تجارة الجوازات.. تحقيق يكشف معاناة اليمنيين في الداخل والخارج
[ جواز يمني ]
لجأ العشريني اليمني خليل حامد، إلى وكالة سياحية، تعلن عن تقديم خدمة استخراج جواز السفر لمن يرغب من أهالي مدينته صنعاء الواقعة تحت سيطرة مليشيا أنصار الله (الحوثيين) منذ 21 سبتمبر/أيلول من عام 2014، إذ لم يتمكن من السفر إلى المحافظات الست، (عدن، تعز، حضرموت، المهرة، شبوة، ومأرب)، والتي حصرت الحكومة الشرعية إصدار جوازات السفر من فروع مصلحة الهجرة والجوازات الموجودة فيها، بموجب قرار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رقم (91/12/و.د) الصادر في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، والذي خلق أزمة السمسرة والمغالاة في قيمة استخراج جواز السفر بشكل غير قانوني، إذ دفع حامد مبلغ 80 ألف ريال يمني (147 دولارا أميركيا) بدلا من 7 آلاف ريال (14 دولارا)، خشية السفر في ظل الحرب الدائرة، وخصوصاً أن الوصول إلى مراكز الإصدار التابعة لبعض مناطق الشرعية يتطلب المرور من مناطق قريبة من المواجهات وكذلك نقاط التفتيش، بالإضافة إلى احتمال عدم حصوله على الجواز حتى لو وصل سالما إلى تلك المناطق، إذ تتكرر أزمة نفاد دفاتر الجوازات.
وبالرغم من مضيّ أربعة أشهر، لم يحصل حامد على جوازه بعد، وهو ما عطل معاملة تأشيرة عمل سعودية حصل عليها بشق الأنفس، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه كلما اتصل بصاحب الوكالة يرد عليه متبرما: "اصبر علينا وإلا تعال تاخد فلوسك"، وهو ما رد عليه خالد صالح، صاحب وكالة الخالد للسفريات والسياحة التي لجأ إليها خليل مقرا بعلمه في الظاهرة المتنامية، قائلا: "التأخير في تسليم الجوازات ليس من طرفنا، وإنما لعدم وجود جوازات في فروع مصلحة الجوازات التي نتعامل معها، منذ أربعة أشهر".
ولا يدخل عمل وكالات السفر والسياحة في سمسرة الجوازات، ضمن المجالات القانونية المحددة لها، وفق نص القانون رقم (22) لسنة 2009، والذي تنص المادة 48 منه على أنه "تعاقب بالإغلاق والتوقيف عن ممارسة المهنة السياحية كل منشأة سياحية في حالة مخالفتها أي حكم من أحكام المادتين (12/1، 13/أ) من القانون".
تسهيل المعاملات
تطلب وكالة الخالد واثنتان غيرها موجودتان في العاصمة، رصدها معدو التحقيق، صورا شخصية من الراغبين في استصدار الجواز، وهو ما قد يؤدي لخرق أمني في إجراءات الاستصدار التي تتطلب حضور صاحب الطلب لتصويره وأخذ البصمات وكذالك مطابقة الصور وإجراءات الفحص والتحري من دقة البيانات وصحتها ومطابقتها واعتمادها، والتي تعد أحد أسباب صدور القرار (91/12/و.د) في ظل سيطرة الحوثيين على مراكز مصلحة الجوازات والهجرة في المناطق الخاضعة لهم، وفق ما تؤكده مصادر التحقيق.
لكن الدكتور منصور العبدلي مدير فرع مصلحة الهجرة والجوازات بمحافظة تعز جنوب غربي البلاد، يقول إن الحصول على الجواز عن بُعد، يشترط فيه أن يتم عبر قريب أو صديق ثقة ويكون ضامناً بالوقت نفسه، مضيفا: "عندما يأتي المواطن من محافظة حجه، أو محافظة المحويت، سوف يخسر 200 ألف ريال (365 دولارا) بدلا من 7 آلاف لتكاليف السفر والإقامة انتظارا لصدور جوازه، بالتالي يمكن استصدار الجواز بدون الحضور لكن بشرط أن يكون وفق قرار من وزير الداخلية ورئاسة المصلحة، والأهم هو التحري والتدقيق في الوثائق".
