رفض سياسات ابن سلمان.. هل يتحول من سخط مكتوم إلى حركة فاعلة؟
أصبح في حكم المؤكد يقينا أن هناك حالة من السخط العام تسري بين أفراد وجماعات بالأسرة الحاكمة السعودية تجاه سياسات ولي العهد محمد بن سلمان.
مواقف أفراد العائلة الحاكمة وإعرابهم عن استيائهم، اقترنت بتتابع الأحداث، بدءا من التغيير الحاصل في أجيال الخلافة داخل المملكة، التي كان أبرزها الإطاحة بالأمير محمد بن نايف من ولاية العهد وتنصيب "ابن سلمان" بدلا منه، وتصاعد الحديث حينها عن صراع أجنحة على السلطة داخل عائلة آل سعود.
ما زالت الانتقادات توجه للملك ونجله مع كل حدث، منها رفض أفراد العائلة المالكة للتدخل العسكري في اليمن منذ مارس/آذار 2015، واستنكارهم لحملة الاعتقالات التي قام بها "ابن سلمان" في 2017، والتي ادعت الحكومة أنها تهدف للقضاء على الفساد، لكنها كانت لتحجيم خصوم "ابن سلمان" ومنتقديه، وهي الخطوة التي تسببت في تزايد الفوضى والاستياء داخل العائلة المالكة.
أزمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018، كشفت الصحف الأجنبية حينها أنه راح ضحية صراع الأسرة الحاكمة، وبعد الحادث راج الحديث عن وجود استياء داخل العائلة المالكة وإحباط من العثرات المتكررة للأمير الشاب.
ساعتها كشفت تقارير إعلامية أن آل سعود يتوحدون لإنقاذ النظام من أزمة خاشقجي، واستخدموا عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي كان يرفض تنصيب ابن سلمان وليا للعهد، للسعودية للترويج لذلك.
ومع تتابع الأحداث خلال العام الجاري 2019 وآخرها حادث استهداف المنشآت النفطية التابعة لأرامكو، عاد الحديث عن استياء أفراد من العائلة الحاكمة من "ابن سلمان" بسبب الحادث وسخطهم من طريقة إدارته للبلاد وتصعيده ضد إيران، فضلا عن رفضهم لسيطرته على السلطة.
بروز اسم الأمير محمد بن سلمان ترافق مع تولي والده الحكم في 23 يناير/كانون الثاني 2015، حيث أصدر قرارا ملكيا بتنصيبه وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان الملكي، وفي 29 أبريل/نيسان 2015 صدر أمر ملكي بتنصيبه وليا لولي العهد، ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء السعودي ووزيرا للدفاع ورئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وفي يونيو/حزيران 2017 أصبح وليا للعهد بعد إعفاء عمه الأمير محمد بن نايف.
ومع كل "ترقية" يحصل عليها الأمير الشاب يزداد سخط أفراد داخل الأسرة الحاكمة، وتطفو على السطح الحديث عن صراعات وخلافات داخل العائلة.
في سبتمبر/أيلول 2015، أي بعد 5 أشهر من تعيين "ابن سلمان" وليا لولي العهد، كشفت مصادر لصحيفة ميدل إيست آي، عن رسالة بريد إلكتروني معممة أرسلها عضو بارز من آل سعود إلى العائلة المالكة، يعبر فيها عن خوفه من أن النظام الملكي قد ينهار ما لم يتم استبدال الملك سلمان على وجه السرعة، بالإضافة إلى إزاحة نجله من منصب ولي ولي العهد.
أرسل أحد أحفاد الملك الراحل عبد العزيز بن سعود، رسالة مؤلفة من 4 صفحات، يدعو فيها العائلة المالكة لعقد اجتماع طارئ لمعالجة مخاوف فقدان آل سعود لقوة قبضتهم على السلطة، وجاء في نص الرسالة: "نحن نقترب أكثر وأكثر من سقوط الدولة وفقدان السلطة".
تلك الرسالة التي حملت دعوة لتغيير خط الخلافة بالمملكة، كانت بمثابة دليل جزئي على صراع الأجيال الناشب داخل العائلة المالكة، ورفض لشخص الملك سلمان ونجله، ودعوة لتغيير قيادات البلاد، إلا أنها لم تأت بأي أثر منذ إعلانها قبل 4 سنوات وحتى الآن.
- رفض الحرب
ارتبط ذكر "ابن سلمان" بحرب اليمن التي شنها بعد أقل من شهرين من تنصيبه وزيرا للدفاع، ورافق ذكرها الحديث عن انقسام داخل العائلة المالكة حولها، وحسب متابعين فإن العائلة كانت منقسمة لفريقين، مؤيد للحرب يقوده ابن سلمان، ورافض يقوده ابن نايف ويضم عددا كبيرا من الأمراء والمسؤولين السياسيين والعسكريين والاقتصاديين، ويعتقد الأخير أن حرب اليمن عبثية ولا طائل منها، وكان بالإمكان حل الخلاف ومعالجته بالطرق السلمية والسياسية.
