصراعات من شأنها أن تؤثر على الممرات البحرية الدولية، لا سيما أن الصراع بين أطراف الأزمة الخليجية، يلعب دوره في ما تقوم به أبوظبي في اليمن وسواحله وبحاره، وتغضّ الطرف عنه السعودية.
وفي السياق ذاته، ذكر أحد وكلاء محافظة لحج، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن الإمارات وجدت صعوبة في السيطرة على جزءٍ من الساحل في محافظة لحج، والذي يربط بين الساحل الغربي وعدن، بسبب وجود قوات تابعة للشرعية تنتشر بشكل كبير في لحج وصولاً إلى رأس العارة المطل على مضيق باب المندب، من الناحية الشمالية الغربية وخليج عدن. ولذلك حاولت أكثر من مرة شنّ عمليات عسكرية لهذا الهدف، لكنها فشلت بسبب ما قد تسببه من تداعيات على تحركاتها في أكثر من جبهة، ونقص الإمكانيات البشرية.
ويقول الوكيل نفسه إن الإمارات لجأت الأسبوع الماضي، في محاولة لخلق صراع بين القوات التابعة للشرعية في لحج، إلى دفع قوات في المنطقة العسكرية الرابعة لمهاجمة قوات العمالقة - فصيل الشرعية في لحج، قبل أن يتدخل محافظ لحج أحمد عبدالله التركي يوم الجمعة الماضي، عبر جمع قيادة المنطقة الرابعة وقيادة العمالقة وإنهاء المشكلة سريعاً. وقدمت قيادة المنطقة الرابعة اعتذارها لقيادة العمالقة، واعدة بعدم الانجرار مجدداً إلى هذا الفخ.
وفي سقطرى في المحيط الهندي، قالت مصادر في السلطة المحلية، إن قوات موالية للإمارات اعتقلت العشرات من أنصار الشرعية من ناشطين ومسؤولين محليين وشخصيات اجتماعية وضباط وجنود، وحتى رجال أعمال، وأدخلتهم المعتقلات والسجون بأوامر مباشرة من ضباط إماراتيين وصلوا أخيراً إلى الجزيرة.
يأتي هذا فيما وجهت السلطة المحلية في محافظة شبوة صفعةً جديدة لأبوظبي، بعد إعلان قيادة المحافظة إنشاء متحف خاص ووضعت فيه ثماني مدرعات عسكرية أميركية، كانت قوات الجيش الوطني قد استولت عليها، أثناء محاولة الإمارات ووكلائها الانقلاب في شبوة، في أغسطس/آب الماضي. وكانت هذه المدرعات المسماة "كايمان"، قد سلّمتها واشنطن للإمارات لمكافحة الإرهاب، لكنها استخدمتها في محاربة الشرعية والانقلاب عليها. ونتيجة المطالبة الأميركية للإماراتيين بضرورة استعادة تلك الآليات العسكرية، حاولت أبوظبي إرسال وساطات وتقديم إغراءات، وأحياناً إصدار تهديدات لقيادة محافظة شبوة، بواسطة طيرانها المسير، لإعادة الآليات، إلا أن كل ذلك تمّ رفضه وقررت قيادة شبوة وضع المدرعات في متحف خاص، مفتوح أمام الزوار من المحافظة وخارجها، وحتى جعل زيارته تقليداً وبروتوكولاً رسمياً لضيوف المحافظة.
ووفق مقربين من السلطة المحلية ووسائل إعلام مقربة منها، فإن الهدف من وضع هذه الآليات العسكرية في متحف هو أن تكون شاهداً ودليلاً على ما قامت به الإمارات بحق أبناء شبوة في محاولة احتلال محافظتهم عبر انقلاب أغسطس، وإشعال فتيل حرب أهلية داخل المحافظة، فضلا أن هناك هدفاً آخر من عرضها ألا وهو إحياء الذاكرة الوطنية لدى كل اليمنيين وجعل المسألة رمزاً للنضال ضد كل المساعي الخارجية لاحتلال اليمن، أياً كان شكل وهدف الدول المتورطة في ذلك.