في المقابل، يرد سعيد بلحاف المدير العام للجوازات في محافظة المهرة، بأن التسهيلات بالمعاملة عن بُعد أقرّت بسبب مخاطر الطريق للقادمين من محافظات الحوثيين، وجرى إلغاؤها فيما بعد كما يقول، لافتا إلى أنه عقب وصول القرار (91/12/و.د) إلى رئاسة الخطوط الجوية اليمنية، جرى تفعيله وتم رفض الجوازات الصادرة عن مناطق الحوثيين، ما حرم مواطنين لا ذنب لهم من السفر، لكن ملّاك وعاملين في وكالات (الخالد، وسيئون، ونسك) السياحية، التقاهم معدو التحقيق، يؤكدون أنه لا يزال بإمكانهم استخراج جوازات عن بعد، من فروع المصلحة في محافظات الشرعية.
تجار بالجوازات
اتسعت ظاهرة السمسرة بجوازات السفر الصادرة عن مناطق الحكومة الشرعية، في مقابل مبالغ تتراوح ما بين 80 ألف ريال و170 ألف ريال (310 دولارات) والتي تعد مبالغ باهظة في بلد يرزح 85% من إجمالي سكانه البالغ 27 مليون نسمة تحت خط الفقر وفق تقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (منظمة مجتمع مدني متخصصة في الدراسات الإعلامية المتعلقة بالمسائل الاقتصادية) الصادر في سبتمبر/أيلول من عام 2017.
ويتعامل سماسرة في فروع مصالح الهجرة والجوازات في مناطق الشرعية مع وكالات سفر في العاصمة صنعاء، وفق ما وثقه معدو التحقيق عبر إفادة عماد المخلافي الذي يتداول اسمه عدد من الراغبين في استخراج جوازات السفر في مأرب، وبالفعل تواصلوا معه وادعوا أنهم بحاجة لاستخراج جواز بشكل عاجل، فأكد إمكانية الأمر في مقابل دفع 1500 ريال سعودي (400 دولار) لكل جواز سيصدره خلال فترة لن تتجاوز 20 يوماً. ويعترف سعيد بلحاف المدير العام للجوازات في محافظة المهرة (شرق اليمن)، بوجود مكاتب لاستخراج الجوازات في مناطق الحكومة الشرعية، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن المعاملات تمر عبر وكلاء وسماسرة، أو مكاتب سمسرة تعامل بشكل جماعي، وبكمية تجارية أحيانا كما يقول.
نصب السماسرة
تلقى فرع مصلحة الهجرة والجوازات بمحافظة عدن جنوبي اليمن، 30 بلاغا من قبل مواطنين، تعرضوا للنصب من السماسرة بحسب تأكيد مدير أمن جوازات عدن، عرفات السباعي لـ"العربي الجديد"، والذي قال إن مصلحته ضبطت 7 سماسرة ومبالغ مالية في حوزتهم نهاية العام الماضي، مضيفا أنهم قاموا بحبسهم ما بين 5 و6 ساعات، ثم أخذوا عليهم تعهداً بعدم العودة لممارسة السمسرة بالجوازات، لكنه يحمل المسؤولية للمواطنين الذين وسعوا من ظاهرة السمسرة باعتمادهم على أشخاص في القيام بمعاملاتهم كما يقول.
وأصدر الدكتور منصور العبدلي مدير فرع مصلحة الهجرة والجوازات بتعز، قرارا بفصل خمسة موظفين تمت إدانتهم بعد تقدم مراجعين بشكاوى اتهموهم فيها بأخذ مبالغ تفوق السعر الرسمي للجواز، قائلا لـ"العربي الجديد": أحد المواطنين تقدم بشكوى ضد موظف بأنه أخذ منه 50 ألف ريال يمني (95 دولارا) على الجواز، وتم التحقيق مع الموظف ثم فصله من العمل بعد ثبوت إدانته.
وتعاقب المادة 154 من القانون رقم (12) لسنة 1994 بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من عرض على موظف عام عطية أو مزية أو وعدا بها لأداء عمل، أو للامتناع عن عمل إخلالا بواجبات وظيفته ولم تقبل منه، أما إذا كان العمل أو الامتناع حقا فيعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، أو بالغرامة.