ونقلت وسائل الإعلام عن أحد الكوادر الأكاديميين السعوديين أن العائلة الحاكمة في السعودية لم تعد متماسكة، وأن زوار الأمراء الذين يتولون وزارات مهمة لا يكتمون امتعاضهم وتذمرهم من استمرار العدوان على اليمن.
ما تم ترويجه بشأن الامتعاض من حرب اليمن منذ بدايتها قبل سنوات لم يسفر عن شيء وتبعه زيادة سيطرة ابن سلمان أكثر على مقاليد الحكم بعد قرار ملكي صدر بعزل الأمير محمد بن نايف وتنصيبه وليا للعهد في 21 يونيو/حزيران 2017.
- مخالفة البيعة
في أعقاب إزاحة "ابن نايف" من طابور الخلافة، أفادت مصادر خاصة عن وجود انقسام حاد في العائلة الحاكمة حول القرار الملكي، وحسب مصادر صحفية، رفض نصف أعضاء هيئة البيعة في العائلة، تعيين "ابن سلمان" وليا للعهد، إلا أن الأمر الملكي اعتبره الأصلح ومنحه صلاحيات كاملة.
وكشفت عريضة مسربة وجهها كبار أمراء آل سعود إلى الملك سلمان، اعتراضا على عزل "ابن نايف" وتعيين "ابن سلمان" بدلا منه.
تلك العريضة تناقلها مغردون على "تويتر" قبل عزل ابن نايف بساعات، يوضح وثائق صدرت، في ديسمبر/كانون الأول 2016، عن مكتب الأمير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد السابق وقع عليها 21 من كبار أمراء الأسرة الحاكمة في المملكة.
واعترض الموقعون حينها على ما وصلهم من معلومات، تفيد بإنابة "ابن سلمان" في إدارة شؤون الدولة، ورعاية مصالح الشعب، على أن يبقى الملك سلمان محتفظا بلقب "خادم الحرمين الشريفين".
وحذروا من أن هذه الخطوة من شأنها تفكيك لحمة الأسرة، وجلب مستقبل غامض، معتبرين أن مثل هذه الخطوة "مخالفة لنظام البيعة في الأسرة الحاكمة".
وكان من أبرز الموقعين على العريضة في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2016، الأمراء بندر بن سلطان، ومتعب بن عبد الله، وتركي الفيصل، والوليد بن طلال، ومحمد بن نواف، وخالد بن تركي، وآخرون.
- معارضة الاعتقالات
وبعد أشهر قليلة من تولي "ابن سلمان" ولاية العهد، شن في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حملة اعتقالات عنيفة ضد أبناء عمومته ورجال الأعمال الموالين لهم وأودعهم في سجن/ معتقل "ريتز كارلتون" حيث تعرض الأمراء ورجال الأعمال لحملات تعذيب أدت إلى وفاة بعض المساجين، مثل اللواء علي القحطاني، مدير مكتب أمير الرياض السابق تركي بن عبد الله آل سعود.
وأجبر الأمراء ورجال الأعمال على التنازل عن ثرواتهم مقابل الإفراج عنهم، حيث أعلن النائب السعودي العام سعود بن عبدالله المعجب استرداد الحكومة لأكثر من 100 مليار دولار بعد "مرحلة تفاوض وتسويات" جرت داخل معتقل "الريتز"، وهو المبلغ الذي يوازي ثروة أسرة آل سعود كاملة، وفقا لتقدير السفارة الأمريكية عام 1996، حسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ" نشر في أغسطس/ آب 2019.
وأجمعت الصحف الغربية إبان الحملة التي طالت 11 أميرا و4 وزراء حاليين وعشرات سابقين، ورجال أعمال، بتهم فساد، على أنها تعزز من سلطات ابن سلمان. ورأت صحيفة الغارديان البريطانية أن ما قام به ابن سلمان يشكل "انقلابا بطيئا".
أما صحيفة الإندبندنت فرأت أن عملية الاعتقالات تهدف بالأساس إلى القضاء على منافسي ولي العهد المحتملين أو منتقدي الأمير، وتثير هذه الخطوة المخاوف بشأن تزايد الفوضى والاستياء في داخل العائلة المالكة.
بينما قال موقع الجزيرة الناطق باللغة الإنجليزية: إنه كانت هناك سلسلة من الخطوات الدرامية الأخيرة في سلسلة من التدابير التي اتخذها ابن سلمان لتأكيد السلطة على البلاد.
صحيفة "ناشيونال إنترست" الأمريكية قالت: "بغض النظر عن مدى سلاسة حملة الاعتقالات، فإنه من الضروري أن يكون هناك استياء كبير ومعارضة داخل العائلة المالكة على انتزاع السلطة من قبل ابن سلمان".
وحذرت من أن بعض أفراد العائلة المالكة الساخطين يمكن أن يسعوا إلى إيجاد تعاون مشترك مع مصادر من الساخطين خارج العائلة المالكة، وهذا هو السبب لعدم الاستقرار الداخلي الأكبر في المملكة"، حسب الصحيفة.
