منظمة "سام" تصدر تقريرا حقوقيا يسلط الضوء على انتهاكات السعودية بالمهرة
[ قوات سعودية في المهرة (أرشيف) ]
أطلقت منظمة "سام" للحقوق والحريات، الخميس الماضي، تقريراً يسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها القوات السعودية في محافظة المهرة البعيدة عن الصراع الدائر في البلاد.
واستند التقرير، الذي يحمل عنوان "المهرة.. انتهاكات غير مرئية"، إلى نتائج زيارة ميدانية قامت بها المنظمة إلى محافظة المهرة خلال شهر فبراير الماضي، وقابلت 25 ناشطاً من أبناء المحافظة، بمن فيهم قيادات في الحراك الشعبي، الذي يقود اعتصامات سلمية مناهضة للوجود العسكري السعودي في المحافظة.
واستمع التقرير إلى شهادات حول وقائع القمع وانتهاكات حقوق الإنسان، التي طالت الحقوق المدنية والسياسية، في ظل الوجود السعودي الذي يعمل على تقويض سلطة القانون، وانتهاك السيادة الوطنية، كما أضرّ بالسلم الاجتماعي الذي عرفت به المحافظة اليمنية البعيدة عن الصراع والحرب التي تشهدها البلاد.
وينوّه التقرير إلى أن الشراكة بين الشرعية اليمنية والتحالف قائمة على أهداف حماية الشرعية واستعادتها، لكن تواجدها أصبح يتجاوز حدود الطلب إلى أشكال أخرى من التدخل لأهداف غير تلك المعلنة.
وتتجسد الانتهاكات في محافظتي المهرة وسقطرى من قبل تحالف السعودية والإمارات، في فرض النفوذ العسكري غير المسبوق على المحافظتين الآمنتين المستقرتين المسالمتين.
- الخطوات الأولى
يقول التقرير: "حاول محافظ المهرة السابق، محمد عبد الله بن كدة، تنظيم مؤتمر استثماري، وقُطِعت في سبيله خطوات مهمة، وعملت لأجله السلطة المحلية في المهرة طوال عام كامل، وتم إعداد كتيبات عن الفرص الاستثمارية في محافظة المهرة، ووجهت الدعوة لشركات يمنية وأخرى من دول الخليج ودول العالم، وكان من المقرر أن يرعى المؤتمر رئيس الجمهورية الذي وعد بحضور جلسة الافتتاح، إلا أن المؤتمر لم ير النور، وكان قرار تأجيله إلى موعد غير مسمى، هو أول عمل افتتح به المحافظ الجديد، راجح باكريت، المقرب من السعودية، عمله كمحافظ للمهرة".
وذكر التقرير أنه في نوفمبر 2017 وصلت أول دفعة من القوات السعودية إلى مدينة الغيضة بدون تنسيق مع السلطات المحلية، أوقفها مسلحون من أبناء المحافظة، لكنهم سلموا لها المطار بعد أيام قليلة على أن تلتزم بشروط تتضمن التعهد بفتح مطار الغيضة للطيران المدني، وعدم استبدال العاملين فيه بآخرين، وضرورة وجود تنسيق مستمر مع السلطة المحلية بشأن أي مساعدات أو استحداثات جديدة قد تحدث في المطار، غير أن القوات السعودية لم تلتزم بأي من هذه الشروط، وحولت المطار إلى ثكنة عسكرية بمجرد استلامها له.
وتعاني محافظة المهرة حاليا عملية عسكرة سعودية مخالفة للأعراف والقوانين الدولية وانتهاك للسيادة الوطنية والشرعية الدستورية للجمهورية اليمنية وليس ضمن أي مشروعية قانونية أو سياسية يستند إليها وجود التحالف في اليمن.
وتوجهت السلطات الإماراتية صوب هذه المحافظة بعد أشهر من بدء العمليات العسكرية، وفق تقرير منظمة "سام"، واستخدمت الهلال الأحمر الإماراتي غطاء لتوسيع نفوذها عبر شراء ولاءات قبلية وكسب شخصيات سياسية واجتماعية وأمنية، ثم تحركت عسكريا وأمنيا بإنشاء معسكر تدريب وتشكيل قوات "النخبة المهرية"، قبل أن تنسحب لاحقا لصالح الوجود العسكري السعودي، الذي استبدل النخبة المهرية بقوات الشرطة العسكرية، وهي قوات مختلفة في تشكيلها وتدريبها ومهامها عن القوات الرسمية التي تحمل ذات الاسم وتتبع وزارة الدفاع، غير أن الرئيس هادي أصدر قرارا بتعيين قائد لها، كان قد باشر مهام القيادة بشكل عملي قبل أشهر من قرار تعيينه.
