نكات فلسفية.. كيف يستخدم فيلسوف سلوفيني الفكاهة لعرض أفكاره؟
يمكن أن تكون الفلسفة صعبة الفهم وجافة ومملة، لكن الفكاهة يمكن أن تكون وسيلة رائعة للتغلب على ذلك وتقديم المواضيع الفلسفية بطريقة مرحة ومحببة للنفس.
وبالنسبة للفيلسوف السلوفيني والناقد الثقافي سلافوي جيجيك، فإن النكات هي قصص مسلية تقدم اختصارا للرؤية الفلسفية، ويعرف كل من يقرأ أو يشاهد جيجيك أن النكات محورية ومركزية في فلسفته وأسلوبه، ويقول الفيلسوف النمساوي دفيغ فتغنشتاين أنه يمكن كتابة عمل فلسفي جاد يتكون بالكامل من النكات!
في كتابه "نكات جيجيك" يقدم الناقد والفيلسوف السلوفيني الشهير نكات مرتبة بطريقة تتعرض لموضوعات فلسفية وسياسية وجنسية تشغله، ويقول في مقال نشرته دار معهد ماساتشوستس إن النكات توفر فرصة كبيرة للفيلسوف للاختصار والتنكر، معتبرا أن الكوميديا كانت ولا تزال جوهر الفلسفة الجدية.
ويعتبر جيجيك فيلسوفا غربيا بارزا وعمل أكاديميا في عدد من الجامعات في أميركا وبريطانيا، ويكتب حول الرأسمالية والعنصرية والأصولية وقضايا التعددية الثقافية ومستقبل الإنسان والبيئة وغيرها من القضايا، ويعرض كتابه "نكات جيجيك" عشرات الأمثلة للنكات التي يتم توظيفها في سياق فلسفي وسياسي.
- الحرية الحمراء
في نكتة قديمة عن "جمهورية ألمانيا الديمقراطية" أي ألمانيا الشرقية يحصل عامل ألماني على وظيفة في سيبيريا، ولأنه يدرك أن جميع رسائل البريد مراقبة من قبل السلطات السوفيتية يتفق مع أصدقائه أن تكون رسائله لهم باللون الأزرق علامة على أنها رسالة حقيقية، بينما المكتوبة بالحبر الأحمر تكون غير حقيقية بسبب أعين الرقباء التي تتطفل على الرسائل.
وبعد شهر بعث لأصدقائه أول رسالة مكتوبة بالحبر الأزرق، ويقول فيها "كل شيء رائع هنا: المتاجر ممتلئة، والغذاء وفير، والشقق كبيرة ومُدفَّأة بشكل صحيح، ودور السينما تعرض أفلاما من الغرب، وهناك العديد من الفتيات الجميلات يرغبن في علاقة غرامية، لكن الشيء الوحيد غير المتاح هو الحبر الأحمر".
وتبدو النكتة معبرة عن واقعنا المعاصر بشكل أو بآخر، فبحسب الفيلسوف السلوفيني لدينا كل الحرية التي يريدها المرء، والشيء الوحيد المفقود هو "الحبر الأحمر"، فنحن نشعر بالحرية لأننا نفتقر إلى اللغة ذاتها التي نستخدمها للتعبير عن قيودنا وعدم حريتنا، (أي كل ما هو موجود لا يعبر إلا عن حرية مزيفة).
ويضيف جيجيك أن التحدي أو المهمة اليوم هي إعطاء المحتجين حبرا أحمر.
ويتابع الفيلسوف المعاصر أن النقص في الحبر الأحمر يعني أن جميع المصطلحات الرئيسة التي نستخدمها اليوم لتسمية الصراع الحالي مثل "الحرب على الإرهاب" و"الديمقراطية والحرية" و"حقوق الإنسان" إلخ، هي مصطلحات كاذبة، تمنعنا من إدراك الموقف بدلا من السماح لنا بالتفكير في حقيقته.
- سخرية الفلاسفة
وتتناول بعض نكات جيجيك -الذي يعتبر نفسه ملحدا- المتدينين اليهود والمسيحيين بطريقة لاذعة، وفي بعض النكات يسخر من أتباع السيد المسيح ومن اليهود وحرصهم على المال.
ويشاع في إحدى الحكايات الشعبية عن أنظمة أوروبا الشرقية الشيوعية أن هناك إدارة من الشرطة السرية كانت وظيفتها اختراع ونشر النكات السياسية الساخرة من النظام ومسؤوليه، وذلك لإدراكهم بأن النكات السياسية تسهم بالتنفيس وتحد من الإحباط وتدعم الاستقرار.
ولا يعرف في العادة مؤلفو النكات، وتعتبر إبداعا جماعيا لمجهولين لدرجة أن جيجيك يعتبر أن ظهورها يكون من العدم دون الحاجة لمؤلف، واستخدم سقراط السخرية في مواجهة السفسطائيين، عبر حيلة التظاهر بالجهل حتى انكشاف ضعف حجج الخصم ومعارفه.
وعرف بعض الفلاسفة والأدباء في التراث العربي بالبراعة في توظيف السخرية والنكات للتعبير عن آرائهم، ومنهم الجاحظ والتوحيدي والمحولي والجشمي وغيرهم، ويقول النقاد إن جوهر النكات أو السخرية هو ألا تكشف عن نفسها بطريقة مباشرة.