وتنص المادة 155 من ذات القانون، على أنه يعتبر راشيا كل صاحب مصلحة عرض على موظف عام رشوة على نحو ما هو مبين في المواد السابقة ويعتبر وسيطا كل من عاون الراشي والمرتشي بأية طريقة كانت على ارتكاب جريمة رشوة وكان عالما بها ويعاقب كل منهما بنفس العقوبات المقررة للجريمة التي اشترك فيها. وتنص المادة 156 من ذات القانون على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل شخص عين لقبض الرشوة دون أن تتوفر فيه صفة الرائش إذا كان عالما عند قبضها بأنها رشوة".
حرمان المرضى من العلاج
تسببت عملية السمسرة بالجوازات، والفوضى المصاحبة لصدور قرار رفض الجوزات الصادرة عن مناطق سيطرة الحوثيين، في حرمان فئات متعددة من الحصول على الجواز، ومن أبرزهم المرضى، كما هو الحال مع الثلاثيني أنور الشرعبي، الذي اضطر لدفع 500 دولار، للحصول على جواز سفر عبر سماسرة في فرع المصلحة بمحافظة تعز، حتى يتمكن من نقل والده الذي يعاني من مشاكل مرضية في الكبد إلى الخارج، بعد أن نصحه الأطباء بضرورة ذلك وخطورة تأخر علاجه، لكنه لم يتسلم جواز سفر والده حتى الآن كما يقول لـ"العربي الجديد"، بالرغم من تخصيص فروع مصلحة الجوازات في مناطق الشرعية دفاتر جوازات للحالات الطارئة، مثل الطلاب الدارسين في الخارج ومن لديهم إقامات منتظرة والمرضى الذين يحتاجون للعلاج في الخارج، بحسب إفادة بلحاف مدير عام الجوازات بمحافظة المهرة، لكن 10 من ذوي المرضى، بينهم أنور أكدوا عدم تفعيل هذا القرار، ورد الموظفون عليهم، بأن المعاملة ستتم عندما تتوفر دفاتر الجوازات دون تحديد موعد لذلك.
كيف يمكن القضاء على السمسرة؟
ينصح مساعد رئيس مصلحة الهجرة والجوازات، عبدالجبار سالم، المواطنين بعدم التعامل مع سماسرة الجوازات الذين يستغلونهم، إذ رصد حالات لم يقوموا حتى بالتقدم بالمعاملة لمن دفعوا لهم المال في مقابل الحصول على الجواز، بل تهربوا منهم ولاحقا غيروا أرقام هواتفهم واختفوا، قائلا لـ"العربي الجديد": عندما يأتي شخص إلينا ونبحث عن معاملته لا نجد أي ورقة تخصه تم تقديمها. ويؤكد سالم سعيهم لاتخاذ إجراءات لوقف ظاهرة السمسرة، مشيرا إلى أهمية حضور طالب الجواز إلى فرع المصلحة، وفي حالة وجود ظروف قاهرة تمنعه، عليه أن يقوم بتوكيل رسمي لأحد أقاربه وألا يتعامل مع أي سمسار.
ويتفق الدكتور العبدلي مع الرأي السابق ناصحا المواطنين ممن جرى استغلالهم بالتقدم بشكوى تتضمن اسم الموظف الذي تعامل معه للحصول على جواز سفر برسوم غير قانونية بشرط إثبات أن الواقعة حصلت فعلا، قائلا: سنقوم بالتحقيق مع الموظف وفي حال ثبتت صحة الشكوى بالتأكيد سنتخذ الإجراءات المناسبة.
فشلت محاولة العشريني اليمني محمد الواقدي السفر إلى الأردن عبر مطار عدن الدولي مطلع فبراير/شباط الماضي، كونه يمتلك جواز سفر صادرا عن مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية في صنعاء الخاضعة لسيطرة مليشيا أنصار الله (الحوثيين)، والتي صدر قرار من الحكومة الشرعية بمنع التعامل في المطارات والمنافذ الخاضعة لسيطرتها، ويصل عدد القاطنين فيها إلى 65% من إجمالي اليمنيين وفق ما أحصاه معدو التحقيق عبر بيانات الكتاب السنوي للتعداد السكاني الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط في عام 2004.
