الجمعة 2024/11/22 الساعة 05:52 PM

سقطرى اليمنية.. حرب النفوذ في المحيط الهندي (دراسة)

الثلاثاء, 14 يوليو, 2020 - 02:58 مساءً
سقطرى اليمنية.. حرب النفوذ في المحيط الهندي (دراسة)
المهرة خبور -  مركز أبعاد للدراسات

مقدمة[1]

منذ وصول الإمارات إلى محافظة أرخبيل سقطرى[2] (2016) وضعت معظم جهدها من أجل السيطرة على الأرخبيل اليمني الاستراتيجي الواقعة على ممر مضيق باب المندب الاستراتيجي وبالقرب من القرن الإفريقي ونقطة التقاء المحيط الهندي وبحر العرب.

تعود شهرة الأرخبيل المكون من 6 جزر أخرى و7 جزر صخرية[3] إلى العصر الحجري وازدهار تجارة السلع المقدسة، ونشاط الطريق التجاري القديم - طريق اللبان، والسيطرة عليها تعطي نفوذاً على خط الملاحة الدولية وتأثيراً كبيراً على القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية، والبحر الأحمر وقناة السويس.

تدخلت الإمارات في اليمن ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية لمواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في مارس/آذار2015، لكنها سرعان ما بدأت بإرسال قواتها إلى أرخبيل سقطرى مع مطلع العام التالي (2016) مستغلة حاجة السكان لجهود الإنقاذ بفعل أعاصير ضربت الجزيرة[4].

لم تشهد سقطرى صراعاً مسلحاً في التاريخ الحديث، لذلك كانت أحداث يونيو/حزيران 2020 وقصف عاصمة الأرخبيل "حديبو" بالمدفعية وصواريخ الكاتيوشا من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات حدثاً فارقاً . اجتاحت الآليات والمدرعات مؤسسات الدولة في حديبو بعد يوم واحد من قِتال القوات الحكومة ضد القوات المدعومة من الإمارات، لتفتح فصلاً جديداً من العلاقة داخل معسكر الحكومة اليمنية وحلفائها، فيما يستمر الحوثيون في محاولة إحداث تقدم باتجاه محافظة مأرب شرقي البلاد.


- تسلسل الأحداث

ظلت سقطرى بعيدة عن التصعيد العسكري المباشر منذ سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على العاصمة المؤقتة عدن في أغسطس/آب2019. كما أن الأرخبيل لم يذكر في اتفاق الرياض -في وقت ذكرت كل المحافظات الجنوبية- الذي وقعته الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في نوفمبر/تشرين الثاني2019، وهو اتفاق يقوم على أساس إشراك المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة عقب دمج المليشيات التي تحت إدارته وعدد أفرادها (120 ألف مقاتل على الأقل).

لكن خلال تلك الفترة استمرت دولة الإمارات في إحداث انشقاقات داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك اللواء الأول مشاه بحري. تبقى القليل من القوات التي ظلت موالية للحكومة، ملتزمة بأوامر المحافظ رمزي محروس ومدير الأمن العقيد فائز الشطهي، لكنها خلال أحداث يونيو/حزيران 2020 لم تقاتل تلك القوات سوى 24 ساعة. فما الذي حدث؟!

قبل يوم من أحداث حديبو (19يونيو/حزيران2020) اجتمعت السلطة المحلية بقائد قوات الواجب السعودية العميد عبدالرحمن الحجي المتمركزة في حديبو من أجل مبادرة لخفض التصعيد في المحافظة يتم خلالها عودة المجلس الانتقالي الجنوبي من مداخل حديبو ووقف تحركات القوات الحكومية لاستهدافهم، وافقت الحكومة اليمنية وانسحبت من مواقعها المستحدثة لكن قوات المجلس الانتقالي الجنوبي حلّت محلها برغبة من السعوديين الذين انسحبوا من مواقعهم.
تواصلت السلطة المحلية مع القوات السعودية قبل دخول قوات المجلس الانتقالي الجنوبي "حديبو" لكن رفض قائد القوات السعودية الرد وتم التواصل مع نائب قائد القوات السعودية ليقول إن "الأمر خارج عن إرادتهم ولا تستطيع السعودية ردع التقدم الذي يحرزه المجلس الانتقالي الجنوبي"[5]. انسحبت جميع الوحدات العسكرية السعودية وتمكن المجلس الانتقالي من السيطرة على مقر الشرطة الرئيس في حديبو الذي يقابل مقر التحالف الرئيس في المدينة، فيما كانت القوات السعودية خارج المبنى لحراسته.

أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي ضم أرخبيل سقطرى إلى "الإدارة الذاتية" التي أعلنها في ابريل/نيسان 2020 ضمن المحافظات الجنوبية تمهيدا لإدارتها بعيداً عن الحكومة اليمنية الشرعية.

تمكن المحافظ رمزي محروس وشيوخ قبليين ومسؤولين محليين من الخروج من سقطرى والانتقال إلى محافظة المهرة على الساحل اليمني، حيث ترتبط قبائل المهرة وسقطرى بجذور وصلات تاريخية.

لم تقدم الإمارات أي مبرر لتقدم حلفائها في جزيرة سقطرى لكن تقريراً لوكالة الأنباء الإماراتية الرسمية يوم 28 يونيو/حزيران تحدث أن الإمارات تقوم بالتنمية في سقطرى وأحدثت تغيراً كبيراً فيها بدعمها بالمشاريع الإنسانية[6]. ينظر إلى المشاريع الإماراتية الخيرية في الجزيرة بصفتها غطاء للسيطرة على الأرخبيل اليمني ونافذة للوصول إلى المعلومات وبناء شبكة نفوذ ومصالح لحماية الأهداف الإماراتية لإظهار وجود أبوظبي في الجزيرة باعتباره مطلباً شعبياً.

قامت السعودية ببناء لجنة إعادة الأوضاع في الأرخبيل إلى وضعه الطبيعي، تعمل هذه اللجنة خارج اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي. يعتقد مسؤولون حكوميون أن السعودية سهلت حصول المجلس الانتقالي الجنوبي على محافظة أرخبيل سقطرى من أجل الضغط على الرئيس اليمني للقبول بمقترحات جديدة حول اتفاق الرياض الذي يشير إلى تقديم إعلان حكومة جديدة ثمّ البدء بترتيب الملف الأمني والعسكري وهو ما كان يرفضه الرئيس عبدربه منصور هادي[7].

