الصراع يهدد عدن بكارثة صحية
تعيش مدينة عدن، جنوبي اليمن، واحدة من أسوأ مراحلها في ظل أزمة كورونا التي تجتاح العالم. وعلى الرغم من أن المدينة لم تسجل حتى اللحظة أي إصابة بهذا الوباء بشكل رسمي، إلا أن الخوف كبير من وصوله بسبب ما تعانيه المنطقة من صراع محلي وإقليمي يعيق أي تقدّم في الاستعدادات لمواجهة هذا الوباء، في ظل تدخّلات الإمارات ووكلائها في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وانتشار تهريب الأدوية والمعدات الطبية إلى الخارج وبيعها بأسعار خيالية في القرن الأفريقي، ما يعيق محاولات الحكومة الشرعية والأطراف الدولية من منظمات ودول للتجهيز والاستعداد لمواجهة هذا الوباء في حال انتشر في المدينة. كما أن الصراع في عدن يؤثر على باقي المحافظات الواقعة تحت سيطرة أتباع أبوظبي، لا سيما محافظتي لحج والضالع اللتين لا توجد فيهما أي استعدادات لمواجهة هذا الوباء، ما يزيد الوضع سوءاً وتعقيداً.
وقالت مصادر في وزارة الصحة ومكتبها في عدن، وأخرى في منظمات دولية، لـ"العربي الجديد"، إن الوضع في عدن مقلق للغاية بسبب التداخلات في المهام، التي أفرزتها تدخّلات وكلاء الإمارات، الذين يسعون إلى الاستيلاء على المساعدات الدولية المقدمة لوزارة الصحة في الحكومة الشرعية في عدن، وفي الوقت نفسه يرفضون أن يساعدوا في تحسين الأوضاع الصحية في عدن والاستعداد لمواجهة جائحة كورونا. وأضافت المصادر أن عدن قد تدفع ثمناً باهظاً في ظل استمرار هذا الصراع بين الشرعية والإمارات ووكلائها في عدن، فلا أحد قام بإنجاز محاجر صحية أو تأهيل المستشفيات الموجودة في المدينة سواء الحكومية أو الخاصة منها، فضلاً عن عدم تمكين وزارة الصحة ولجنة الطوارئ والمنظمات الدولية من توفير وسائل الحماية للممرضين والأطباء وكل الطواقم الطبية، وبسبب ذلك ترك أطباء وممرضون بعض المستشفيات.
وقال مصدر في منظمة دولية "نحن نتعامل بطريقة رسمية من خلال السلطات الحكومية مع الوضع في عدن والمحافظات المجاورة، لكن المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته وبعض قياداته تعيق عملنا، وهناك أحياناً عمليات ابتزاز من قبل قادة مجموعات عسكرية، بل تهديد لبعض العاملين في المنظمات الدولية على خلفية التعامل مع الشرعية، وهذا يضر بالناس الأبرياء ويعيق دعم المناطق وتشكيل الفرق الطبية وتوفير المساعدات، وكل هذا قد يؤدي إلى نكبة وكارثة إنسانية في عدن".
وكشف المصدر أن سيارات ومعدات طبية لعدد من المنظمات تم نهبها في عدن ولحج والضالع من قبل مجموعات تخضع لقادة بعض الفصائل التابعة لـ"الانتقالي"، ولا تستطيع تلك المنظمات الدولية وحتى المحلية الحديث عن هذه التجاوزات بسبب التهديدات اليومية التي تتعرض لها هذه المنظمات وطواقمها، على الرغم من الشكاوى التي قُدمت إلى الجهات الحكومية، وأيضاً لقيادات "الانتقالي".
من جهته، ذكر مسؤول حكومي في محافظة عدن، مفضلاً عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، أن "المشكلة الحقيقية تكمن في سيطرة مليشيات على عدن، وهي تمارس دوراً سيئاً في خدمة مصالح خاصة، وبعضها مرتبطة بالإماراتيين مباشرة، لذلك تمنع أي تحرك لنا للتعاطي مع الوضع الاستثنائي الذي يمر به العالم واليمن على وجه الخصوص". وأضاف أن مسؤولي الحكومة يتعرضون لتهديدات كثيرة من قبل قادة فصائل أثناء عملهم لخدمة الناس ويبلغون بذلك قيادة التحالف السعودي - الإماراتي في عدن، لكن لا يوجد أي تجاوب مع هذه الشكاوى، حتى أصبح كل من يريد خدمة الناس مكبل اليدين، ويترافق ذلك مع عمليات تلاعب بالأدوية وتهريب معدات إلى خارج اليمن كان من المفترض أن تساعد في خدمة الناس في عدن، لا سيما إلى جيبوتي والإمارات، وتقوم بهذا العمل قيادات سياسية وعسكرية تتبع لـ"الانتقالي".