وأكدت أن السعودية تعيش وضعا سياسيا هشا منذ زمن، محذرة من أن ولي العهد، "الطموح وعديم الخبرة" سيسرع من عملية انهيار المملكة.
- اغتيال خاشقجي
وفي أعقاب حادث اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، قالت مصادر مقربة من الديوان الملكي السعودي: إن هناك حراكا تشهده الأسرة المالكة فيما يتعلق بمستقبل ابن سلمان في ظل الأوضاع الصعبة التي تشهدها الرياض بعد الحادث وما نتج عنها من ضغوط دولية كبيرة.
وأكدت رويترز نقلا عن 3 مصادر مقربة من الديوان الملكي أن بعض أعضاء الأسرة الحاكمة يحاولون منع ابن سلمان من أن يصبح ملكا وسط الضجة الدولية بشأن مقتل خاشقجي.
وقالت المصادر: إن العشرات من الأمراء وأبناء العمومة من فروع قوية لأسرة آل سعود يريدون أن يروا تغييرا في ترتيب الخلافة لكنهم لن يتصرفوا بينما لا يزال العاهل السعودي الملك سلمان (83 عاما) على قيد الحياة لأنهم يدركون أن الملك من غير المرجح أن ينقلب ضد ابنه المفضل.
وأوضحت أنه في ضوء هذه الحالة فإن الأمراء يناقشون مع أفراد آخرين من العائلة المالكة إمكانية أن يتولى الأمير أحمد بن عبدالعزيز (76 عاما) وهو شقيق الملك سلمان وعم ولي العهد، العرش في حال وفاة الملك سلمان.
ونوهت رويترز إلى أن القتل الوحشي لخاشقجي، وهو منتقد بارز لولي العهد، أدى إلى إدانة عالمية، بما في ذلك من العديد من السياسيين والمسؤولين في الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي للسعودية، في الوقت الذي تعتقد وكالة المخابرات المركزية أن ولي العهد هو من أمر بالقتل، بحسب مصادر أمريكية مطلعة على تقييم "سي آي إيه".
بدورها، نشرت وول ستريت جورنال مقالا للكاتبة الصحفية الأمريكية المعروفة كارين هاوس وهي متخصصة في الشأن السعودي وصاحبة كتاب "السعودية شعبها ماضيها دينها ومستقبلها"، بينت فيه ضرورة عزل "ابن سلمان" من المشهد السياسي للمملكة لضمان عدم حدوث أي قلائل فيها في المستقبل، بعد تورطه باغتيال خاشقجي.
وقالت في مقالها إن: "عدم إبعاد ابن سلمان سيفجر صراعا عنيفا داخل الأسرة الحاكمة بالسعودية، ويؤدي إلى دخول المملكة فيما يعرف بعنف الأمراء".
من جانبه، قال الكاتب الأمريكي ديفيد إغناتيوس: إن خاشقجي دفع حياته ثمنا لصراع أقوى عائلتين داخل الأسرة السعودية الحاكمة، في طريق محاولة كل منهما التسلط والتحكم بمواقع القرار في السعودية.
- هجوم أرامكو
في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، شهدت المملكة أكبر واقعة لاستهداف بنيتها النفطية، بالهجوم على معملين تابعين لشركة أرامكو بمحافظة بقيق وهجرة خُرَيص شرقي البلاد بطائرات مسيرة، وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الحادث، فيما وجهت المملكة اتهاما مباشرا إلى إيران.
وبدورهم، عبر بعض أفراد الأسرة الحاكمة ونخبة رجال الأعمال في السعودية عن إحباطهم من "ابن سلمان"، حسب رويترز.
وقال دبلوماسي أجنبي كبير و5 مصادر تربطها علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال، بعدما طلبوا جميعا عدم نشر أسمائهم: إن هذا الأمر أثار قلقا وسط عدد من الفروع البارزة لعائلة آل سعود ذات النفوذ القوي، والتي يبلغ عدد أفرادها حوالي 10 آلاف، بشأن قدرة ولي العهد على الدفاع عن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وقيادتها.
وقالت المصادر إن الهجوم أثار سخطا وسط بعض الذين يعتقدون في دوائر النخبة أن ولي العهد سعى لتشديد قبضته على السلطة. وقال بعض هؤلاء الأشخاص إن الهجوم أثار انتقادات بين أولئك الذين يعتقدون أنه اتخذ موقفا عدوانيا مبالغا فيه تجاه إيران.
وقال أحد المصادر، وهو من النخبة السعودية الذي تربطه صلات بالعائلة المالكة: "ثمة حالة استياء شديد من قيادة ولي العهد. كيف لم يتمكنوا من رصد الهجوم؟".
وأضاف المصدر نفسه أن بعض الأشخاص في أوساط النخبة يقولون إنهم "لا يثقون" في ولي العهد، الأمر الذي أكدته المصادر الأربعة الأخرى والدبلوماسي الكبير