لماذا تستعين السعودية دائماً بقوة الآخرين رغم ضخامة إمكانياتها البشرية والمادية والعسكرية؟
[ يرسل الضباط السعوديون الجنود السودانيين ومقاتلين يمنيين وغيرهم للخطوط الأمامية لقتال الحوثي وهم يوجهونهم عند بعد ]
هناك دائماً بلداً فقيراً مستعداً لإرسال جنوده للموت نيابةً عن السعوديين، مقابل الثمن المناسب. كالعملية العسكرية في اليمن التي يشار إليها باسم "التحالف العربي"، وهو مصطلح مهذب لمجموعةٍ من المقاتلين بقيادة السعودية ويضم -بالإضافة إلى الحلفاء في الخليج- قوات من مصر والأردن والمغرب، فضلاً عن الجنود السودانيين الأطفال الذين يجري تعويض ذويهم عن موتهم في الحرب من خلال إرسال الأموال إلى ذويهم في أوطانهم الأصلية.
وحين سُئِلوا عن شكل القتال في اليمن تحت قيادة السعوديين، قال بعض الجنود السودانيين العائدين إنَّ القادة العسكريين السعوديين، الذين لا يقتربون من خط المواجهة لأنهم يشعرون بأنَّ أرواحهم غالية، يعطون تعليمات خرقاء عن طريق هواتف الأقمار الاصطناعية لقواتهم المستأجرة من أجل دفعهم نحو الأعمال الحربية.
وفي الأماكن الخطرة التي لا يمكن الوصول إليها، كانت القوات السعودية وقوات التحالف تُسقِط ببساطة قنابل من طائرات عالية التحليق، ما أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين. تقول صحيفة Guardian البريطانية: هكذا يحارب السعوديون: عن بُعد قدر الإمكان، ويدفعون بالآخرين إلى الموت نيابةً عنهم.
- هكذا يحارب السعوديون.. عن بُعد قدر الإمكان
هناك نكتة قديمة في الشرق الأوسط حول إحجام السعودية عن خوض حروبها بنفسها. والجزء المضحك في النكتة يقول "إنَّ المملكة العربية السعودية ستقاتل حتى آخر جندي باكستاني"، في إشارةٍ إلى حقيقة أنَّ القوات الباكستانية دعَّمت منذ فترةٍ طويلة الجهود العسكرية السعودية.
ومؤخراً توسَّع هذا الجزء المضحك من النكتة ليشمل السودانيين، وهي إضافةٌ حديثة إلى القوات البرية للجيش السعودي. وجديرٌ بالذكر أنَّ المملكة العربية السعودية اعتادت شراء العمالة التي تعتبرها رخيصة للغاية مقارنةً بمواطنيها، لكن نفس هذه الفلسفة تمتد إلى جيشها.
وإنه لأمرٌ محير، في ضوء هجمات (قبل) الأسبوع الماضي على منشأتين نفطيتين سعوديتين، أنَّ هناك الكثير من التكهنات حول الحرب بين السعودية وإيران. لأنَّ السعودية لا "تذهب إلى الحرب"، بل تستأجر وكلاء، وتعتمد على السذاجة الأمريكية لمواصلة الكذبة القائلة إنَّ السعودية هي حامية السلام في المنطقة، وإن أيّ تهديدٍ لها سيزعزع استقرار المنطقة.
وكانت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية قد اتهمتا إيران مراراً وتكراراً بالوقوف وراء الهجمات، التي أعلنت حركة الحوثي اليمنية مسؤوليتها عنها، وهي جماعة متحالفة مع إيران وتقاتل التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب الأهلية باليمن. وأعلنت البنتاغون أنها سترسل المئات من القوات الأمريكية، بالإضافة إلى معدات الدفاع الجوي والصواريخ، إلى المملكة العربية السعودية في خطوةٍ "دفاعية".
- لماذا تستعين السعودية دائماً بقوة الآخرين؟
لماذا تحتاج الدولة التي كانت أكبر مستوردٍ للأسلحة في العالم بين عامي 2014 و2018، وفقاً لتقريرٍ صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، إلى الكثير من المساعدة؟
وفي عام 2018، قدَّمت الولايات المتحدة 88% من جميع الأسلحة المباعة إلى السعودية. وبحلول نهاية عام 2018، كانت مشتريات السعودية من الأسلحة تعادل 12% من مشتريات الأسلحة العالمية. ومن الواضح أنها ليست بحاجةٍ إلى المزيد من المعدات العسكرية من الولايات المتحدة للدفاع عنها ضد هجمات الطائرات بدون طيار.
فما الذي تفعله السعودية، التي تُشارك في حملةٍ عسكرية واحدة باليمن وتبدو عرضةً للهجوم وتحتاج إلى حمايةٍ مستمرة، بهذه الأسلحة الكثيرة؟ تقول الغارديان: الهدف هو شراء الأسلحة فقط، وليس نشرها. وتحافظ هذه المشتريات التي تقدر بملايين الدولارات على علاقات تجارية مع الحلفاء الغربيين الذين تستورد منهم الأسلحة، والذين بدورهم يغضون الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان السعودية والاغتيالات وعمليات الاختطاف، لأنَّ هناك الكثير من المال الذي ينتظرهم على كفة الميزان. ويعتمد نموذج السياسة الخارجية بأكمله في المملكة العربية السعودية على استخدام الثروة لشراء الأصدقاء وصمتهم.
- أمريكا كحارس شخصي للسعودية.. مقابل ثروة من المال
لذا يتعيَّن على السعوديين أن يستمروا في اللعب على مخاوف الولايات المتحدة بشأن إيران، مع ضمان أن تكون الولايات المتحدة باعتبارها الحارس الشخصي للسعودية "مستعدةً للحرب" دائماً، كما ذكر ترامب في تغريدةٍ صامتة بعد غارات الطائرات بدون طيار.
وفي الوقت نفسه، تُواصل السعودية زعزعة استقرار المنطقة من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى، ونقل الأسلحة إلى الديكتاتوريات الأخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وشن حملات تخويف وتضليل عدائية على الشبكات الاجتماعية. لدرجة أن تويتر فرض قيوداً على الحسابات السعودية الأسبوع الماضي. ومع ذلك، ما يزال يُنظر إلى هذا البلد على أنَّه بريء وضعيف، وأنَّه حصن ضد الفوضى في الشرق الأوسط.
ورغم أن الأمور قد وصلت إلى ذروتها في السعودية، مع إدراكها أنه من غير المرجح أن تعاني من عواقب على أفعالها؛ فإن السعودية تخوض حالياً صراعات متصاعدة مع إيران وقطر واليمن، وتدعم الأنظمة العسكرية في السودان ومصر، وتتدخل بشكلٍ فوضوي في لبنان، وتواصل تمويل مساعي التشدد العشوائي في جميع أنحاء العالم وتُفلِت من كل ذلك دون عقاب. ولن تخوض السعودية الحرب مع إيران، لكن الولايات المتحدة قد تفعل ذلك نيابةً عنها. وفي هذه الأثناء، تنظر السعودية -كما اعتادت دائماً- إلى إيران باعتبارها الدولة المستفزة في الشرق الأوسط، والتي لا تلقى أي عقابٍ على أفعالها.