ويعد الواقدي واحدا من بين 5 آلاف شخص منعوا من السفر عبر مطاري عدن وسيئون الدوليين ومنفذ الوديعة الحدودي بين اليمن والسعودية، نتيجة امتلاكهم جوازات صادرة عن صنعاء، بعدما صدر قرار عن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رقم (91/12/و.د) في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي بعدم التعامل مع الجوازات الصادرة في صنعاء والمناطق غير الخاضعة لحكومته، وفق إفادة اللواء عبدالكريم المروني، رئيس مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والذي أبدى استغرابه "عدم توفير حكومة عدن جوازات للآلاف ممن ألغت جوازاتهم وحرمتهم من حقهم في السفر"، وهو ما أيده الواقدي والذي كان قد ذهب في اليوم التالي إلى مصلحة الهجرة والجوازات في محافظة عدن الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، لاستخراج جواز سفر جديد، لكنه فوجئ بعدم وجود دفاتر جوازات السفر، وكان عليه أن ينتظر حتى تتوفر، من دون تحديد موعد ثابت لاستلام الجواز، كما أخبره الموظفون، قائلا لـ"العربي الجديد": خسرت مبلغ 300 ألف ريال يمني (550 دولارا أميركيا) قيمة تكاليف السفر والإقامة في عدن.
ويعود المروني ليقول: كان ينبغي النأي بالصراعات الحاصلة عن المواطنين، وعدم تعريضهم للمعاناة، ولا ذنب لمن حصلوا على جوازات من المصلحة في صنعاء وغيرها من المناطق، وبعضهم من الحالات الإنسانية، وجرى منعهم من السفر، رغم أن لديهم جوازات سفر مرت بالإجراءات القانونية.
لكن مساعد رئيس مصلحة الهجرة والجوازات التابعة للحكومة الشرعية، عبدالجبار سالم، رد على المروني بالقول: تم منع الجوازات الصادرة عن صنعاء لأسباب أمنية، إذ أساءت مليشيا الحوثي استخدام الجوازات وعملوا على تغيير الأسماء بما يحلو لهم وفتحوا مراكز إصدار سرية للجوازات. حتى الموظفون لديهم لا يستطيعون الوصول إليها وأخذوا ثلاثين ألف جواز لتلك المراكز، مما سبب قلقاً أمنياً لدينا، فأصدرت وزارة الداخلية التعميم لمواجهة الخلل.
لكن المروني ينفي صحة ذلك، مؤكدا أن الحديث عن مراكز سرية لإصدار الجوازات لا أساس له من الصحة، لأن الجوازات تصدر من مقر مصلحة الهجرة والجوازات في صنعاء وفروعها في المحافظات التابعة لها، علما أن معاملة الراغب بالحصول على الجواز تتم في يوم واحد فقط على حد تعبيره، وهو ما أكده الواقدي، وأربعة آخرون ممن استخرجوا جوازات من المصلحة في صنعاء، والذين أكدوا لمعدي التحقيق استخراجهم الجوازات من مقر مصلحة الهجرة والجوازات الواقع في شارع خولان جنوبي العاصمة بسهولة، لكنها لا فائدة منها، طالما أنها غير مقبولة في المطارات والمنافذ الخاضعة للحكومة الشرعية كما يقولون.
ويبدي سعيد بلحاف المدير العام للجوازات في محافظة المهرة اعتراضه على التعميم الخاص بعدم قبول الجوازات الصادرة عن المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي لعدم مراعاته الحالات الإنسانية التي تحتاج إلى سرعة السفر، كالمرضى والطلاب كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن قرار المنع يتحمل عواقبه المواطنون الأبرياء لا الحوثيون.
لماذا تأخرت طباعة الجوازات؟
يعود سبب تأخر وصول الجوازات إلى فروع مصلحة الجوازات في مناطق الشرعية، إلى طبيعة إجراءات تشكيل لجنة من مجلس الوزراء ووزير الداخلية مخولة بمتابعة الأمر بعد صدور القرار الجديد، بحسب عبدالجبار سالم، والذي لفت إلى أن طبيعة ما تمر به البلاد أدت إلى أن تأخذ هذه الإجراءات وقتا لاستكمالها.
وتقدمت مصلحة الهجرة والجوازات بطلب إلى وزير الداخلية في الحكومة الشرعية، للحصول على دفاتر الجوازات، ووافق الأخير على طباعتها بأمر مباشر بدون مناقصة لحل الأزمة. لكن وقع تداخل في الاختصاصات بعد أن طلبت الإدارات المختصة في الوزارة إجراء مناقصة للطباعة، رغم أن طباعة دفاتر الجوازات تتم عبر رئيس مصلحة الجوازات منذ 30 عاماً بدون مناقصة، وفق مصدر قيادي مطلع في مصلحة الجوازات بالحكومة الشرعية فضل عدم ذكر اسمه لكونه غير مخول بالحديث للإعلام، مؤكدا أن الإصرار على المناقصة، تسبب بعملية تأخر طباعة الدفاتر، لأن الإجراءات القانونية المقررة للمناقصة تأخذ فترة طويلة، قد تصل إلى عام كامل في الوقت الذي لا يوجد مخزون من الدفاتر لتغطية فترة تلك الإجراءات.