- الوجود العسكري
وقال التقرير إنه منذ نهاية العام 2015 عملت الإمارات على التدخل في المحافظة من خلال الهلال الأحمر الإماراتي، ثم بدأت باستمالة بعض الشخصيات بصرف أموال، وسيارات، واستهدفت بذلك شخصيات من قبائل معينة، وأعقب ذلك عمليات تجنيد غير قانوني لشباب من أبناء تلك القبائل خارج أطر وزارتي الدفاع والداخلية اليمنيتين، في محاولة لإنشاء جهاز عسكري وأمني شبيه بما تم إنشاؤه في محافظات أخرى مثل عدن وأبين، ولهذا الغرض استحدثت الإمارات مواقع استقبال وتدريب في معسكر الخالدية بمديرية رماه، ومعسكر الغيضة بالمحور الشرقي، ومعسكر الأمن المركزي بالغيضة عاصمة المحافظة. وقامت الإمارات والمليشيات التابعة لها باستحداث عدد كبير من النقاط العسكرية في الطرق الرابطة بين مناطق ومديريات المحافظة، واتخذ الإماراتيون من مبنى المحافظة مركزاً للقيادة الإماراتية، ثم أنشؤوا مبنى خاصاً لهم داخل معسكر شرطة المحافظة واتخذوا منه مركزاً للقيادة والسيطرة.
وأفاد التقرير أن هذه الأعمال والتحركات الإماراتية قوبلت بالرفض من قبل قطاع عريض من سكان المحافظة وشخصياتها الاجتماعية البارزة، بمن فيهم قيادة السلطة المحلية حينها، وخلال وقت قصير انسحبت القوات الإماراتية، لتخلفها قوات سعودية، ارتكبت العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان في المحافظة.
استحدثت القوات السعودية معسكرات ونقاط عسكرية في الأراضي اليمنية بمحافظة المهرة، رصدت "سام" منها " 33 " موقعا، بين معسكر ونقطة عسكرية ومواقع تحت الإنشاء، منها عشرة مواقع في مديرية الغيضة، ومعسكر كبير في مركز مديرية حات، وستة مواقع في مديرية سيحوت، خمسة مواقع في مديرية المسيلة، وخمسة مواقع عسكرية سعودية في مديرية شحن منها نقطة تفتيش بالقرب من معسكر اللواء 123 مشاة التابع لعمليات المنطقة العسكرية الثانية في الجيش اليمني، وأربعة مواقع في مديرية حصوين، ونقطتان عسكريتان في مديرية منعر إحداهما قبلية.
- مضايقة الصيادين
ووفقا للتقرير، فقد عملت تلك المعسكرات على منع الصيادين من الاقتراب من المواقع العسكرية التابعة لها على سواحل المديرية، وكذلك بمنع الاصطياد بشكل كامل في فترة ما بعد العصر، كما قامت بطرد الصيادين من موقع الإنزال الرئيسي في مدينة سيحوت بجانب تعاونية الصيادين، وأمرتهم بسحب قواربهم ومعداتهم لأنها قريبة من محيط موقع عسكري سعودي مستحدث على شاطئ البحر، وأبلغوهم بأن موقع الإنزال سيتحول لمنشأة عسكرية خاصة بالقوات السعودية، واستمرت بالتضييق على الصيادين، كما اعتقلت بعضهم على خلفية اعتراضهم على تحويل موقع الإنزال الرئيسي للصيادين في سيحوت إلى منشأة عسكرية سعودية.
- العبث بالنسيج الاجتماعي
وأكد التقرير أن السعودية وبالتواطؤ مع السلطة المحلية عمدت إلى محاولة العبث بالنسيج الاجتماعي من خلال استقدام مجموعات دينية سلفية متشددة إلى المحافظة، وتوزيعها على بعض المساجد لفرض خطاب ديني يتماشى مع السياسات السعودية الهادفة إلى تقويض السلم الاجتماعي وإشاعة خطاب ديني متطرف يمارس التحريض ضد أي مظاهر مدنية في المحافظة، ويتبنى التكفير ضد أي مطالب سياسية أو اجتماعية، بما في ذلك تكفير الاحتجاجات السلمية الرافضة لعسكرة المحافظة والمطالبة برحيل القوات السعودية.
وأشار التقرير إلى أن السعودية تعتمد على بعض الجماعات المتشددة في اليمن كجزء من أدوات النفوذ، لهذا أسست مراكز دينية للجماعات السلفية في المهرة، كخطوة لتعزيز وجودها العسكري، وفي ذات الوقت حاولت الرياض تغيير الخريطة السياسية والاجتماعية في المحافظة، فحاولت إنشاء مركز سلفي آخر في مدينة "قشن"، وثالث أكبر مدينة في محافظة المهرة، وشهدت المدينة سابقا توافد أعداد كبيرة من السلفيين.
ولفت تقرير منظمة "سام" إلى أن محافظ المهرة راجح باكريت -الموالي للسعودية- عقد اجتماعاً مغلقاً مع شيخ سلفي يقيم في مدينة مكة، زار المركز ووزع مساعدات غذائية مقدمة من السعودية، قبل أن يعود إلى مقر إقامته في مكة.
وبالرغم من إعلان هؤلاء الخطباء والأئمة اعتزالهم السياسة ورفض العمل السياسي، إلا أنهم لا يكفون عن إبداء آراء متطرفة والتحريض على فعاليات سلمية أو شخصيات مدنية وحقوقية على خلفية مواقفها السياسية، بحسب التقرير.