الثلاثاء 2024/05/21 الساعة 07:27 AM

بحثا عن رغيف الخبز.. قصة بيع مثقفين في اليمن لمكتباتهم

الإثنين, 02 سبتمبر, 2019 - 04:26 مساءً
بحثا عن رغيف الخبز.. قصة بيع مثقفين في اليمن لمكتباتهم
المهرة خبور -  صحيفة الاستقلال

"صرت أستعيد كتبا بعتُها منذ سنوات، وأصبح هناك زاوية في مكتبتي تحوي كتبا قديمة، باعها لي مثقفون وصحفيون، بدافع العوز والحاجة".


هذا ما قاله رشيد البرطي، صاحب مكتبة الرشيد في صنعاء، لـ"الاستقلال"، عند سؤاله عن حركة بيع واقتناء الكتب لدى المواطنين في ظل الأوضاع التي تشهدها اليمن.


الحرب ألقت بظلالها على كل شيء في اليمن، وكانت شريحة الأدباء والمثقفين والصحفيين ضمن الضحايا الذين لفحتهم نار الحرب، وأثر ذلك بدوره على الحركة الثقافية والأدبية والصحفية، التي شهدت تباطؤا خلال 4 سنوات.


لم تتباطأ حركة بيع الكتب فحسب، بل شهدت حركة عكسية، حيث اضطر بعض المثقفين والأدباء والصحفيين لبيع كتبهم القديمة للمكاتب ودور النشر، لتغطية احتياجاتهم الضرورية، بعد أن انقطعت مصادر دخلهم، وتوقفت رواتبهم، وأغلقت الصحف الورقية والمقرات والمطابع من قبل جماعة الحوثيين، باستثناء الصحف التي تتبعهم أو تؤيدهم، في جميع المناطق والمدن الخاضعة لسيطرتهم في اليمن.


يقول رشيد البرطي: "تراجع شراء الكتب إلى حد كبير، وأغلقت مكاتب أبوابها، وانتشرت كتب قديمة وقيمة على الأرصفة، من قبل أشخاص اضطروا لبيعها"


- لعنة الثقافة

في وقت سابق، عرض رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع صنعاء، الأديب والشاعر محمد القعود، مكتبته الخاصة التي تحوي 8 آلاف كتاب للبيع، وكتب القعود على صفحته بفيسبوك: "مكتبة معروضة للبيع، لأن المعاناة لم تعد تطاق، ولأن الظروف القاسية التي نعيشها في وطننا الحبيب والمكلوم تواصل غرس أنيابها و مخالبها في أجسادنا وأجساد أطفالنا".


القعود أضاف: "قررت أنا المدعو محمد القعود المصاب بلعنة الثقافة بيع مكتبتي التي تحتوي ما يقارب 8 آلاف كتاب، في مختلف مجالات المعرفة والثقافة، والكتب 20% منها في مكتبة سكني، و80% في مكتبة خاصة بي خارج المسكن.


وتابع القعود: "قررت بيعها لأسدد بعض الديون التي تراكمت عليّ، وفي مقدمة ذلك تسديد إيجار الشقة التي أسكن فيها، والتي أصبحتُ مهددا بإخراجي منها خلال الأيام القادمة، لعدم تسديد إيجارها منذ ما يقارب العام".


القعود واصل عرضه بالقول: "للراغبين في الشراء ومعاينة الكتب والاتفاق يتم التواصل معي عبر البريد الخاص في صفحتي هذه أو الاتصال عبر رقم هاتفي، مع اعتذاري لنفسي ولأسرتي ولكتبي عن كتابة ونشر هذا الإعلان الموجع، الذي لم أكن أتخيل في يوم من الأيام أنني سأكتبه وأنشره، مع خالص الرجاء من الجميع عدم التعليق مراعاة لمشاعري.. وعدم استغلال هذا الإعلان وتوظيفه من قبل البعض في أمور لا علاقة لي بها".


- مكتبة للبيع

لم يكن القعود أول يمني يعرض مكتبته للبيع، بل سبقه الصحفي اليمني الأبرز ورئيس تحرير صحيفة الوحدة الحكومية حسن عبدالوارث، حيث عرض مكتبته التي تحوي نحو 5 آلاف عنوان للبيع، وكتب في منشور له على فيسبوك: "مكتبة عامرة للبيع.. للمشتري الجاد، التواصل على الخاص".


وعن دوافع بيع مكتبته الخاصة، قال عبدالوارث لـ"الاستقلال": "عندما انعدم مصدر الدخل فجأة، راح جميع الموظفين، وليس فقط المثقفين، يفكرون كيف يمكن أن يوفروا لقمة عيش لأسرهم، في ظل وضع تراجيدي كهذا".


وتابع عبدالوارث: "هناك من سعى لتدبير نفسه عبر الاشتغال في مهن بديلة، وهناك من راح يؤدي أعمالا صغيرة ومؤقتة وزهيدة المردود، وهناك من راح يبحث عن شيء يملكه ويصلح للبيع، أنا بحثت فلم أجد غير المكتبة الشخصية التي بنيتها عبر أكثر من 3 عقود، وتضم ذخائر نفيسة حقا".