ولتلافي تأخر المناقصة، أقر مجلس الوزراء طباعة 400 ألف جواز بالأمر المباشر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وكان يفترض أن يتم التواصل مع الشركة لطلب عروض سعر لطباعة الجوازات مباشرة، لكن وزارة الداخلية قامت بتشكيل لجان رغم أن التوجيه بالأمر المباشر لا يحتاج إلى لجان، واستمرت اللجان في عملها منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي حتى فبراير/شباط الماضي، تلاه تأخر بالاعتماد من قبل الشركة التي تعمل على طباعة الجوازات في ألمانيا والتي تم إبلاغها بأنه سيتم تحويل المبلغ إلى البنك الألماني.
لكن الشركة طلبت من الوزارة الانتظار وعدم التوريد عبر ذلك البنك، على أن يتم تحديد البنك الجديد الذي سيتم من خلاله التوريد، وأخيرا، في 28 مارس/آذار الماضي، تم تحويل المبلغ للشركة وهي ملتزمة بموجب الاتفاق بإرسال الجوازات بحسب المصدر ذاته.
ويتوفر في مصلحة الهجرة والجوازات الخاضعة لسيطرة الحوثيين بصنعاء أكثر من 50 ألف دفتر جوازات بحسب رئيس المصلحة، اللواء عبدالكريم المروني، الذي أكد قدرتهم على تجاوز هذه الإشكالية التي سببتها الحكومة الشرعية، وتضرر منها المواطنون، مشيرا إلى أن ما يحدث في اليمن بشأن الجوازات، لم يحصل في الصومال أثناء فترة الحرب، إذ ظلت الجوازات مستمرة في الصدور، متهما فروع مصلحة الهجرة والجوازات (التابعة للحكومة الشرعية) بالتلاعب بالجوازات من خلال منحها بطرق غير قانونية لبدون من دول عربية، فضلاً عن تورط موظفين بها في عدم توفيرها للمواطنين.
لكن مساعد مصلحة الهجرة والجوازات في الحكومة الشرعية ينفي ذلك، مؤكدا أن الجوازات لا تمنح إلا ليمنيين فقط، قائلا إن الدفعة الأولى من الجوازات وصلت إلى فروع مصلحة الجوازات في محافظات الحكومة الشرعية، وستتبعها كميات كبيرة في القريب العاجل، رافضا تحديد زمن معين لوصول تلك الكميات وفق قوله.
حلول غير كافية
يبدي خمسة مواطنين من الراغبين في الحصول على جوازات من فروع المصلحة في مناطق الشرعية، استغرابهم عدم توفر دفاتر الجوازات بالمصلحة منذ مطلع العام الجاري، من بينهم الواقدي الذي يتساءل: "كيف يمنعون الناس من السفر بجوازات صادرة عن صنعاء، ولا يوفرون بديلاً في مناطقهم، يجنبنا كل هذا العناء؟". ويجيب عبدالجبار سالم على هذا التساؤل، قائلاً: وصلت الدفعة الأولى من الجوازات المقدرة بـ 10 آلاف جواز إلى مبنى مصلحة الجوازات في عدن، وستعقبها دفعة أخرى قريبا.
