لوموند: منظمة التجارة العالمية تقترب من حافة الهاوية
تخاطر منظمة التجارة العالمية بأن تصبح عاجزة، حيث تحول الولايات المتحدة دون تعيين قضاة بهيئة الاستئناف التابعة لها التي تتمثل مهمتها في تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء بالمؤسسة.
في التقرير الذي نشرته صحيفة لوموند الفرنسية قبل ثلاثة أيام، ذكر الكاتب جوليان بويسو أن منظمة التجارة العالمية تقترب من حافة الهاوية، لأنه في ظل عرقلة جهاز استئنافها اعتبارا من 11 ديسمبر/كانون الأول، فقدت المؤسسة -التي يقع مقرها في جنيف- أحد أسباب وجودها.
وحتى في حال تمكنها من الاستمرار في عملها، فسوف تقتصر على الاضطلاع بدور تنسيقي بسيط لقواعد التجارة العالمية، وهو ما يجبرها على إعادة تشكيل نفسها في عالم تراجع فيه تأثير تعددية الأطراف.
وبحسب التقرير، حذّر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو، يوم الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول، من أن شلل هيئة الاستئناف "قد يفتح الباب لمزيد من الشكوك والأعمال الانتقامية الخارجة عن السيطرة".
وأرادت الولايات المتحدة الوصول إلى هذه الوضعية، فقد حالت دون تجديد اثنين من القضاة انتهت ولايتهما في 10 ديسمبر/كانون الأول، وبذلك سيجلس قاض واحد من جملة سبعة آخرين، في الوقت الذي ينبغي فيه اتخاذ القرارات من طرف ثلاثة قضاة من جنسيات مختلفة.
لقد كان التهديد الذي يستهدف المنظمة موجودا منذ سنوات أو عقود، قبل أن يمر دونالد ترامب إلى تنفيذه، كما يقول التقرير.
وينقل تقرير لوموند عن أستاذة القانون بجامعة جنيف، لورانس بويسون دي تشازورن أن "الولايات المتحدة لم تقبل أبدًا أن يفلت جهاز الاستئناف من قبضة سيطرتها".
- فقدان السيادة
بحسب التقرير، تتهم واشنطن جهاز الاستئناف بتجاوز صلاحياته وإصدار قوانين بدلاً من مجرد تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها مجموعة الخبراء في المرحلة الابتدائية.
ونقل التقرير عن مسؤول رفيع المستوى في منظمة التجارة العالمية قوله، "اتخذ القضاة قرارات وحشية دون السعي للتوصل إلى تسوية، وكانوا يفتقرون إلى اللباقة والدبلوماسية. لقد اعتبروا أنفسهم محكمة قانونية تتصف بغطرسة شديدة، في الوقت الذي لا يمثل فيه هذا الجهاز سوى هيكل لتسوية النزاعات بين الدول".
ويقول التقرير "تأمل الولايات المتحدة في مزيد من الاستفادة عبر فتح الحدود التجارية تحت رعاية منظمة التجارة العالمية، لكن بالمقابل، كانت هذه الدولة هدفا لشكاوى عديدة، يبلغ عددها 170 من جملة ستمئة دعوى قُدمت منذ عام 1995".
ولفت التقرير إلى أن قرارات عديدة بمنظمة التجارة صبت في صالح الولايات المتحدة الأميركية، مثل السماح في أكتوبر/تشرين الأول بفرض ضرائب على حوالي 7.5 مليارات دولار من السلع والخدمات الأوروبية المستوردة سنويا، في إطار خلاف بين إيرباص وبوينغ. وكان ذلك أثقل عقوبة تفرضها منظمة التجارة العالمية على الإطلاق.
من ناحيته، سيكون بإمكان الاتحاد الأوروبي أيضًا فرض تدابير مضادة على الولايات المتحدة في هذا النزاع، ولكن لن يقع الكشف عن المبلغ إلا في بداية عام 2020 من قبل قاض لا ينتمي إلى جهاز الاستئناف.
- انتقادات
بيّن التقرير أن قرارات القضاة أصبحت محل انتقاد متزايد، لأن قواعد مذكرة عام 1995 الغامضة تعد معقدة ويصعب تفسيرها، كما هي الحال بالنسبة للنصوص العسيرة المتفاوض عليها بين العديد من الدول عندما يكون التوصل إلى توافق في الآراء أكثر صعوبة.
وينقل التقرير عن أستاذ القانون في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف، جوست باويلين أن "من الصعب تفسير قواعد قديمة حُررت في وقت لم تكن فيه شبكة الإنترنت والتجارة الإلكترونية موجودة، ولم تصبح فيه الصين بعد ثاني أكبر قوة تجارية في العالم".
ويشير التقرير إلى أنه منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية، لم تظهر سوى ثلاثة اتفاقات متعددة الأطراف فقط. ويعتقد الكاتب أن الولايات المتحدة الأميركية ستندم عندما تفقد منظمة التجارة العالمية سيادتها.
- صعود سياسة الحماية
أشار الكاتب إلى أن منظمة التجارة العالمية تدفع ثمن الانعزالية، في وقت قال فيه المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية بين عامي 2005 و2013، باسكال لامي، إن "إدارة ترامب كثّفت التدابير الجمركية التي تتناقض مع قواعد منظمة التجارة العالمية، لذلك لم يعد من مصلحتها إدارة جهاز الاستئناف".
وتساءل الكاتب ما إذا كانت هذه الوضعية من الجمود مناورة من جانب ترامب من أجل تنظيم التجارة العالمية وإجبار الصين على تقديم تنازلات، أم أنها تمثل نهاية تعددية الأطراف التي لم تعد تناسب الأميركيين؟
وقال الكاتب "في عدة مناسبات، هدّد ترامب بمغادرة منظمة التجارة العالمية، بعد أن طلب علنا من المنظمة إصلاح نفسها من أجل عدم التحيّز للبلدان النامية مثل الصين، التي لا تزال تتمتع بهذا الوضع".
تغيّر موازين القوى
أورد الكاتب أن الأمر الوحيد المؤكد هو أن وقف جهاز الاستئناف سيغير موازين القوى في المفاوضات التجارية بين الدول، وستكون الدول الكبرى قادرة على فرض تدابير انتقامية والحصول على تنازلات بسهولة أكبر على حساب بقية الدول.
وحذر الكاتب من أن هذا الوضع لا يعلن نهاية تحرير التجارة، لكن سيحين دور الاتفاقات الثنائية والإقليمية، كما يُظهر ذلك مشروع اتفاقية التجارة الحرة في أفريقيا، أو ذاك الذي وقع في يونيو/حزيران بين الاتحاد الأوروبي وفيتنام، وهي الاتفاقات الأضيق والأسرع في التفاوض.
وأشار الكاتب إلى أن المفوض الأوروبي للتجارة، فيل هوغن حذر في نهاية سبتمبر/أيلول، أمام البرلمانيين الأوروبيين، من أنه دون احترام قواعد التجارة العالمية، قد يُفرض "قانون الغاب".
ونقل الكاتب أيضا عن الباحث بمعهد جاك ديلور إلفير فابري، قوله إنه "في زمن التواصل العالمي، تتطلب مخاطر الاحتكارات والتفاوتات والاختلالات مزيدًا من التنظيم متعدد الأطراف"، وهو الرأي الذي يشاركه فيه العديد من الأوروبيين، لكنه ما زال بعيدًا عن كسب التأييد الأميركي.