يضيف عبدالوارث: "كان الموقف مؤلما إلى أبعد الحدود التي يمكن أن يتصورها المرء، لكن كان هذا هو المتاح الوحيد في مقابل التسول وإراقة ماء الوجه". 


وفي سؤاله عن مدى تأثير الحرب على الحركة الثقافية والأدبية في اليمن، قال عبدالوراث: "بالطبع انعكست الحرب سلبا على المشهد الثقافي والحياة الأدبية، بسبب تضرر حركة الطباعة والنشر والتسويق للمنتج الثقافي، وبسبب انقطاع المنتج الخارجي عن الوصول إلى الداخل المحلي، وغيرها من الأسباب المتصلة بالفعاليات والمهرجانات والمناشط الثقافية المختلفة، عدا ذلك، هناك عدد من المثقفين والمبدعين ومؤسسات ثقافية تعرضوا للاعتقال والمطاردة والحظر والإيقاف، ولا زالت هذه الحالة مستمرة حتى اللحظة".


- مطاعم وكافتيريات

إلى جانب إيقافها للمرتبات، قامت جماعة الحوثي بإيقاف جميع الصحف والمجلات، وأغلقت المؤسسات الثقافية التي لا تخدم أجندتها، وحولت مباني مؤسسات طباعة ودور نشر إلى مطاعم ومحلات تجارية، وقامت بتحويل إحدى كبريات دور النشر في اليمن، "دار النشر للجامعات"، إلى مطاعم وكافتيريات، وتحولت مكتبة "الوسطية" في صنعاء إلى مطعم "الوسطية".


وفي وقت سابق استولت الجماعة، على مكتبة مفتي الديار اليمنية القاضي محمد إسماعيل العمراني، وحولتها إلى مجلس لتعاطي القات، وهو ما برره القيادي الحوثي سامي شرف الدين، بأن "المكتبة تحوي كتبا تكفيرية"، مع أن القاضي العمراني من معتنقي الفكر الزيدي، الذي يدعي الحوثيون الانتساب إليه.


كان وزير التربية والتعليم في حكومة الحوثيين (غير المعترف بها دوليا) يحيى بدر الدين الحوثي قد وجّه بمصادرة الكتب السنية من مكتبات المدارس في المدن الخاضعة لسيطرتهم، بحجة أنها تحمل أفكارا تكفيرية، ووجّه بسحب المناهج السابقة ومراجعتها، وشكّل لجنة لإعادة صياغة وطباعة المناهج، بما يتوافق مع أفكارهم.


في مقابل ذلك، عمل الحوثيون على رفد المكتبات بكتب طائفية، طَبعت بعضها في مطابع محلية، وقامت باستيراد البعض الآخر من إيران ولبنان، وذلك لتطييف وتشييع المجتمعات، وتم إلزام طلاب المدارس والجامعات بتلقي دروس تحمل أفكار الجماعة، وتدرّس "ملازم" مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي.


- فراق قسري

في مقابل بيع المثقفين لكتبهم، اضطر البعض لفراق مكتباتهم بشكل قسري، في ظل حركة التهجير التي قام بها الحوثيون ضد كل من لم يقف معهم ويساندهم، يقول الكاتب عصام القيسي لـ"الاستقلال": "جمعت نوادر الكتب واعتنيت باختيار الطبعة وأناقة الكتاب، وفي الأخير كان مصيرها البدروم (القبو).


يضيف القيسي: "فارقت كتبي منذ سنوات، وهذا لم يحدث من قبل، وجربت شعور أن يبيع الكاتب مكتبته، فقد بعت في لحظة ثلث مكتبتي بسبب الحاجة، وأنا من الناس الذين يتعاملون مع الكتب باعتبارها جزءا من كياني النفسي والعقلي، ولهذا كان الأمر صعبا على نفسي، لكن الكتاب نفسه يعلمك أن الحياة حين تفعل معك مثل هذه النذالات فإنما تعرفك بنفسها". 


القيسي تابع: "هذه هي الحياة ولا ينبغي أن نستغرب فعلها، ويصبح الأمر قاسيا بقدر ما تمثله المكتبة الخاصة لصاحبها، بعض المثقفين يتعامل مع مكتبته وكأنها جزء من عائلته، فكل كتاب فيها له قصة، وله محل من العقل والقلب، ومن الصعب على هذا النوع من المثقفين أن يفرط فيما جمع".


الكاتب اليمني أكد: "في الحقيقة، المشكلة ليست في بيع الكتب، بل في بيع الكاتب لنفسه وقلمه، الخوف على المثقف نفسه وأن يوظفها في سبيل من يدفع، في أوقات الحروب والمحن يحدث مثل هذا، فيبيع الناس حتى أعضاءهم الجسدية في سبيل البقاء".


اقراء ايضاً