الثلاثاء 2024/11/26 الساعة 10:10 AM

كاتب بيانات الثورة السودانية يكشف سر عباراته التي ألهبت المحتجين

الثلاثاء, 08 أكتوبر, 2019 - 12:52 مساءً
كاتب بيانات الثورة السودانية يكشف سر عباراته التي ألهبت المحتجين
المهرة خبور -  الجزيرة نت

"أعطى للكلمة وهجها وإلهامها.. كان ينتظر الثوار عباراته بفارغ الصبر فيتقدمون إلى الأمام بجسارة أدهشت العالم"..

 

إنه كاتب بيانات الثورة السودانية طيلة مواكب التنحي المطالبة بإسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، الذي كان سرا من أسرار الثورة.

 

وبعد نجاح الثورة وتحديدا بعد التوقيع النهائي على وثائق الفترة الانتقالية في سبتمبر/أيلول الماضي أصبح البوح باسم البراق النذير الوراق كاتب بيانات تجمع المهنيين السودانيين ممكنا قبل أن يصل إلى الخرطوم الأسبوع الماضي، وسط احتفاء لافت من الثوار وزملائه الصحفيين.

 

وشكلت اللغة التي صيغت بها البيانات مادة دسمة للصحافة والتعليقات فيما كان تخفي الكاتب مثار تساؤلات على غرار تجمع المهنيين الذي أدار حراك الشارع من تحت الأرض خوفا من الملاحقات الأمنية والاعتقالات وتجنبا لضرب الكيان المدبر للاحتجاجات.

 

وكان الطبيب محمد ناجي الأصم القيادي البارز في تجمع المهنيين السودانيين -أحد مكونات تحالف قوى الحرية والتغيير- تعرض للمداهمة والاعتقال بعد تلاوة البيان التأسيسي للتحالف في بث حي على فيسبوك وذلك بعد أول موكب لتجمع المهنيين في 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

 

سر الغموض

يبرر البراق في حديثه للجزيرة نت تخفيه طيلة الأشهر الماضية رغم وجوده في هولندا بقوله إن الغموض في منظومة تجمع المهنيين ككل كان ضروريا وحوله إلى كائن خرافي يجيد التنظيم، وهو أمر لطالما أحبه السودانيون في ممارسة العمل السياسي.

 

ويقول إن ظهور الأصم منح الناس الأمل لأنه جاء من خارج النادي السياسي المعهود الذي احتفى بقادة القوى السياسية المعروفة، وهي خطوة في حد ذاتها غامضة.

 

ويشير البراق إلى أنه صاغ عن قصد بيانات الثورة بلغة مختلفة إمعانا في الغموض والخروج عن المألوف، وقال إن الاعتقاد بأن السودانيين يرغبون في عبارات مباشرة تصور خطأ لجهة أنهم شعب يحب المثاقفة والشعر والإنتاج الكتابي.

 

وتصدى البراق لمهمة كتابة البيانات الثورية لنحو عامين بتكليف عندما قابل ناجي الأصم مع ستة آخرين في إعلان الحرية والكرامة في ديسمبر/كانون الأول 2017، وهو ما قاد لاحتجاجات ضد الغلاء في يناير/كانون الثاني 2018.

 

قصة أول بيان

يقول البراق إنه اختبر أول تجربة عملية لكتابة بيان بعد احتجاجات سبتمبر/أيلول 2018 عندما سقط نحو مئتي شهيد برصاص الأجهزة الأمنية وحينها كلفته كونفدرالية منظمات المجتمع المدني بصياغة بيان صدره ببيت شعر، في وقت كان له فيه رؤية نقدية في كتابة البيانات السياسية التي يراها عادية وغير محفزة ولا تعبر عن الجماهير.

 

ويضيف أنه عندما أرسل مسودة البيان إلى لجنة على رأسها المحامي والقيادي في الحزب الشيوعي كمال الجزولي كان الخوف يتملكه لأنه استخدم لغة أدبية، وصدر البيان بالشعر أمر غير معهود في أدب البيانات السياسية بالسودان، وأن المفاجأة حدثت عندما اتصل عليه الجزولي وهنأه قائلا "يفترض أن تكتب البيانات بهذه الطريقة".