وباتت تدخّلات أتباع الإمارات في عدن وأعمال الفوضى من أسباب القلق المتزايد في المدينة، وتزيد السخط ضد "الانتقالي" وخلفه الإمارات، لا سيما ضد القيادي في "الانتقالي" عبد الناصر الوالي، الذي يُعد حالياً رجل أبوظبي في عدن ومنفذ سياستها وقائد حربها ضد الشرعية وحتى ضد السعودية وإفشال كل التحركات الرامية إلى تجهيز محاجر صحية. ويقوم الوالي بالاستيلاء على المعدات الطبية والمساعدات وحتى اقتحام المستشفيات وتهديد كل من يقف بطريقه، بمن فيهم المسؤولون والوزراء في حكومة الشرعية في عدن، من خلال مجموعات عسكرية تخضع له بشكل مباشر. كما أن بعض الأهالي باتوا يحمّلونه مسؤولية ما تتعرض له عدن والوقوف بوجه مساعي تأمين المنطقة خدماتياً وصحياً وحتى أمنياً، ويعتبر الكثير من الناشطين والصحافيين أن هذا الرجل بات نسخة عن القيادي الحوثي محمد علي الحوثي.
في المقابل، اتهمت مصادر في "الانتقالي" الحكومة بأنها السبب في ما وصل إليه الوضع في عدن وباقي مناطق الجنوب، رافضة الاتهامات الموجّهة للمجلس من قِبل المسؤولين في الشرعية والجهات الدولية، مع اعترافها في الوقت نفسه بأن المجلس يسيطر على عدن ولن يسمح لمسؤولي الشرعية بالحركة في العاصمة المؤقتة عدن، مدافعة عن تصرفات الوالي والقوات التابعة له في عدن وباقي مناطق الجنوب.
لكن مصدراً قيادياً في "الانتقالي" فضّل الابتعاد عن الأضواء خلال الأيام الأخيرة لأن "لا أحد بات يستمع لصوت العقل والمنطق"، وبسبب ما شاهده من تصرفات "الانتقالي" وتعدد الأقطاب داخله وسياسته في التعامل مع هذا الوباء، وفق قوله، اعتبر أن المجلس بات واحداً من أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى كارثة، بل نكبة، في مناطق ومدن الجنوب، في ظل أعمال نهب وتصرفات مسيئة لبعض القياديين وتعريض حياة ملايين الجنوبيين للخطر، متهماً في الوقت نفسه الشرعية باستغلال تصرفات قيادات "الانتقالي" الكارثية للتخلي عن دورها والتذرع بسيطرة المجلس على عدن للتهرب من مسؤولياتها تجاه الناس، محذراً من أن هذا الصراع مكلف كثيراً للناس.
القيادي الذي تحدث لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، اتهم أيضاً السعودية والإمارات بلعب دور سيئ في هذا الأمر ورمي كل المسؤولية على الأطراف اليمنية مع أنهما أصحاب القول الفصل في ما يحدث، لكنهما تقيسان بمكيالين في ما يتعلق بحياة الناس وفي التعامل مع الوضع ومع "الانتقالي" والشرعية.
وفي السياق، حذرت لجنة الطوارئ المشكّلة من منظمات المجتمع المدني المؤثرة في عدن، في بيان لها، من خطورة هذا الصراع في عدن على دور الجميع في مواجهة كورونا، والتأثير السلبي لانعكاسات الصراع والمماحكة السياسية بشكل غير متوقع على مسار التدابير الإجرائية في التأهب والاستجابة لمواجهة الفيروس. ودعت اللجنة أطراف اتفاق الرياض: الحكومة و"المجلس الانتقالي" والسلطة المحلية لمحافظة عدن، إلى مراعاة هذا الوضع الخاص، وتجنيب المنطقة صراعاتهم وخلافاتهم، وآثارها القوية في الحد من قدرة وجاهزية مرافق خدمات الرعاية الصحية وفي إثقال كاهل المعنيين بتقديم الخدمات الصحية أو عرقلة عملهم.