احتضار الاتفاق النووي وتشديد العقوبات الأميركية.. أي تداعيات اقتصادية واجتماعية على الإيرانيين؟
"سقوط الاتفاق النووي والعقوبات الأميركية أثرتا على الشعب الإيراني جزئيا، ولكن التداعيات الكبرى عليه كانت من سوء الإدارة وترهلها وفسادها".. بضع عبارات قالها المسن عبد الله الذي كان ينفث همومه مع دخان سيجارته.
ففي إحدى زاويا سوق طهران الكبير، يشكو عبد الله ضعف الإقبال على محله في السوق، وأن نجله المتخرج من الجامعة بشهادة دكتوراه، يبيع الأواني لأنه لم يجد فرصة عمل بشهادته.
ويضيف أن هذه العقوبات أثرت على القدرة الشرائية للناس، ولكنها لم تكن الأساس في الأزمة الاقتصادية التي يعانون منها.
ويقصد هذا السوق عشرات الآلاف يوميا بحثا عن الرزق والتسوق.. التقينا فريد القادم من مدينة كرمان شاه على الحدود مع إقليم كردستان العراق، وقال إنه قطع مئات الكيلومترات للوصول إلى طهران، لكن "فرص العمل هنا نادرة".
ويتابع أن "العقوبات أثرت بالتأكيد على الجميع، ولكن لماذا تغلق المصانع في مدينتي؟ فهذا أدى إلى ازدياد نسب البطالة فيها.. المطلوب تحرك عاجل للحكومة، والعمل على إعادة فتحها كي لا نترك مناطقنا وننزح إلى العاصمة".
ندخل أكثر إلى وسط السوق لنجد تجمعا والتقاط صور وتسجيل فيديوهات لشخص يحمل صورة تبيَّنَ لاحقا أنها للمرشح المستقل محمد رستمي الذي يحمل صورته بنفسه ويحاول الترويج لبرنامجه الانتخابي.
نقترب منه ونسأله عن برنامجه تحديدا في موضوع العقوبات والاتفاق النووي، فأجاب أنهما "أثرا على الاقتصاد والمجتمع والمواطن بنسبة لا تتجاوز 20%، والباقي مرده إلى الفساد والهدر، وفي حال وصولي إلى البرلمان، سأعمل على تغيير هذا المنحى والدعوة إلى إشراك الشباب أكثر في الحياة العامة".
كل ما سبق تؤكده دراسة بحثية أعدها طلاب في جامعة طهران، أظهرت أن نسبة "الأمل الاجتماعي" وصل بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى عام 2015 إلى 70%، أي أن التفاؤل كان سيد الموقف، بينما تراجعت النسبة إلى 30% هذه الأيام، وهذا ما يفسر "الإحباط الاجتماعي" الذي يمر به الشباب.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن انسحابه في مايو/أيار الماضي من الاتفاق النووي وأعلن فرض عقوبات اقتصادية هي الأقسى في تاريخ إيران، غير أن عالم الدين أمير مهدي -التقينا به في سوق طهران- يقول إن "أميركا لم تكن عنصرا مؤثرا في الاتفاق أصلا لأنها لم تفِ يوما بوعودها، وخروجها منه لا يعني الكثير".
وتابع أن "الحكومة الحالية لا تملك خطة واضحة لمواجهة تداعيات انهيار الاتفاق النووي والعقوبات، وبدلا من ذلك تلقي بالمسؤولية على أميركا".
بارقة الأمل التي كان ينتظرها العالم والإيرانيون كانت فرصة تاريخية أجهضها ترامب، بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور محمد إسلامي.
وليس هذا فحسب، فترامب -وفق إسلامي- لم يلغ الاتفاق فحسب، بل انقضّ على فكرة كان يجب على العالم إعطاؤها فترة زمنية أطول لتثبت جدواها وأثرها الإيجابي على الشعب والاقتصاد الإيرانيين.
وكان واضحا أن الاتفاق النووي كشف "اشتياق" العالم إلى العودة للسوق الإيراني المغري على كافة الصعد، والاستثمار في مجالات الطاقة وصناعة السيارات والتكنولوجيا والفولاذ وغيرها من القطاعات، يتابع الخبير الاقتصادي.
ويضيف أن انهيار هذا الاتفاق بشكل كامل "سيدفع الشعب الإيراني أكثر نحو فقدانه الثقة بالأوروبيين، الشركاء الأساسيين في هذا الاتفاق".
وكانت الدول الأوروبية الثلاث الكبرى (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا) قد حملت إيران -بطريقة غير مباشرة- مسؤولية ما وصل إليه هذا الاتفاق، وأصدرت بيانا مشتركا الشهر الماضي أعربت فيه عن أملها في "إعادة إيران إلى الامتثال الكامل بالوفاء بالتزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة".
وأوضح إسلامي أن "العقوبات أثرت بشكل كبير على سعر الصرف وزادت التضخم، إضافة إلى التأثير النفسي والاجتماعي على الشعب، داعيا الحكومة إلى دعم الشركات الناشئة للشباب في مسعى "لتخفيف أثر العقوبات على المجتمع".
وختم بأن "تداعيات العقوبات ستصل إلى مدى وتتوقف، لأن الشعب تأقلم مع سابقاتها وسيتأقلم مع الجديدة، وإذا نال المحافظون الأكثرية في البرلمان القادم -وهذا المرجح- فإننا ذاهبون نحو سياسة أكثر تشددا تجاه واشنطن والدول الأوروبية".