بحلول نهاية يونيو/ حزيران 2020 وصل المحافظ رمزي محروس إلى العاصمة السعودية الرياض لبحث سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على الأرخبيل، والعمل مع اللجنة -التي شكلتها السعودية- من أجل عودة الأوضاع إلى ما قبل سيطرة المجلس الانتقالي على سقطرى. لكن جهود هذه اللجنة تعثرت حتى مطلع يوليو/تموز 2020- وقت كتابة الورقة-، ولم تعد إلى أرخبيل سقطرى كما كان مخطط لها. لاحقاً في مطلع يوليو/تموز وصل إلى الرياض: فائز الشطهي، مدير أمن الجزيرة، والعميد علي سالمين، قائد اللواء الأول. وسعد سالم، قائد قوات الدفاع الساحلي. وأمجد ثاني، مدير عام مديرية حديبو. والعقيد نوح أدهم، قائد الشرطة العسكرية بالجزيرة. وجميعهم تابعون للحكومة الشرعية وكانوا يقيمون في مقر التحالف في حديبو منذ سيطرة المجلس الانتقالي على المدينة. ورفض قادة تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي الانتقال إلى الرياض مع المسؤولين الحكوميين دون تقديم أسباب مقنعة[8].
جاءت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على أرخبيل سقطرى في وقت كانت المفاوضات غير المباشرة في الرياض بين المجلس والحكومة الشرعية مستمرة من أجل تنفيذ اتفاق الرياض، وهي مشاورات وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض الحكومة الشرعية تنفيذ اتفاق الشق السياسي من "اتفاق الرياض" قبل "الشق العسكري والأمني".
 

- زيادة الفاعلين الدوليين:

تواجه سقطرى باعتبارها موقع التراث العالمي (2008) تجريف لطبيعتها ما قد ينعكس على الهوية والتراث للجزيرة فإلى جانب استحداثات البناء هناك عوامل مناخية مضطربة أثرت على الأرخبيل وأضرت ببيئته الفريد من نوعها، وقد تصبح "شجرة دم الأخوين" التي تدمع بلون الدم واحدة من الأساطير يوما ما إذا ما استمرت عوامل التجريف المؤدية لانقراضها وانقراض نباتات وطيور وحيوانات نادرة.

يعد حدث سقوط سقطرى من يد شرعية الرئيس المعترف به دوليا الإنقلاب الثالث في اليمن بعد سقوط العاصمة المؤقتة عدن أغسطس/آب2019 على يد المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات وسقوط صنعاء بيد الحوثيين في سبتمبر/أيلول 2014 . لكن حدث سقوط سقطرى مختلف كثيرا فهو مؤشر لحالة تشظي وفوضى طويلة الأمد في عموم اليمن بما فيها تلك المناطق التي لم تدخل الحرب، كون الأحداث الأخيرة لا تتعلق بالحرب المعلنة التي يديرها التحالف ضد الحوثيين، بل بأهداف إقليمية أوسع ذات علاقة بالتنافس العسكري على خط الملاحة الدولي والسباق على بناء قواعد عسكرية قرب مضيق باب المندب والضفة الأخرى من القرن الأفريقي. تعتبر منطقة باب المندب وخليج عدن المحفزات التي تجعل الدول تبحث عن موطئ قدم في الأزمة اليمنية المستمرة منذ ست سنوات.


الإمارات: تطمح أبوظبي للوجود في جنوب اليمن بشكل كبير وتمثل جزيرة سقطرى الحلقة الرئيسية في طموح الإمارات العسكري والاقتصادي إذ تعتبرها مركز عِقد اللؤلؤ لنفوذها في الخليج والقرن الأفريقي. وبدأت مبكراً في الوصول إلى الجزيرة الاستراتيجية. في فبراير/شباط 2016 عقد خالد بحاح رئيس الحكومة نائب الرئيس -في ذلك الوقت- مؤتمراً صحفياً في الجزيرة إلى جانب الهلال الأحمر الإماراتي؛ مُعلناً عن توقيع عقود مع الجهة الإماراتية لإعادة إعمار جزيرة سقطرى. بعد حوالي 40 يوماً من هذا المؤتمر الصحافي تم إقالة "بحاح" من منصبيه؛ وكانت تلك الإقالة سبب توتر العلاقات بين أبوظبي والرئيس عبدربه منصور هادي. وفي مايو/أيار2018 مع تصاعد الأزمة بشأن الجزيرة بين الإمارات والحكومة اليمنية، نفى خالد بحاح أنّ يكون قام بتأجير الجزيرة للإمارات لمدة (99) عاماً. قبل شهر من توقيع الاتفاقية مع الهلال الأحمر الإماراتي تحدث وزير السياحة- آنذاك- معمر الإرياني عن رغبة الحكومة في إيجاد شركة سياحية خاصة بسقطرى بالتعاون مع رجال أعمال من دول مجلس التعاون الخليجي، احتفت الإمارات على غير العادة بتلك التصريحات[9].

في مايو/آيار 2018 دفعت الإمارات بتعزيزات عسكرية لتحدي الحكومة اليمنية التي كانت موجودة وسط الجزيرة. تصاعد الأمر في ذلك الوقت حتى وصل إلى مجلس الأمن الدولي برسالة من الحكومة الشرعية، دفعت السعودية إلى وجود قوات تابعة لها في الجزيرة وهي التي ظلت متمركزة حتى اليوم[10].

السعودية: تقاتل الرياض على أكثر من جبهة محلية ودولية في اليمن. لكن وضعها في سقطرى كان في بداية الأمر لرأب الصدع بين الحكومة اليمنية ودولة الإمارات، ومن الواضح أن وجودها في سقطرى أصبح يمثل هدفاً استراتيجياً، لمنع التأثير على مصالحها قرب مضيق باب المندب وفي محافظة المهرة، حيث تخطط لبقاء طويل الأمد عبر بناء ميناء نفطي في المحافظة الواقعة على الحدود العُمانية لتجاوز مرور النفط عبر مضيق هرمز الحيوي حيث تهدد إيران -عدو المملكة التقليدي- بإغلاقه إذا ما زاد التوتر في الخليج العربي [11].

لم يكن ليحدث سيطرة على جزيرة سقطرى لو لم يفكر صانع القرار السعودي في تحقيق مصالح استراتيجية من خلال اتفاق الرياض.