 

في المهجر

قصد البراق هولندا في سبتمبر/أيلول 2018 عندما كانت الثورة مجهولة المصير وربما لم يكن ينتظر أن يعود لصياغة البيانات بعد ثلاثة أشهر عندما اندلعت احتجاجات الخبز في 19 ديسمبر/كانون الأول التي سرعان ما حولها تجمع المهنيين لمواكب التنحي.

 

ويقول كاتب البيانات إن مهجره وفر له أجواء مناسبة لمهمته بعيدا عن حملات المطاردة والمداهمات الأمنية مع توفر خدمات الكهرباء والإنترنت الذي قطعه المجلس العسكري في السودان أكثر من شهر.

 

وكانت اللجنة المصغرة التي تشكلت لدى تخطيط تجمع المهنيين لأول مواكب التنحي فضلت مسودة بيان البراق عن نظيرتها التي صاغها سامي الباقر من لجنة المعلمين.

 

لغة البيانات

عندما اندلعت ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 آثر البراق أن ينتهج صياغات مختلفة في كتابة بيانات الثورة فعمد إلى تصدير العديد من البيانات بأبيات شعر لشعراء سودانيين، قائلا إن بعضها كانت أشعارا عاطفية.

 

وفي 20 يناير/كانون الثاني أصدر البراق بيانا بـ "يا شراعا أوصل الزورق للشاطئ فجرا" وبعد تسعة أيام بدأ بيان آخر ببيت الشعر "من حزمةِ ضوءٍ كانت عند المفرق خُصلة هذا النيل علامة".

 

ويؤكد البراق أن البيانات بلغتها الرفيعة شكلت عامل إلهام، بينما عمد تجمع المهنيين لاحقا للاستعانة بالطبيب مهند محمد الملقب بـ"ياو ياو" الذي اشتهر بكتابة بيانات موازية ومترجمة لبيانات البراق بلغة "الراندوك" السائدة بين الشرائح البسيطة في الشارع.

 

ويقول مهند للجزيرة نت إن بياناته ترجمت بيانات البراق التي احتفى بها جمهور المتعلمين، بينما جذبت بيانات الراندوك الشباب في الشوارع وتعدتهم إلى الأمهات والآباء الذين باتوا يسألون عن معاني مصطلحاتها التي تبناها كل الثوار.

 

ويعزو مهند معرفته بهذا النوع من المصطلحات برغم أنه طبيب إلى نشأته في حي الدروشاب الشعبي بالخرطوم بحري وعمله سابقا في مهنة الكمساري (محصِّل قيمة تذاكر الركوب داخل أتوبيس أو قطار) وسائق حافلة.

 

بيانات في الذاكرة

يقول البراق إن من أبرز البيانات التي ظلت عالقة في ذاكرته بيان مليونية 6 أبريل/نيسان الذي تحول لاعتصام، وإن الجدول حينها صدر على غير العادة لأسبوعين وكان لزاما عليه أن يصيغ بيانا محفزا وألا يصور أن المليونية سدرة للمنتهى تحاشيا لإحباط الثوار حال فشلها.

 

وينبه إلى أن من البيانات المثيرة لديه بيانات ما بعد مجزرة فض الاعتصام التي لم تنل حظها من الانتشار بسبب قطع الإنترنت حينها، واصفا البيان الذي كتبه بمناسبة الاتفاق السياسي بأنه "بيان أقل من المهام" لأنه كان مجبرا على صياغة بيان يراعي فيه ضرورات سياسية بعد اتفاق مع متهمين بقتل الثوار.

 

ويقول إن كل البيانات التي حررها في طريقها للتجميع والطباعة بعد أن تبنت جهة -تحفظ عن كشف اسمهاـ طباعتها في كتاب.

 

ويستمتع البراق النذير حاليا بالبقاء في الخرطوم بعد أن تحررت من النظام البائد ويشعر بالفخر بعدما نجح في أداء المهام التي اضطلع بها.


اقراء ايضاً