لكن الدفعة الأولى لو وُزعت على 24 مركزاً لاستخراج الجوازات في مناطق الحكومة الشرعية وسفارات اليمن بالخارج، قد لا تغطي الطلب المتزايد خصوصاً من قبل من تم إدخال بياناتهم في قاعدة البيانات بفروع مصلحة الجوازات خلال فترة انعدام دفاتر الجوازات، ولا سيما أن بعض تلك المراكز استمرت في استقبال بيانات طالبي الجواز بحسب المصدر المطلع في مصلحة الهجرة والجوازات في مناطق الحكومة الشرعية والذي قال لـ"العربي الجديد": المراكز التي ظلت تستقبل بيانات الراغبين في الحصول على الجوازات خلال الشهور الماضية من هذا العام، قد تواجه مشكلة كبيرة، ومنها فرع مصلحة الجوازات في محافظة مأرب الواقعة شرقي اليمن، إذ أدخلت بيانات 20 ألف شخص، وينتظرون جوازاتهم بفارغ الصبر، أما في فرع المصلحة بمحافظة تعز، فقد تم إغلاق استقبال الطلبات الجديدة في فبراير/شباط الماضي 2019، بعدما وصل عدد الطلبات في قاعدة البيانات الخاصة بالمصلحة إلى 20 ألف جواز في انتظار الطباعة، وكلها من فترة تسبق فبراير.
حتى أن بعضها قبل فترة من ذلك التاريخ بحسب المصدر ذاته، والذي قال إنه "كان مقررا أن يصل 200 ألف جواز في 28 مايو/أيار الماضي، لكنها تأخرت ويحتمل وصولها في بدايات يونيو/حزيران الجاري"، مشيرا إلى أن هذه الكمية سيتم توزيعها على فروع مصلحة الجوازات في محافظات الحكومة الشرعية، وفي مراكز المصلحة في السفارات اليمنية بالخارج، لكنها للأسف لن تحل العجز الدائم والمتكرر، ما فاقم من معاناة اليمنيين في زمن الحرب.
فشل أشقاء الثلاثيني اليمني محمد سعيد في استخراج جوازات سفر من بلدهم، ما دفعهم للبحث عن وجهة أخرى تمكنهم من الالتحاق بوالدهم المقيم في تركيا، وأخيرا لم يجد محمد غير سمسار سهل له استخراج الجوازات من القنصلية اليمنية في مدينة جدة السعودية، في مقابل 1200 دولار أميركي ثمنا للجوازات الأربعة، بينما لا تتعدى رسوم الجواز الواحد القانونية 250 ريالا سعوديا لمن يقل سنهم عن 18 عاما (66 دولارا)، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن الجوازات استخرجت خلال يومين من تاريخ تقديم المعاملة.
في المقابل، يعاني يمنيون مقيمون في مدينتي جدة والرياض السعوديتين من صعوبة استخراج جوازات سفرهم بالطريقة ذاتها، ومنهم العشريني اليمني نائف اليازلي، الذي انتهت صلاحية جواز سفره مطلع هذا العام، وعجز عن تجديده في القنصلية اليمنية بمدينة جدة، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه يخشى من ترحيله في حال توقيفه من قبل الشرطة لأي سبب، كونه مخالفا لنظام الإقامة، في حال تأخر استخراج جواز سفره عن شهر يونيو/ حزيران الجاري.
ويمكن لليمنيين المقيمين في مصر، أو السعودية، والإمارات، والولايات المتحدة، وألمانيا، وبريطانيا، وماليزيا، والبحرين، والكويت، وجيبوتي، والأردن استصدار جواز سفر من السفارات والقنصليات اليمنية الموجودة في تلك الدول، وفق ما أوضحه لـ"العربي الجديد"، الدكتور منصور العبدلي، مدير فرع مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية بتعز.
ظاهرة متكررة في العواصم العربية
معاناة اليمنيين المقيمين في السعودية من صعوبة استخراج جوازات السفر، تتطابق مع ما يمرون به في القاهرة، وفق ما يقوله سالم أحمد (35 عاما)، والذي تقدم بطلب لإصدار جواز سفره في القسم القنصلي بسفارة بلاده في القاهرة ولم يحصل عليه منذ مارس/ آذار الماضي، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن السفارة اليمنية في القاهرة لا تلقي بالا لمعاناتهم التي وصلت حدا لا يطاق، محملا مسؤولية ما يحدث لهم للحكومة الشرعية.
ووصل عدد المغتربين اليمنيين في السعودية إلى 890 ألف عامل، حسب إحصائية للبنك الدولي صدرت في 2 أغسطس/ آب 2013، فضلا عن مليون مقيم يمني غير شرعي، ويقترب عدد اليمنيين في مصر من 100 ألف شخص، وفق تصريحات إعلامية لإبراهيم الجهمي، ملحق شؤون المغتربين بالسفارة اليمنية في القاهرة.