إيران: تستغل طهران الداعمة للحوثيين، سيطرة حلفاء الإمارات على سقطرى لتأكيد وجهة نظرها السابقة بأن السعودية والإمارات يهدفان لـ"احتلال اليمن"، والتأثير على ممر الملاحة الدولي المرتبط بـ"باب المندب". كما أنها تسعى دولياً من خلال اللجنة الأوروبية الإيرانية لمناقشة ملف اليمن إلى الإشارة إلى تآكل الحكومة الشرعية وأن السعوديين والإماراتيين هم من يقاتلون اليمنيين في بلادهم فيما تصفه طهران ب"الإعتداء" على دولة ذات سيادة.

دعمت إيران منذ وقت مبكر دعوات الانفصال في جنوب اليمن، ومن بين من دعمتهم رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي، وحركات مسلحة أخرى تابعة للحراك الجنوبي خلال الفترة بين (2007-2015). لذلك فإن السيطرة على سقطرى من قِبل المجلس الانتقالي وزيادة التفكك في المحافظات الجنوبية يزيد حظوظها في مستقبل جنوب اليمن على المدى الطويل.

روسيا: بالنسبة للمخاوف الجيوسياسية الروسية فإن اليمن عنصر لا غنى عنه في طموحات الكرملين المتنامية في جميع أنحاء منطقة الساحل، عبر البحر الأحمر. وعودتها إلى جزيرة سقطرى، سيكون مقروناً بإمكانية إنشاء قاعدة بحرية منفصلة في السودان جرى الحديث عن هذه القاعدة بين الرئيس السوداني السابق عمر البشير والرئيس الروسي (2017). وهو ما يعزز قوة روسيا ليس فقط في خليج عدن ولكن في منطقة البحر الأحمر بأكملها. وبالتزامن مع الجهود التي تبذلها موسكو لتوليد الطاقة في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط​​، ستكون قادرة على توسيع سيطرتها إلى حد كبير في البحر الأحمر وكذلك زيادة القدرات التشغيلية الروسية في المحيط الهندي[12].

الولايات المتحدة: تسعى الولايات المتحدة إلى وقف التمدد الروسي في المنطقة مع انسحابها من العالم العربي، قد يدفعها ذلك إلى التواجد في سقطرى أو على أقل تقدير منع تحول الجزيرة إلى بؤرة صراع إقليمي جديدة.

الصين: تملك الصين طموحات اقتصادية واسعة عبر "طريق الحرير" الذي يمثل بحر العرب واحدة من النقاط المهمة لهذا الطريق، وتمثل سقطرى ذات الأهمية باعتبارها تمثل نقطة الالتقاء بين المحيط الهندي والبحر العربي.

في ابريل/نيسان2019 وقعت الصين اتفاقاً مع الحكومة اليمنية للانضمام إلى طريق الحرير[13]. وافتتحت الصين، في صيف عام 2017، أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في جيبوتي (مقابل باب المندب من الجهة الأفريقية)، لاستخدامها في إمداد سفن القوات البحرية التي تشارك في مهام حفظ السلام والإغاثة قبالة سواحل الصومال واليمن.

وكانت الحكومة اليمنية بعد وصول الرئيس هادي للسلطة أنهت عقد «شركة موانئ دبي العالمية» عام 2013، بخصوص إدارة ميناء عدن - وهي واحدة من الأسباب التي أغضبت دولة الإمارات من الحكومة اليمنية - بعدما جرى إضعاف نشاطه بصورة متعمدة من قِبَل الشركة. كما وقّع اليمن، في منتصف نوفمبر/تشرين الثانية 2013، على اتفاقية توسعة وتعميق محطة الحاويات في ميناء عدن بين «مؤسسة موانئ خليج عدن» و«الشركة الصينية لهندسة الموانئ المحدودة»، وتوقفت تلك الاتفاقية بسبب الحرب.

إسرائيل: بحلول مطلع عام 2020 ظهرت خيوط تواصل بين المجلس الانتقالي الجنوبي والاحتلال الإسرائيلي، عُقدت لقاءات بين قيادات من المجلس والحكومة الإسرائيلية. لم يفصح الطرفان (إسرائيل-المجلس الانتقالي) عن تفاصيل بشأن محور تلك المباحثات. وصفت وكالة أنباء إسرائيلية "المجلس الانتقالي الجنوبي" بصديق "تل أبيب" الجديد في اليمن، تحدثت الوكالة عن المشاورات بين الطرفين ولفتت إلى أن دولة صديقة بدأت تتشكل في جنوب اليمن[14]، على الرغم من أن ذلك ما يزال بعيد المنال.

وسط التطبيع المتزايد للعلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات لا يستغرب من الكشف عن وجود علاقة بين إسرائيل والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي ووصفه بكونه "صديق سري" إذ أن الاجتماعات كانت بتسيير من المسؤولين الإماراتيين. وسيعتبر الإسرائيليون تلك فرصة جيدة وسانحة للوجود قرب مضيق باب المندب إذ أن ذلك كان بعيد المنال بالنسبة للإسرائيليين.

فتأمين ميناء إيلات جنوبي إسرائيل وممر شحن يمنح الوصول ليس فقط لقناة السويس ولكن أيضًا للبحر الأحمر وعبر باب المندب إلى المحيط الهندي وما وراءه أمر ذو أهمية حيوية لتل أبيب، كبوابة إلى الشرق الأقصى والصين التي هي بالفعل شريك تجاري رئيسي. تضمنت الحروب مع الجيران العرب في الأعوام 1956 و 1967 و 1973 عرقلة الملاحة الإسرائيلية. وفي الحرب الأخيرة، أغلقت اليمن مضيق باب المندب وحاصرت البحر الأحمر. ومنذ ذلك الحين، رأت إسرائيل أن أي محاولة لمنع استخدام البحر الأحمر هو عمل من أعمال الحرب[15]. لذلك فإن أي وجود لإسرائيل في سقطرى هو هدف يجب أن يتحقق لحماية خطوط ملاحتها من أي حرب جديدة مع العرب. إلى جانب الخوف من سيطرة إيران عبر جماعة الحوثي المسلحة أو أي قوة أخرى على مضيق باب المندب.

تركيا: تمتلك تركيا قاعدة عسكرية متقدمة في الصومال في الجهة المقابلة من مضيق باب المندب، لكن الحديث المستمر خلال أزمة سقطرى عن محاولتها التواجد في الجزيرة أمرٌ مبالغ فيه  -على الأقل في الوقت الحالي- وتضليل كان هدفه دفع السعودية إلى الاستمرار في دعم الحركة الانقلابية في الأرخبيل اليمني الهام. ودأبت وسائل إعلام إماراتية القريبة من السلطات طوال الأزمة على المضي قدماً في صيغة دعائية منسقة للغاية لتبرير انقلاب سقطرى، وإعطاء كثافة دخانية للتضليل بشأن حجم الوجود التركي في السياسة اليمنية[16]، لتتخذ عدة طرق:
الأول: أن المجلس الانتقالي الجنوبي يواجه مخططاً "قطر-تركيا-الإخوان المسلمين/حزب الإصلاح" للسيطرة على الأرخبيل.

