الخميس 2024/11/21 الساعة 09:47 AM

القضية الفلسطينية.. من الألف إلى الياء

الثلاثاء, 17 أكتوبر, 2023



القضية الفلسطينية هي القضية الأولى الجديرة بالاهتمام والعمل والنضال من العرب كافّة والمسلمين كافّة، وهي حالة الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني في فلسطين المدعوم من قوى الشّر، وما يحدث بسب ذلك الوجود من المظالم والجرائم والمجازر والتعدّيات على الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدّساته الدينية.

فما هو تاريخ القضية الفلسطينية؟ وما هي آفاق الصراع حولها؟ ذلك ما ستجد الإجابة عنه موجزة قدر الإمكان في هذا المقال بنقاطه العشرين. 

1- نسب الصهاينة المحتلون لفلسطين دولتهم إلى "إسرائيل" وهو الأب الأعلى لبنيه المنسوبين إليه فهم إسرائيليون أو بنو إسرائيل، ويعقوب عليه السلام نبي من أنبياء الله وهو حفيد إبراهيم عليه السلام من ابنه إسحاق النبي عليه السلّام، عاش يعقوب في جنوبي فلسطين وانتقل وبقية بنيه إلى مصر عام 1656 ق.م. حيث يشغل ابنه يوسف أمور التجارة والتموين في قِصّة قصها الله تعالى في سورة يوسف من القرآن العظيم.

وقد تزوج أبناء يعقوب الاثنى عشر وفي مقدمتهم يوسف النبي واتخذوا من مصر وطنا لهم وكثر عددهم بمرور الوقت، وكانوا يعملون غالباً في أعمال بسيطة يأنف كثير من المصريين مزاولتها. 

2- بعث الله تعالى موسى وأخاه هارون عليهما السلام بالنبوّة عام 1450 ق. م، وقدما إلى الفرعون الطاغية فكذّب واستكبر، وبعد أن أراه المُعجزات والآيات الدالة على صدق الرسالة والمرسلين من الله رب العالمين وبعد أن تآمر ليفتك بموسى وهارون ومن آمن معهما أهلكه الله تعالى مع جنوده غرقاً ونجّى الله تعالى المؤمنين، وأنزل على موسى التوراة مكتوبة في ألواح، وأمرهم الله عز وجل بعد ذلك بدخول فلسطين للعيش بها فرفضوا لخوفهم من القوم الذين كانوا يسكنونها قبلهم وهم العرب الفينيقيون.

3- بعد عقاب التيه والضياع في صحراء سيناء لأربعين عاماً مات خلالها موسى وهارون عليهما السلام دخل بنو إسرائيل بقيادة يوشع بن نون "يشوع" إلى فلسطين وعاشوا مع العرب السكان الأصليين جنباً إلى جنب، وقضى الإسرائيليون في فلسطين زمناً طويلاً خلاله بعث الله تعالى منهم ولهم أنبياء كثيرين منهم داوود عليه السلام وكان ملكاً عليهم ورسولاً في ذات الوقت، ثم خلفه بأمر الله واختياره ابنه سُليمان حاكماً ونبياً، وبعد وفاته حدث انقسام بين حكام "مملكة يهوذا"، وتمكن الملك البابلي نبوخذ نصر من تدمير دولتهم عام 597 ق.م. واستولى على القدس وتفرّق بنو إسرائيل في بقاع الأرض، ثم ظهر من البقية زكريا وابنه يحيى عليهما السلام ومن بني إسرائيل كانت مريم ابنة عِمران أم المسيح عيسى عليهما السلام، وقد وهبها الله تعالى ابنها عيسى من غير أب وبعثه بالنبوّة وأنزل عليه الإنجيل، وتآمر عليه الرومان الذين يحكمون فلسطين باشتراك بعض اليهود وبعض أتباعه، فرفعه الله إليه ليجعل من نزوله إلى الأرض مرة أخرى قادمة علم من علامات الساعة الكبرى، وسيكون خلال وجوده على الإسلام بنسخته الخاتمة المُنزّلة على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلّم، وسيقتل خلال وجوده المسيح الدجّال في فلسطين. 

وبعد أن رفع الله تعالى إليه عيسى بن مريم وبمرور الوقت حرّف بنو إسرائيل التوراة والإنجيل وشاركهم النصارى في التحريف.