مشاكل اليمنيين في مصر تتزايد بحسب الصحافي المقيم في القاهرة أحمد المكش، الذي حمل الحكومة اليمنية الشرعية والسفارة اليمنية بالقاهرة مسؤولية ذلك، بعدما صارت الجوازات اليمنية صنفين: "جوازات صادرة عن شرعية الرياض وأخرى صادرة عن صنعاء، وهو ما خلق ظاهرة السمسرة في القنصليات".
لكن عبد الجبار سالم، مساعد مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية التابعة للحكومة الشرعية، ينفي وجود ظاهرة السمسرة في القنصليات التي تصدر منها جوازات اليمنيين، مستدركا في إفادته لـ"العربي الجديد"، بأنه "قد يحدث أن يستغل سماسرة بعض الراغبين في استخراج الجوازات، ويختفون بعدما يحصلون على مالهم دون أن يستخرجوا جوازات لهم".
ويرد القنصل اليمني في القاهرة، أمين المقطري، بالقول: "شباك القنصلية مفتوح لأي يمني ينتهي جوازه أو يضيع أو يتلف، لكن المشكلة حاليا في عدم وجود الجوازات في القنصلية منذ يناير (كانون الثاني) الماضي"، لافتا إلى أن عدد الجوازات التي يستخرجونها يراوح بين 2000 و3000 آلاف جواز سنويا.
معاناة في الأردن
يتردد الأربعيني سليم غانم على السفارة اليمنية في العاصمة الأردنية، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، من أجل تجديد جواز سفره بعدما انتهت صلاحيته، لكن دون فائدة، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه تلقى وعودا باستخراج جواز سفره عندما تتوفر دفاتر الجوازات في السفارة.
وتصل قيمة رسوم استخراج الجواز في السفارة اليمنية بالعاصمة الأردنية إلى 100 دولار، وفق ما أكده ملحق المغتربين اليمنيين في السفارة، عبد السلام السامعي، الذي قال لـ"العربي الجديد": "المعاملات لا تستغرق أكثر من أسبوع واحد، وننجز معاملات يمنيين في دولتي قطر ولبنان، اللتين لا توجد فيهما مراكز لاستخراج جوازات لليمنيين أولا بأول".
لكن أحد اليمنيين الموجودين في قطر (رفض الكشف عن هويته خوفا من حرمان عائلته من جواز السفر)، لم يتسلم جواز سفره الذي تقدم بطلب تجديده في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، إلا بعد أسابيع، رغم أن القنصلية وعدته بأن أقصى مدة لاستخراج الجواز لا تتجاوز أسبوعا واحدا، مشيرا إلى أنه دفع 180 دولاراً. ويرد مصدر دبلوماسي يعمل في السفارة اليمنية بالعاصمة القطرية قائلا إن "مقدار ما يدفعه الراغب بالحصول على الجواز من القنصلية يبلغ 140 دولاراً، مائة منها تذهب رسوما للسفارة اليمنية في العاصمة الأردنية عمان، حيث تستخرج الجوازات لليمنيين في قطر، مضافا إليها 40 دولاراً كلفة إرسال البيانات من قطر إلى الأردن"، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، إرسال ما بين 400 و500 معاملة شهريا لاستخراج جوازات ليمنيين مقيمين في قطر.
ويقترح المصدر الدبلوماسي (الذي شدد على عدم الكشف عن هويته لكونه غير مخول بالتصريح)، إعادة فتح مراكز استخراج جوازات السفر في المزيد من السفارات التي لا توجد فيها مراكز للجوازات بدلا من قصر الأمر على سفارات محددة، داعيا إدارة الجوازات اليمنية في القنصلية اليمنية بجدة والتي يتم إرسال بيانات طالبي الجوازات إليها، إلى عدم تأخير معاملات الجوازات بسبب التدقيق المبالغ فيه، من خلال طلب الاسمين الخماسي والسداسي لطالب الجواز، رغم أن الوثائق المطلوبة لاستخراج الجواز محددة في الصفحة الأولى لجواز السفر المنتهي، وصورة صفحة الإقامة، وصورة شخصية بخلفية بيضاء، وسداد الرسوم بحسب الفئة العمرية.