الثاني: تريد تركيا السيطرة على جزيرة سقطرى لزيادة نفوذها في القرن الأفريقي. ونشرت صورة مضللة لمقاتلين سوريين على أنهم خبراء أمن أتراك كانوا يساعدون قوات الأمن والجيش اليمنيين في الأرخبيل.

الثالث: تتعاون "تركيا، قطر، الإخوان، إيران، الحوثي" لمواجهة المملكة العربية السعودية في اليمن، وتخطط لاتخاذ سقطرى قاعدة لها.

تتحرك تركيا في اليمن بقوة ناعمة وليست قوة عسكرية مسلحة كما في شمال سوريا أو ليبيا، حيث تعتمد على المساعدات الغذائية، وفتحت أراضيها لوسائل الإعلام المعارضة للتحالف وللحوثيين أيضا. فتركيا رغم الخلاف العميق مع دولة الإمارات العربية، لا ترى في العداء مع السعودية ضرورة، ولا تضعها في نفس خانة العداء لأبوظبي لأسباب متعلقة بدور السعودية ومكانتها في الشرق الأوسط. الأمر ذاته بالنسبة للرياض التي لا ترى في تصعيد العداء مع أنقرة ضرورة في الوقت الحالي في ظل استمرار التوتر مع إيران. يمكن النظر إلى بقاء حجم التبادل التجاري بين الرياض وأنقرة خلال الأعوام الماضية لملاحظة استمرار التبادل التجاري في ذات المستوى مقارنة بالأعوام السابقة. على عكس الأرقام التي يوضحها حجم التبادل التجاري بين الإمارات وتركيا[17].

دول القرن الأفريقي: بما أن الدول تبحث عن بقاء طويل في منطقة باب المندب وخليج عدن فإن دول القرن الأفريقي تتأثر بالفعل بالصراع المتزايد على سقطرى والسواحل اليمنية. إذ أن معظم هذا التدخل بقدر ارتباطه بمصالح الدول قرب مضيق باب المندب وممر التجارة العالمية، فهو مرتبط بصراع النفوذ الموجود في القرن الأفريقي. لا تتمتع روسيا بوجود في القرن الأفريقي مقارنة بالإمارات والصين والولايات المتحدة واليابان وتركيا ودول أخرى -تخطط السعودية لبناء قاعدة عسكرية في جيبوتي- لذلك فإن مسعى وجودها في اليمن واحد من خيارات تواجدها ايضا في أفريقيا. ويعتقد بعض المحللين إن منطقة القرن الأفريقي ستكون مكاناً لصراع في المستقبل القريب، لذلك فإن لجوء بعض الدول للتواجد في اليمن يحفزه المطامع والمصالح المرتبطة بالقرن الأفريقي، وهو ما قد يدفع دول أخرى بعضها افريقي للتدخل أيضا، ويجلب كل ذلك صراعاً دولياً على الأراضي اليمنية.
 

- تداعيات سيطرة المجلس الانتقالي على سقطرى:

لا يبدو أن المجلس الانتقالي الجنوبي سيتراجع عن إعلان الإدارة الذاتية الذي أعلنه في ابريل/نيسان 2020، حتى في حال تنفيذ اتفاق الرياض كما يشير رئيس لجنة الإدارة الذاتية أحمد بن بريك: لا تراجع عن قرار الإدارة الذاتية، وتوجّهات المجلس في هذا الجانب نافذة ولا تقبل المساومة أو المقايضة في اتفاقات حلول سياسية لاسيما اتفاق الرياض (..) مجموعة الفساد والحاقدين يدعون لإلغاء الإدارة الذاتية مقابل تنفيذ اتفاق الرياض[18]. في تأكيد على رفض المجلس لإلغاء إعلان الطوارئ والإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية مقابل تنفيذ اتفاق الرياض.

وعقب السيطرة على أرخبيل سقطرى خرجت تظاهرة لأنصار المجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة المكلا -عاصمة محافظة حضرموت كبرى المحافظات اليمنية- للمطالبة بإعلان الإدارة الذاتية "لتمكين المحافظة من إدارة مواردها ذاتيا"[19]. وحضرموت التي يديرها فرج البُحسني -وهو أيضاً قائد المنطقة العسكرية الثانية- المدعوم إماراتياً، لا ينسجم بتوجهاته مع الحكومة اليمنية، ويملك علاقة جيدة مع المجلس الانتقالي الجنوبي لكنه لا يؤيد تحركاتهم. وتسعى السلطات في حضرموت إلى حكم ذاتي للمحافظة سواءً في "الجنوب" أو ضمن اليمن الاتحادي[20]. وتشير وثيقة إلى مطالبة البُحسني، الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى إجبار وزارة الخارجية على الاعتذار ل"النخبة الحضرمية" القوة شبه العسكرية التابعة للإمارات -وهي ضمن قوة المنطقة العسكرية الثانية- بعد أن وصفها الوزير محمد الحضرمي ب"المليشيا"[21].

تكرر المشهد في محافظة شبوة -التي تحوي ميناءاً نفطياً هاماً ومركز تصدير الغاز المسال ومصفاة للنفط- الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية، بخروج موالين للمجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظة للمطالبة بـ"الإدارة الذاتية" وعودة القوات شبه العسكرية -المدعومة من الإمارات للمحافظة-[22]. كما تكرر في محافظة المهرة الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، والقوات السعودية إذ هدد المجلس الانتقالي الجنوبي بفرض "الإدارة الذاتية" و"تشكيل قوات النخبة المهرية"[23].

كما أن تكرار سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على أموال البنك المركزي اليمني للحصول على تمويل لسلطتهم الذاتية قد يتكرر في باقي المحافظات. في يونيو/حزيران 2020 سطا مقاتلو المجلس الانتقالي على "64 مليار ريال يمني (حوالي 256 مليون دولار أمريكي)"، طُبعت في روسيا، وكان المبلغ مخصصًا للبنك المركزي في عدن[24]. وفي الشهر ذاته حولوا مسار خمس شاحنات محملة بالأموال من الطبعة الجديدة إلى معسكر تابع للإمارات في مدينة المكلا[25]. واعترف المجلس الانتقالي بأن مقاتليه صادروا الأموال مبررين ذلك باتخاذ خطوات بمكافحة الفساد!.