4- حين بعث الله تعالى محمد بن عبد الله رسولاً للناس كافة في 10 أغسطس 610م كان بيت المقدس في القدس قبلة المسلمين لأكثر من 14 عاماً، وإلى فلسطين وبيت المقدس خاصة كانت رحلة الإسراء، وصلّى محمد بن عبد الله بالأنبياء كافة في مسجدها المُبارك المسجد الأقصى الذي بناه كما الكعبة أبو الأنبياء خليل الله إبراهيم عليه السلام، وقد فتح المسلمون القدس في شوّال 15ه‍ الموافق أبريل 637م.

5- استمر بنو إسرائيل مُتفرقين مئات السنوات بعد تدمير دولتهم حتى ظهرت فكرة إعادتهم إلى فلسطين وجمعهم من أصقاع العالم في دولة خاصة بهم، وتزعّم هذه الفكرة صحفي يهودي هو ثيودور هرتزل، ودعا لعقد مؤتمر يجمع قادتهم لهذا الغرض في 29 أغسطس 1897م، وانعقد في مدينة بال في دولة سويسرا الأوروبية، وقرر تأسيس الحركة الصهيونية لتعمل من أجل تحقيق هذا الهدف، وإلى جانبها عام 1908م مؤسسة تشرف على جمع اليهود وهجرتهم المعاكسة إلى فلسطين هي "الوكالة اليهودية".

وطلب هرتزل من السلطان عبد الحميد سلطان الدولة العثمانية التي كانت تحكم كل البلاد العربية، طلب منه جزءا من فلسطين ليقيم عليها دولته فرفض السلطان ذلك بكل شِدّة وإخلاص لدينه ولأمّته الإسلامية.

6- حين ضعفت الدولة والخلافة العثمانية تمكّنت دولة بريطانيا عام 1917م من احتلال الأراضي الفلسطينية، وكانت من قبل تحتل مصر منذ عام 1882م، وفي 2 نوفمبر 1917م وعدت حكومة بريطانيا اليهود بدعمهم في إقامة دولة خاصة بهم على الأراضي الفلسطينية، وبدأ اليهود يتسرّبون إلى فلسطين ضمن هجرة منظمة، زاعمين أنّ فلسطين أرض بلا شعب وأنهم شعب بلا أرض، مع أنّ فلسطين أرض عربية منذ الألف الثالث قبل الميلاد حين سكنها الكنعانيون وحتى قبل مجيئ الصالحين منهم إليها بقيادة يوشع بن نون، وفي ذات الوقت فإنّ لكل يهودي مؤمن بدولة لليهود في فلسطين كانت له جنسيته ودولته التي هو وأهله من قبل بعض سكانها.

وحين أتوا دفعات بعد دفعات أخذ الصهاينة في تأسيس عصابات مسلحة كانت نواة الجيش الصهيوني، وبعد أن استكمل الصهاينة استعداداتهم للسيطرة والنفوذ صدر عام 1947 قرار لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود من قبل منظمة الأمم المُتحدة فرفضه العرب داخل وخارج فلسطين ولكن كانت بريطانيا فارضة نفسها.

7- في 15 مايو 1948 أعلنت بريطانيا انسحابها وتسليم فلسطين للحركة الصهيونية، فأعلن اليهود إقامة دولتهم كقوة بغي وعدوان وتوسّع وقاموا بمذابح وحشية ضد السكان الفلسطينيين لطردهم وتهجيرهم من مدنهم وبلداتهم وقُراهم، ومن تلك المجازر: دير ياسين، كفر قاسم، تل الزعتر، وسمى اليهود الصهاينة دولتهم باسم نبي الله يعقوب الذي كان يُدعى إسرائيل، واقتبسوا اسم صهيون من قبل من جبل في القدس الشريف بهذا الاسم، واختاروا نجمة النبي داؤود السداسية لتكون أحد مكونات علم "إسرائيل" المزعومة.. رموز من دين استغلوه ولا زالوا في قيام دولة هي حرب على الدين الصحيح دين الله الحق المُبين.

8- شنّت الجيوش العربية والمجاهدون المتطوعون من مصر وسوريا والعراق والأردن الحرب ضد الدولة الوليدة عام 1948، ورغم التضحيات إلا أنهم فشلوا في طرد الاحتلال الجديد.