كيف تصل جوازات اليمنيين إلى لبنان؟
وثق معدو التحقيق معاناة ثلاثة طلاب يمنيين مع السفارة اليمنية في العاصمة اللبنانية بيروت، ومنهم أحمد عدنان، وهو طالب ماجستير في تخصص إدارة الأعمال بالجامعة اللبنانية الدولية في بيروت، الذي قال إن جواز سفره من إصدار فرع مصلحة الجوازات والهجرة في صنعاء، وبالتالي لا يوجد النسر الجمهوري على صورته ما يدخله ضمن خانة الجوازات المرفوضة، متهما السفارة بالتمييز بين اليمنيين على أساس مناطقي، متسائلاً: كيف يمكن أن أذهب للسفارة وأطلب تجديد جواز سفري؟
لكن مصدرا مسؤولا في السفارة اليمنية في بيروت (رفض الكشف عن هويته لكونه غير مخول بالتصريح)، نفى الاتهامات الموجهة إليها بالانتقائية في التعامل مع اليمنيين المقيمين في لبنان، قائلا: السفارة تقوم بتقديم خدماتها لليمنيين دون النظر إلى توجههم أو انتمائهم السياسي، والخدمات القنصلية والتسهيلات التي لا تخالف القوانين اليمنية واللبنانية حق لكل مواطن يمني. وتابع: ترسل السفارة طلبات إصدار وتجديد جوازات السفر إلى السفارتين في الأردن والقاهرة، ويتطلب ذلك انتظار صاحب الطلب أسبوعين على أقل تقدير في حال توفر دفاتر الجوازات لدى الجهتين. وأشار الموظف إلى أن "السفارة تعمل بقدر إمكاناتها في تسهيل وتسريع حصول المواطنين على الجوازات، وتقوم بمتابعة إصدار الجواز هاتفياً مع القنصليات المعنية حتى يتم إرسالها بالحقيبة الدبلوماسية إلى بيروت".
ويقتصر وجود اليمنيين في لبنان على الطلاب الدارسين في الجامعات والمعاهد اللبنانية الذين يصل عددهم إلى مائة طالب، إضافة إلى بعض المواطنين المتزوجين من لبنانيات، واليمنيات المتزوجات من لبنانيين وأبنائهم، والذين يصل عددهم إلى 50 شخصا، فضلا عن عدد من اليمنيين الذين يترددون على لبنان للسياحة، أو من رجال الأعمال من يمتلكون عقارات في لبنان، وفق إفادة المصدر السابق.
جوازات الأطفال تضاعف معاناة المغتربين
يستغرب اليمني المقيم في القاهرة أنور العقبة، رفض إصدار جواز واحد يضم زوجته وأولاده الثمانية، الذين يصل عمر أكبرهم إلى 12 عاما وأصغرهم كان عمرها أسبوعين عندما تقدم بالمعاملة في القنصلية اليمنية، وهو أمر متكرر، وفق ما قاله اليمني عبد الله مفرح، الذي يقطن في منطقة فيصل التابعة لمحافظة الجيزة إلى جوار تجمع يمني كبير.
ويروي مفرح ما شاهده بمكتب للجوازات في القاهرة، إذ اشتكت أم من عدم قدرتها على دفع كلفة تسع إقامات لأطفالها، كل منها على جواز منفصل، وكذلك لزوجها المريض إضافة إليها، والذين انتهت إقاماتهم، ما أدى لفرض غرامات وصلت إلى 18 ألف جنيه مصري (1100 دولار أميركي)، ما جعلها تبكي بينما تقول للضابط المسؤول "مش معي حق الإيجارات وعايشين على السلف"، فرد عليها بطريقة مهينة: وإيه اللي جابكم هنا! قالت له عندنا حرب، رد عليها بالطريقة نفسها: "وأنا مالي".
ويبرر السامعي فرض استخراج جوازات للأطفال، وعدم ضمهم إلى جواز ذويهم، بأن الإضافة كانت تتم يدويا، وهو ما صار مرفوضا في ظل مكننة جوازات السفر إلكترونيا، مؤكدا أن الرسوم الرسمية لاستخراج جوازات الأطفال 40 دولارا للجواز الواحد. لكن في المقابل، تعمل السفارة اليمنية في بيروت على تسجيل المواليد الجدد وإلحاقهم بجوازات أمهاتهم إن لزم الأمر، لتسهيل حصولهم على الوثائق الرسمية اللبنانية قبل إصدار جواز سفر جديد للمواليد، بحسب مصدر دبلوماسي يمني في بيروت، لافتا إلى أن السفارة قامت بتجديد عشرات من جوازات السفر للأسر اليمنية بتلك الطريقة.