إن تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي ومحاولة فرضه خيار "الإدارة الذاتية" في المحافظات الواقعة تحت سيطرته، قد يدفع لصراع مناطقي يستدعي الصراع القديم الذي ادى إلى أحداث يناير 1986 الدموية ، او على الأقل يشجع تيارات مناطقية أو سياسية أخرى إلى إعلان مماثل يزيد من تفكيك البلاد.

وقد لا يشمل هذا الوضع المحافظات الجنوبية الرافضة للمجلس الانتقالي الجنوبي فقط، بل حتى المحافظات الشمالية، إذ أنه قد يدفع أي "قوة" شبه عسكرية لفرض سيطرتها على نطاق جغرافي للحصول على مكاسب سياسية. يتجلى ذلك عقب سيطرة المجلس الانتقالي على سقطرى في محاولة القوات المشتركة التي يقودها "طارق صالح" نجل شقيق الرئيس اليمني السابق في الساحل الغربي لليمن إلى فرض سيطرته على "قطاع الحجرية" الذي يضم عدة مديريات في محافظة تعز، وإعلان نفسه حاكماً فعلياً عليها[26].

 
- أهداف التحالف في إسقاط سقطرى :

تعتبر السيطرة على أرخبيل سقطرى من قِبل المجلس الانتقالي الجنوبي نقطة تحول في الحرب اليمنية -التي تصاعدت منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول2014 ومنذ تدخل التحالف الذي تقوده السعودية لمواجهتهم في مارس/آذار2015- خاصة في المناطق التي يفترض أنها خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية -المعترف بها دولياً- وتهدف التحركات الأخيرة في المحافظات الجنوبية بما فيها السيطرة على "أرخبيل سقطرى"، إلى إظهار أن الحكومة الشرعية هي الطرف الأضعف في معادلة القوة والحلفاء، فلا يمكن تبرئة التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات من الفوضى المستمرة في جنوب اليمن.

لقد تحول التحالف بشكل صارخ عن هدفه الرئيسي المتمثل في استعادة الحكومة الشرعية في اليمن إلى التركيز على ثلاث أولويات:

-  بناء سلطات موازية للحكومة الشرعية في مناطق يفترض أنها تحت سيطرتها.

-  تقويض الحكومة الشرعية بشكل متعمد - وهو ما سيترتب عليه إضعاف قانونية التدخل في اليمن.

-  السيطرة على الموانئ والسواحل والجزر كما تظهر خارطة التواجد العسكري السعودي الإماراتي.

كما أن هذا التحول يشير إلى أن الرياض قد تريد استثمار ملف سقطرى لتمرير بعض أهدافها الآنية للتحكم في الوضع العام قبل الخروج من مستنقع حرب اليمن:

ورقة ضغط على الشرعية: اعتقدت السعودية أن سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على أرخبيل سقطرى قد يضغط على الرئيس "هادي" قبول تقديم الشق السياسي على الشق الأمني والعسكري في اتفاق الرياض، كما أن هذه السيطرة تعطي السعودية هامش أكبر في التدخل في الشرعية مثل تشكيل الحكومة والحوار مع الحوثيين ومنع اتخاذ خطوات تصعيد ضد حليفتها الإمارات.

هدية لتشجيع الانتقالي: مع إعلان المجلس الانتقالي "الإدارة الذاتية" على محافظة أرخبيل سقطرى يكون قد حصل على تشجيع للخروج من حالة الانحصار المناطقي بين ( الضالع ويافع) والسيطرة على محافظات الجنوب الأخرى، بما فيها تلك التي رفضت "الإدارة الذاتية" ومنها سقطرى ومحافظات "حضرموت، أبين، شبوة، المهرة" وبيان رسمي من لحج -على الرغم من أن المحافظة تحت إدارة المجلس الانتقالي- رفضها لـ"الإدارة الذاتية"، وهذه الهدية الثمينة مقابلها قد يكون خضوع قادة المجلس للرياض بعد اطمئنانهم على مصالحهم.
دور جديد للإمارات: سحب سقطرى من يد الحكومة الشرعية إلى يد المجلس الانتقالي أسال لعاب أبوظبي ، وبذلك استعدت لأي دور جديد في اليمن طالما تشعر بسيطرتها على الجزر والموانيء الهامة، وبالتالي حتى أن اعلان انسحابها من حرب اليمن لم يعد مجديا طالما لازالت منخرطة في الحرب اليمنية من خلال تواجدها الميداني لدعم حلفائها، كما أن تواجد الإمارات في سقطرى قد يخفف من هرولتها إلى إيران وسيعطيها دور مواجهة تركيا في الجزيرة اليمنية االأقرب إلى الصومال التي تتواجد أنقرة فيها بقاعدة عسكرية.

تمديد زمن الحرب: منح المجلس الانتقالي "أرخبيل سقطرى"، ورقة سيجعل من الصعب استكمال تنفيذ اتفاق الرياض والذهاب إلى اتفاق سلام مع الحوثيين. ويوضح خطاب المجلس الانتقالي الجنوبي عقب السيطرة على سقطرى هذا البُعد الذي يتحدث عن "سيادة القوات الجنوبية على جميع أراضيها" ورفض أي حلول سياسية تفرض على المجلس الانتقالي "سحب القوات من محافظة أبين"[27].

وعدم تنفيذ اتفاق الرياض يجعل الحرب في اليمن مستمرة، وهو ما يخفف الحرج والضغط على السعودية أمام المجتمع الدولي المطالب بضرورة إنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاقية سلام مع الحوثيين، في وقت لازالت صواريخ ودرونز الحوثي تهاجم مدن السعودية.

 
- تعقيدات اتفاق الرياض:

عقب سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على سقطرى، أعلن التحالف العربي الذي تقوده السعودية عن وقف إطلاق النار بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي في جنوب اليمن والبدء في مشاورات لتنفيذ اتفاق الرياض. يتواجد زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي في الرياض منذ أسابيع لكن لم يحقق أي تقدم يُذكر في المشاورات غير المباشرة بين الطرفين.

