هل اقتربت هيمنة الطاقة الأميركية من نهايتها؟
لم يدم عصر "هيمنة الولايات المتحدة على الطاقة" طويلا؛ فبغضّ النظر عن التداعيات البيئية واسعة النطاق لهذا القطاع، فإن الفكرة القائلة إن ازدهار عمليات التنقيب بالاعتماد على الديون أسهم في هيمنة الولايات المتحدة على أسواق الطاقة؛ لم تكن معقولة على الإطلاق.
وفي تقرير بموقع "أويل برايس" الأميركي، قال الكاتب نيك كانينغهام إنه رغم الزيادة الكبيرة في الإنتاج على مدى العقد الماضي، فإن النشاط كان مرتبطا دائما بالسوق العالمية، ذلك أن عمليات التنقيب الحثيثة لم تعزل الاقتصاد الأميركي عن هذه القوى العالمية.
لكن المقياس الذي غالبا ما استشهد به مؤيدو شعار "الهيمنة" هو مستويات التصدير. وفي الواقع -كما يضيف الكاتب- انخفض الاعتماد على واردات النفط خلال العقد الماضي، في حين ارتفع حجم الصادرات.
ويتابع الكاتب "أصبحت الولايات المتحدة مُصدِّرًا صافيًا للمنتجات البترولية على أساس شهري، لكن خلال سبتمبر/أيلول الماضي، وللمرة الأولى منذ عام 1973، تخلّت الولايات المتحدة عن ادعاءات الهيمنة على صناعة الطاقة".
- تراكم الديون
وأشار تقرير "أويل برايس" إلى أن ثروات النفط الصخري الأميركي بنيت على عقد من الدين المتراكم، بمساعدة أسعار فائدة قريبة من الصفر، وتدفقات نقدية هائلة، كما أنه كان من المتوقع أن يتباطأ ازدهار أعمال الحفر بالفعل بشكل كبير هذا العام، حتى قبل تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد.
وذكر الكاتب أن إدارة معلومات الطاقة الأميركية في أحدث توقعاتها بشأن الطاقة على المدى القصير؛ كشفت عن أن الولايات المتحدة "ستعود إلى كونها مستوردا صافيا للنفط الخام والمنتجات البترولية في الربع الثالث من عام 2020، وستظل مستوردا صافيًا في معظم الأشهر حتى نهاية الفترة المتوقعة، التي تمتد حتى عام 2021.
وأشار الكاتب إلى أنه قبل بضعة أشهر فقط كانت الولايات المتحدة دولة مصدرة صافية، وهذا ما يكشف أن هيمنة أميركا على الطاقة لم تدم طويلا.
وحسب وكالة معلومات الطاقة الأميركية، يمكن أن يتراجع إنتاج النفط الأميركي بمعدل 0.5 مليون برميل في اليوم هذا العام، وبنسبة 0.7 مليون برميل في اليوم في عام 2021. ولكن هذا المعدل السنوي يحجب انخفاضًا قدره 1.75 مليون برميل في اليوم بين شهري مارس/آذار الماضي وأكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وأوضح الكاتب أن وزارة الطاقة استشهدت بهذه البيانات كمبرر لعدم احتياج الولايات المتحدة إلى القيام بتخفيض الإنتاج من أجل المشاركة في اتفاقية "أوبك بلس".
وبين تقرير وكالة معلومات الطاقة الأميركية قبل أيام أن هناك تخفيضات متوقعة تبلغ مليوني برميل في اليوم، دون أي تدخل من الحكومة الفدرالية.
يشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن أمس الجمعة أن الولايات المتحدة وافقت على مساعدة المكسيك للتوصل إلى اتفاق عالمي بين الدول المنتجة، وكبح انهيار الأسعار. وقال ترامب "قبلنا خفض الإنتاج، وهم قبلوا القيام بشيء لتعويضنا في المستقبل".
- مخاوف من الإفلاس
وفقًا لتقرير جديد من شركة الأبحاث "آي إتش إس ماركيت"، من المحتمل أن تخفض شركات استكشاف وإنتاج النفط والغاز الإنفاق بمقدار 25 مليار دولار بين 2019 و2020. ويمكن أن يترجم ذلك إلى انخفاض في الإنتاج قدره 2.9 مليون برميل في اليوم بنهاية العام مقارنة بالربع الأول من العام الجاري، وفق تقرير "أويل برايس".
وأكّد الكاتب أن صناعة النفط الأميركية ألغت نحو 102 منصّة نفطية خلال أسبوعين فقط، بما في ذلك 54 من الحوض البرمي غرب تكساس.
وحتى شركة إكسون موبيل، التي تأمل تعزيز نفوذها في الحوض البرمي، خفّضت نسبة الإنفاق إلى 30%، حسب قول الكاتب.
ووفقا لمسح أجراه البنك الاحتياطي الفدرالي في مدينة كانساس، فإنه في حال كانت كلفة إنتاج خام غرب تكساس الوسيط تبلغ في المتوسط ثلاثين دولارًا للبرميل، فستفلس نحو 40% من شركات النفط والغاز في غضون الأشهر 12 المقبلة.
وحسب تقديرات شركة ستاندرد تشارترد، سيُسجل إنتاج النفط الأميركي انخفاضا يصل إلى أربعة ملايين برميل في اليوم بحلول نهاية عام 2021 إذا ظل متوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط عند ثلاثين دولارًا.
يشار إلى أن وزير الطاقة الأميركي دان برويليت أكد أمس الجمعة -في كلمته أمام اجتماع وزراء الطاقة بمجموعة العشرين- أن صناعة النفط في بلاده تواجه وضعا خطيرا، داعيا الجميع إلى المساعدة في خفض تخمة المعروض من الخام.
وتراجعت أسعار النفط الخميس رغم اقتراب أوبك من اتفاق، إذ تسببت أوامر بفرض إجراءات عزل عام في أنحاء العالم في سلب الحياة من الاقتصاد العالمي.
وأغلقت الأسواق أمس الجمعة في عطلة "الجمعة العظيمة" بالمراكز الكبرى، لكنه جرى الخميس تداول خام برنت عند نحو 32 دولارا للبرميل، وهو ما يقل بواقع النصف عن المستوى المسجل في نهاية 2019، كما جرى تداول النفط الأميركي قريبا من 22.8 دولارا.