وتُسمى الأراضي الفلسطينية التي قامت عليها دولة إسرائيل في القاموس السياسي باسم أراضي 48.

9- في السادس من يونيو عام 1967 شنت دولة العدو الصهيوني "إسرائيل" حربا مفاجئة دمّرت فيها الطيران الحربي المصري واحتلت صحراء سيناء إلى ضفة قناة السويس الشرقية واحتلت هضبة الجولان السورية، واستكملت احتلال فلسطين بالسيطرة على الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس وعلى قطاع غزة المليء باللاجئين الفلسطينيين، وتسمّى هذه الأراضي في القاموس السياسي أراضي 67، وسمى العرب هذه الحرب بنكسة حزيران، ويسميها الصهاينة بحرب الأيام الستة.

10- في السادس من أكتوبر 1973 شن الجيش المصري المُعد إعداد مُتكامل تدريباً وتسليحاً وروحاً إيمانية هجوما قويا ومفاجئا على القوات الصهيونية فوق القناة وفي صحراء سيناء وكبدها خسائر فادحة في الأرواح والمُعدّات، فاستنجدت بحاميها وشريكها الاستعماري الجديد الولايات المتحدة الأمريكية التي سارعت بنقل الدبابات من أمريكا إلى ساحة المعركة عبر الطيران في عملية سُميت بعش النيكل، ووجد الصهاينة ثغرة على الجيش المصري مكنتهم من إيقاف انتصاراته وفرض هُدنة مؤقتة، وبعد مفاوضات كان الوسيط فيها الأمريكيون تم الوقف النهائي للحرب. 

11- في 17 سبتمبر 1978 وقّع الرئيس المصري أنور السادات صلحا واتفاقية سلام مع العدو الصهيوني، وفي 26 مارس 1979 اتفاقية عرفت باتفاقية كامب ديفيد بوساطة من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وانسحبت بموجبها القوات الصهيونية من صحراء سيناء مقابل السلام مع مصر، واعتراف رئيسها بدولة "إسرائيل"، وقد قُتل السادات لهذا السبب في السادس من أكتوبر 1981 بعد أن وجد عمله رفضا عربيا وإسلاميا واسع جداً.

12- في ديسمبر 1987 بدأت ثورة الحجارة الفلسطينية واستمرت نحو عامين كان الفلسطينيون والأطفال منهم خاصة يرشقون فيها بالحجارة عناصر الجيش والأمن الصهيونيين وتمكّنت من إرهاق العدو الغاصب. 

13- في 10ديسمبر 1987، تم تأسيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من قبل فرع جماعة الإخوان المسلمين في العمق الفلسطيني بقيادة الشيخ الشهيد أحمد ياسين، وكان لها دور كبير في ثورة الحجارة الأولى، واهتمت منذ تأسيسها ولا تزال بخدمة الشعب الفلسطيني على جميع الأصعدة الحياتية قدر ما استطاعت وقدر ما واتتها الفرصة وتوفّرت لها الإمكانات. 

14- في 30 أكتوبر 1991 انعقد مؤتمر مدريد للسلام في إسبانيا، وهو أوّل مؤتمر مشترك بين الحركة الصهيونية ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، وهي منظمة تأسست عام 1964 لتحرير فلسطين من الصهاينة، وإذ بها تعترف بهم وتتفق معهم على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الصهيونية، وبمرور الوقت اتضح أنّ الصهاينة وأعوانهم وسادتهم الأمريكان لم تكن لديهم أي جدية في ما تم الإعلان عنه وتقررت تفاصيله في ما بعد باستثناء منح الفلسطينيين دويلة ضعيفة هشّة بشروط الصهاينة كاملة، دولة بلا سلاح وتحت سقف الاحتلال الصهيوني برئاسة ياسر عرفات. 

واختلف الطرفان بمرور الوقت حتى قام الصهاينة من خلال عملائهم بتسميم ياسر عرفات، وإثر وفاته في 11 نوفمبر 2004م تم اختيار محمود عباس "أبو مازن" رئيسا من بعده لمنظمة التحرير الفلسطينية والدويلة الهشة الفلسطينية، السلطة الفلسطينية وعاصمتها رام الله، ولا يزال ولا تزال.