يذهب اتفاق الرياض نحو إعادة ترتيب أولويات من الشق السياسي إلى الشق العسكري -الأمني بعد ضغوط وضمانات سعودية بالتنفيذ:

-  الإدارة الذاتية: ليس من المتوقع أن يتراجع المجلس الانتقالي الجنوبي عن إعلان الإدارة الذاتية الذي يتيح لنفسه حكم المحافظات الجنوبية كسلطة موازية للحكومة الشرعية. وإلغاء "الإدارة الذاتية" كما يبدو أصبح شرطاً للحكومة من أجل إعلان تشكيل حكومي جديد يضم المجلس الانتقالي الجنوبي. لذلك من الواضح أن إلغاء الآثار اللاحقة على اتفاق الرياض أصبحت شرطاً لتنفيذه وليس نزع السلاح أو فرض طرف محدد.

-  توقف المواجهات: على الرغم من إعلان التحالف عن وقف إطلاق النار إلا أن اشتباكات وكمائن استمرت خلال الفترة التي أعقبت الإعلان؛ فمن غير الوارد توقف المواجهات حتى لو تم الإعلان عن حكومة جديدة إذ أن القوات ما تزال مستمرة على الأرض في حالة تأهب.

- انتقاص الشرعية: يذهب تنفيذ اتفاق الرياض نحو إجبار الحكومة الشرعية على تقديم التنازل على الرغم من تصعيد المجلس الانتقالي الجنوبي في سقطرى وأبين وزيادة التظاهرات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالسيطرة على باقي المحافظات الجنوبية في انتقاص أكبر لشرعية تتآكل بفعل أهداف حلفائها الإقليميين.  

 
- فرصة الأمم المتحدة في مبادرة جديدة:

 بعد أحداث سقطرى تقدم مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث بمبادرة "إعلان مشترك" بين الحوثيين والحكومة اليمنية يشمل الإعلان:

- وقف إطلاق النار فور توقيع الإعلان المشترك من الطرفين (الحكومة والحوثيين) مع وقف كامل للعمليات العسكرية الهجومية البرية والبحرية والجوية ووقف إعادة نشر الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والذخائر.

- الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية البرية والبحرية والجوية ضد المملكة العربية السعودية، وتطبيق أحكام وقف إطلاق النار خلال 72 ساعة من توقيع الاتفاق وعلى الأطراف تسهيل مرور الشحن الدولي وتسهيله.

 - “وضع آلية المراقبة المشتركة عبر لجنة عسكرية للتنسيق تترأسها الأمم المتحدة وتشمل ممثلين عسكريين رفيعي المستوى من الطرفين”.

- ضمان حماية المدنيين والمنشآت المدنية والتعاون مع الأمم المتحدة لتنفيذ هذا الاتفاق، والبدء بعقد اتفاق فوري للتوافق على آلية مشتركة لوقف إطلاق النار، بحيث تتضمن هذه الآلية عدة عناصر رئيسية، تشمل عقد اللجنة اجتماعات أسبوعية ووقت ما تفرضه الحاجة، وإنشاء خط اتصال ساخن بين الطرفين على مدار 24 ساعة ويرفع بتقارير الخروقات للأمم المتحدة”.

- يمهد الإعلان المشترك إلى استئناف المشاورات السياسية. ويقول إنه يجب استئناف المشاورات السياسية وبموافقة الطرفين في أقرب وقت ممكن بقيادة يمنية وتحت رعاية الأمم المتحدة ووضع نهاية كاملة للحرب من خلال الإسراع في إبرام اتفاق سلام شامل.

- وتطرقت إلى الأمن البحري من خلال “ضمان سلامة ناقلة النفط صافر، والسماح الفوري بإجراء التقييمات الفنية لها بإشراف الأمم المتحدة وإجراء الإصلاحات الأولية الضرورية لضمان سلامة استخراج النفط الآمن منها تمهيداً لبيعه واستخدام إيراداتها في صرف رواتب الموظفين”.

 -رفع القيود على دخول سفن الحاويات التجارية والمحملة بالغاز والمشتقات النفطية والسلع والبضائع بشكل منتظم دون تأخير ما دامت ملتزمة بحظر توريد الأسلحة المفروض بموجب قرارات مجلس الأمن”.

- ضرورة “فتح مطار صنعاء للرحلات الدولية والتجارية والإنسانية والمدنية، أسوة بالمطارات اليمنية الأخرى ووضع آلية تعاون يتفق عليها للإجراءات التشغيلية لمطار صنعاء الدولي”.

* رفضت الحكومة اليمنية المسودة وقالت إنها "تنتهك السياسة وتتجاوز مهمة غريفيث"[28]، ولم يعلق الحوثيون عليها. وتقدم المسودة بشكل لا لبس فيه تصورات الحوثيين وتتعامل مع الحكومة الشرعية بصفتها الطرف الأضعف في أي اتفاق كونها لا تسيطر إلا اسمياً على المحافظات الجنوبية المحررة، وتعاني من مشكلات مع حلفائها في سقطرى. وعادة ما تستغل الأمم المتحدة توازن القوى على الأرض لتقديم مبادراتها لكن المبادرة الأخيرة تتجاهل صفة الحكومة الشرعية كونها المعترف بها دولياً والبرلمان والرئاسة المنتخبين من كل اليمنيين.

 
- الحوثيون وتفكك معسكر الشرعية:

بالنسبة لجماعة الحوثي فإن وجود خلافات واحتدام معركة داخل معسكر الحكومة/التحالف يؤكد قدرتها على تثبيت وجودها في مناطق سيطرتها - وإن كان فرض السيطرة بالحديد والنار-. كما أن الرغبة السعودية في استخدام أحداث سقطرى لفرض تقديم الشق السياسي على الشق العسكري في اتفاق الرياض، يجعل الحوثيين أكثر ثقة بأن خططهم تنجح بشأن إبقاء السلاح وهيكل الجماعة المسلحة. إذ أن "اتفاق الرياض" يُقدم صورة واضحة لما يمكن تحقيقه في ملف السلام الأوسع.

في مشاورات الكويت بين الحكومة اليمنية والحوثيين (2016) كان الخلاف الرئيس بين الطرفين أيهما أولاً: الشق السياسي أم الشق العسكري. أصرت الحكومة على تسليم الأسلحة قبل البدء بتشكيل الحكومة وهو ما رفضه الحوثيون.

استغل الحوثيون الوضع المتناقض داخل معسكر خصومهم بعد أحداث سقطرى للهروب من مسئولية خزان نفطي تحت سيطرتهم ، إذ يستمر التوتر المحلي والدولي بشأن الآثار التي من الممكن أن يسببها انفجار أو تسرب من خزان النفط العائم "صافر" الذي يقع قبالة السواحل اليمنية في البحر الأحمر في ميناء رأس عيسى. حيث من المتوقع تسريب 1.1 مليون برميل نفط مسبباً أكبر كارثة بيئية في البحر الأحمر في تاريخه. وظهر الحديث عن إصلاح الخزان العائم في مبادرة الأمم المتحدة الأخيرة ويفترض التعامل مع رفض الحوثيين لإصلاح الخزان وفق الفصل السابع من قرار مجلس الأمن وإجبارهم على وقف استخدامه كرهينة حرب، ويفترض إصلاح الخزان العائم -بأي صورة- دون اللجوء إلى اتفاقات بين الحكومة اليمنية والحوثيين أو مع الحوثيين مباشرة باعتبارها قضية تمس الأمن والسلم الدوليين. مؤخراً قالت الأمم المتحدة إن الحوثيين سمحوا لفريق من الأمم المتحدة بزيارة الخزان العائم ومحاولة إصلاحه لكن ذلك يأتي قبل جلسة لمجلس الأمن الدولي يوم (15 يوليو/تموز2020) ودأب الحوثيون على التراجع خطوة للوراء قُبيل انعقاد الجلسات في مجلس الأمن لكن ذلك لا يعني أنهم وافقوا، وقد توحي الأيام القادمة بمدى مصداقية الحوثيين في هذه القضية.

 
- مستقبل أزمة سقطرى:

اتفاق الرياض تجاهل وضع محافظة سقطرى، رغم أن التوترات الموجودة داخلها تصاعدت عقب سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل رسمي على مدينة عدن وأجزاء من محافظة أبين وكل محافظتي لحج والضالع، لكن ظلت سقطرى بعيدة عن ذلك الاتفاق. وهذا ما قد يجعل أوضاع الجزيرة تتحول إلى ورقة مساومة وضغط على الحكومة الشرعية مستقبلا.

فشل تحقيق أي تقدم في المشاورات غير المباشرة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي والتي ترعاها الرياض، لكن هناك مؤشرات عن تقدم -جزئي- حدث بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم من الإمارات -وكما يبدو برغبة سعودية- على أرخبيل سقطرى، ومع ذلك لا زال وضع الأرخبيل بعيدا عن "اتفاق الرياض" أو إضافة كجزء من الاتفاق، على الرغم من أن التقدم الذي يفترض أن يحرز في عودة الأوضاع إلى سابق عهدها -حتى ولو شكلياً- يعني إحراز تقدم أكبر في اتفاق الرياض.

اجتمع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بنائبه ومستشاريه والحكومة وقيادة البرلمان من أجل الخروج برؤية لتنفيذ اتفاق الرياض بطلب من المملكة العربية السعودية. رفض الرئيس اليمني مراراً تقديم الشق السياسي على الشق العسكري في اتفاق الرياض واستمر في تصميمه بإبقاء الشق السياسي "ضم المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حكومة جديدة مناصفة بين الشمال والجنوب"، بعد دمج القوات شبه العسكرية المدعومة من الإمارات ضمن قوات الجيش والأمن اليمنيين.

لم يكن ليتم استدعاء كافة مؤسسات الحكومة الشرعية إلى الرياض لو كان الرئيس اليمني سيستمر في التشبث بقراره الرافض بتشكيل حكومة جديدة قبل أن يتم سحب الأسلحة ودمج القوات شبه العسكرية التابعة للإمارات. لذلك يبدو أن "اتفاق الرياض" يتم فيه تشكيل حكومة جديدة مقابل ضمانات سعودية بتنفيذ سحب الأسلحة والدمج.

في الوقت ذاته لن تتمكن الرياض من تحقيق تقدم في الاتفاق -حتى بعد موافقة الرئيس هادي- إلا بعد إحداث تغيير في سقطرى، لذلك شكلت الرياض لجنة من مسؤوليها وممثلين للحكومة وممثلين أخرين للمجلس الانتقالي الجنوبي لإعادة الأوضاع إلى الجزيرة كما كانت، لكنها لم تحقق أي تقدم في ذلك، ويبدو أن أبوظبي تضغط لإبقاء الأمر على ما هو عليه في الأرخبيل الموجود وسط المحيط الهندي.

هذا التضارب بين تنفيذ اتفاق الرياض الذي لم يتضمن ارخبيل سقطرى، وكيفية حل مشكلة سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات على جزيرة سقطرى، يضع هذا الملف في عدة سيناريوهات:

السيناريو الأول: عمل ملحق جديد في اتفاق الرياض يتضمن تطبيع الأوضاع في ارخبيل سقطرى، وهو سيناريو متوقع لكن صعوباته كثيرة، فعامل الوقت وطول المباحثات قد تزيد من فرص فشل الاتفاق مع احتمالية توسع المواجهة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي لتشمل محافظات حضرموت والمهرة وشبوة.

السيناريو الثاني : إعادة الأوضاع في سقطرى من خلال لجنة مستقلة قبل تنفيذ اتفاق الرياض، وهذا قد توافق عليه الحكومة ويرفضه الانتقالي إلا في حالة حصوله على حوافز جديدة للتخلي عن سيطرته على سقطرى التي لا تلزمه أي اتفاقيات بشأنها، والحوافز التي يريدها الانتقالي هنا قد تضعف أكثر من شرعية الرئيس هادي، ما يجعل هناك صعوبة في تمرير ذلك.

السيناريو الثالث: تنفيذ اتفاق الرياض مع ضمانات سعودية لحل مشكلة أرخبيل سقطرى لاحقا بعد تشكيل الحكومة، وهذا يعطي الامارات فرصة للتمكن من السيطرة العسكرية اكثر على الأرخبيل الاستراتيجي، وقد لا تقبل به الحكومة الشرعية إلا إذا تم تأجيل تعيين قيادة جديدة لمحافظة الأرخبيل، وهو ما قد يرفضه المجلس الإنتقالي المدعوم من أبوظبي.


------------------------
مراجع:

[1] كثيرا ما يضطر "مركز أبعاد للدراسات والبحوث" حجب هوية الباحثين الذين يكتبون بعض ابحاثه لحمايتهم نتيجة تواجدهم في مناطق خطرة أو مهددين من أحد أطراف الصراع - يشارك أكثر من باحث في كتابة هذه الورقة.

[2] سقطرى هي كبرى جزر أرخبيل يحمل الاسم ذاته، مكون من 6 جزر، ويحتل موقعا إستراتيجيا في المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي، قرب خليج عدن،وقد تصاعدت حدة الصراع في سقطرى -وهي من المحافظات الجنوبية- عقب إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي في 26 أبريل/نيسان الماضي حالة الطوارئ العامة، وتدشين ما سماها "الإدارة الذاتية للجنوب"، وسط رفض عربي ودولي.