15- بدأت حركة حماس بشن العمليات الاستشهادية ضد القوات الصهيونية في الضفة الغربية وقطاع غزة باستهداف أفرادها وعناصرها في وسائل النقل والمواصلات، وقد كان من نتائج ذلك انسحاب القوات الصهيونية من قطاع غزة في 15 أغسطس 2005 بعد أن تم إجلاء كل المستوطنات اليهودية داخل القطاع الذي يطل على البحر الأبيض المتوسط. 

16- حكم قطاع غزة أفراد من حركة فتح، وهي كبرى مكوّنات منظمة التحرير الفلسطينية التي كان زعيمها ياسر عرفات منذ عام 1969، وتم إجراء أوّل انتخابات للبرلمان/المجلس التشريعي الفلسطيني وفازت حركة حماس بالأغلبية يوم 29 ديسمبر 2006، وقبِل قادة حركة فتح بقيادة محمود عباس رئيس ما يُعرف بالسلطة الوطنية الفلسطينية بالنتيجة في البداية، ثم حاولوا في قطاع غزة الانقلاب على حركة حماس ولكنهم أخطؤوا التقديرات فتم تصفية نفوذهم داخل قطاع غزة في 15يونيو 2007، وكان يتزعمهم فيها محمد دحلان الذي فر والعشرات من عناصره إلى مصر المجاورة ومنها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ولا زال يقيم فيها، وفرضت حكومة العدو الصهيوني الحصار الخانق على كامل قطاع غزة بما فيه إغلاق معبر رفح بين غزة ومصر. 

17- حاولت دولة العدو التخلّص من وجود حركة حماس وذراعها المسلح كتائب عز الدين القسّام وذلك عبر شن عدد من الهجمات البربرية الوحشية على القطاع المُحاصر وفشلت فشلاً ذريعاً.

18- تأسست في قطاع غزة تنظيمات عسكرية لمقاومة الاحتلال منها حركة الجهاد الإسلامي بقيادة فتحي الشقاقي وكتائب أبو علي مُصطفى.

19- راكمت حركة حماس وكتائب عز الدين القسّام خبرتها وكثّفت تدريباتها العسكرية وطوّرت أسلحتها المحلية الصُنع، وتعاونت وقدمت الكثير من ذلك للفصائل الأخرى في القطاع. 

20- في صباح يوم السبت السابع من شهر أكتوبر 2023، شنت حركة حماس وكل الفصائل الفلسطينية في غزة هجوما عسكريا مفاجئا ومباغتا وناجح جداً برا وجوا وبحرا أسفر عن قتل عشرات الجنود الصهاينة وأسر عشرات آخرين وتدمير الكثير من عتادهم الحربي. 

اكتسى العدو وشاح الآلام وسيطر عليه القهر لما حل به، وبدلاً من الولوج في مسار سلام يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة شن هجوما بربريا على قطاع غزة بدعم مكشوف من العدو الحقيقي للشعوب العربية، الإدارة الأمريكية، لينتقموا بكل وحشية وغطرسة وصلف، وليفكروا من جديد في إنهاء وجود حركة حماس من قطاع غزة، وليطرد آلاف الفلسطينيين من أرضهم.

وختاماً، تبقى القضية الفلسطينية قضية كل فلسطيني وكل عربي وكل مُسلم، ومما يجب عليهم تجاهها القيام بكل ما يستطيعونه من جُهد وجهاد لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني الغاشم، ومن أجل مساندة الشعب الفلسطيني الصامد في وجه العدوان وخططه الرامية إلى تصفية وإنهاء القضية الفلسطينية وطرد ما استطاع من شعب فلسطين واستقدام المزيد من الصهاينة ليستوطنوا مكانهم، كما يهدف إلى جعل وجود الكيان الصهيوني أمرا طبيعيا على أرض ليست أرضه، وفي وسط يقبل به ويتعامل معه من دون مقاومة، وكأنّه دولة طبيعية وليس كيانا يشارك في تخريب المنطقة ومحاربة قيمها ودينها الإسلامي.

قرابة خمسة ملايين فلسطيني يرزحون تحت نير الاحتلال الغاشم وقريباً من عددهم مهجرون في ربوع الأرض.

المزيد من مرعي حميد