 

[3]  سقطرى، وخمس جزر أخرى هي درسة وسمحة وعبد الكوري، وصيال عبد الكوري وصيال سقطرى، و7 جزر صخرية هي صيرة وردد وعدلة وكرشح وصيهر وذاعن ذتل وجالص.

[4] ضرب إعصاران "ميج" "تشابلا" جزيرة سقطرى في شهر واحد (نوفمبر/تشرين الثاني2015) مسبباً كارثة طبيعية أدت إلى مقتل عدد من سكان الجزيرة وتجريف الزراعة وتحطم البنية التحتية بما فيها قوارب الصيادين.

[5] قال مسئول في التحالف لباحث مركز أبعاد أن الرئيس رفض عرض سعودي بتجنيد 300 جندي جنوبي لسقطرى من أجل منع سيطرة الانتقالي وتحييد القوات الموالية للشرعية.

[6] UAE aid helps Socotra development https://wam.ae/en/details/1395302851854

[7] تحدث ثلاثة مسؤولين حكوميين ليلة السيطرة على أرخبيل سقطرى 19 يونيو/حزيران 2020 ل"مركز أبعاد للدراسات والبحوث".

[8] تحدث مسؤول في السلطة المحلية ما يزال في "حديبو" لمركز أبعاد للدراسات والبحوث يوم 6 يوليو/تموز2020. ومصدر مسؤول في المجلس الانتقالي الجنوبي قال في نفس اليوم لمركز أبعاد إنهم لن يتحركوا إلى الرياض إلا بضمان تعيين محافظ جديد تابع للمجلس الانتقالي في سقطرى وبقاء الإدارة الذاتية كمشرف على السلطة المحلية.

[9] سقطرى اليمنية.. تحت الاحتلال الإماراتي- مركز أبعاد للدراسات والبحوث مايو/آيار 2018 https://abaadstudies.org/news.php?id=59768

[10] المصدر السابق

[11]  هل يريد الخليج الانتصار على إيران أم لديه أطماع في اليمن؟، مركز أبعاد للداسات والبحوث أبريل2018

https://abaadstudies.org/pdf-11.pdf

[12] عودة روسيا إلى اليمن- مركز أبعاد للدراسات والبحوث  (مارس/آذار 2020) https://abaadstudies.org/news-59834.html

[13] بغية الانضمام لـ"طريق الحرير"... اليمن يوقع اتفاقا مع الصين https://arabic.sputniknews.com/world/201904251040711385-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86/

[14] Israel’s New “Secret” Friend in Yemen https://www.israeltoday.co.il/read/israels-new-secret-friend-in-yemen/

[15] Israel’s ambitions in south Yemen increase risk of conflict with Houthis – Middle East Monitor https://www.middleeastmonitor.com/20200629-israels-ambitions-in-south-yemen-increase-risk-of-conflict-with-houthis/

[16] يمكن الاطلاع على تحليل، علي باكير الذي يوضح "حرب الدعاية الإماراتية" في سقطرى ومحاولة جرّ تركيا إليها حتى لا تتلقى اللوم

How the UAE is using fake news to manufacture a Turkish role in Yemen

https://www.trtworld.com/opinion/how-the-uae-is-using-fake-news-to-manufacture-a-turkish-role-in-yemen-38006

[17] Turkey, the Gulf, and Libya: The economic impact of a growing geopolitical divide, 17 Jun 2020

https://www.mei.edu/publications/turkey-gulf-and-libya-economic-impact-growing-geopolitical-divide

[18] اللواء بن بريك: الإدارة الذاتية ليست للمقايضة بتنفيذ اتفاق الرياض https://www.alayyam.info/news/89D1Y79P-E2NWD4-772C#.XwO6I2vXMfA.twitter

[19] وقفة احتجاجية حاشدة في المكلا للمطالبة بالإدارة الذاتية لشؤون حضرموت https://stcaden.com/news/12201

[20] مقابلة مع مسؤول في السلطة المحلية بمحافظة حضرموت عبر الهاتف مع "مركز أبعاد للدراسات والبحوث" في ابريل/نيسان2020م.

[21] صدرت الوثيقة في يوليو/تموز2020م

[22] ‎شبوة تنتفض تأييدا للإدارة الذاتية ومطالبة بطرد مليشيات الإخوان من المحافظة https://www.youtube.com/watch?v=P8b4v_uhcjE

[23] رئيس انتقالي المهرة يتوعد بتصعيد المطالب للإدارة الذاتية وتشكيل “نخبة مهرية” http://www.aljanoobalyoum.net/32183/

أبناء محافظة المهرة مديرية قشن يقولون نعم للتطبيق الإدارة الذاتية للجنوب المجلس الانتقالي الجنوبي https://www.youtube.com/watch?v=Erz80ywmJyc

فعالية جماهيرية حاشدة في المهرة تأييدًا ودعمًا للمجلس الانتقالي الجنوبي https://www.youtube.com/watch?v=rvhGsbyud08

[24] Separatists in south Yemen seize convoy with billions of riyals for central bank https://in.reuters.com/article/yemen-security-cenbank/separatists-in-south-yemen-seize-convoy-with-billions-of-riyals-for-central-bank-idINKBN23L0EU

[25] مسؤول يمني يتهم الإمارات بالاستيلاء على أموال للدولة بحضرموت https://bit.ly/3gzxUaE

[26] يقود "طارق صالح" القوات المشتركة التي تتكون من عدة فصائل (حراس الجمهورية، فصائل سلفية، والمقاومة التهامية) وتضم قواته  أكثر من 40 ألف مقاتل إضافة إلى أكثر من 5000 مقاتل من حلفاءه كتائب أبو العباس المدعومة من الإمارات -المصنف رئيسها على قوائم الإرهاب نتيجة تبعيته لتنظيم القاعدة. المزيد من التفاصيل: 
(انفراد) “طارق صالح” يستعد لإعلان دولة تابعة للإمارات في الساحل الغربي لليمن https://theyemen.net/%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%AF-%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D9%82-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF-%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%AA%D8%A7/

[27] المشوشي لـ«الأيام»: قواتنا حليف على الأرض لتأمين حدود السعودية والإمارات ومصر https://www.alayyam.info/news/89D2HZVM-61QHE7-D7F7#.XwO4Sdk0VBs.twitter

[28] الحكومة اليمنية ترفض رسمياً مقترحات غريفيث الأخيرة https://aawsat.com/home/article/2387916.


اقراء ايضاً