اليمن في زمن الحرب.. إغاثة محدودة وضحايا دون حدود
[ ملايين اليمنيين باتوا مهددين في حياتهم بعد تقليص المساعدات الإنسانية ]
يبدو أن اليمنيين على موعد جديد مع تفاقم الأزمات المعيشية التي تعصف بهم، بعد إعلان مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية باليمن، الأربعاء الماضي، أن الدول المانحة لم تفِ بالتزاماتها التي تعهدت بها لتمويل خطة الاستجابة للأزمة الإنسانية، مما أجبرها على وقف العديد من برامجها الإنسانية في الأسابيع الأخيرة.
هذا الأمر يهدد ملايين اليمنيين، الذين يعتمدون على المساعدات الدولية، مع استمرار الحرب في البلاد للعام الخامس، والتطورات الدراماتيكية العسكرية، فضلا عن تفاقم الأوضاع المعيشية وانهيار البنية التحتية، ما أدى إلى أسوأ أزمة إنسانية، حسب الأمم المتحدة.
وفي قرية الكدمة بمديرية بيت الفقيه جنوبي محافظة الحديدة يواجه محمد سالم -وهو معلم في مدرسة- أسئلة يومية من الأهالي حول موعد وصول المعونات الغذائية التي تقدمها لهم المنظمات الدولية.
ويضيف سالم المتطوع في اللجان المحلية التي توزع مساعدات برنامج الغذاء العالمي، "الأهالي يعتمدون بشكل أساسي على المعونات، مع توقف الأعمال وانقطاع الرواتب، نحن المدرسين لا نعيش إلا عليها، وفي حال انقطاعها سندخل في مجاعة".
ويعيش نحو مليون موظف يعملون في القطاع الإداري للعام الثالث دون رواتب، بعد قرار الحكومة اليمنية نقل البنك المركزي إلى مدينة عدن، العاصمة المؤقتة، مما زاد من وطأة الوضع الإنساني في البلد الأفقر بالجزيرة العربية.
وفاقم انهيار العملة المحلية إلى الضعْف وارتفاع الأسعار من الأزمة الإنسانية، إذ خلت موائد اليمنيين من أصناف رئيسة للطعام، فاكتفوا بالخبز.
ويقول عبد العزيز محمود -وهو نازح عاد إلى قريته مع اندلاع القتال بمدينة تعز، جنوب غربي البلاد- إن المساعدات الدولية تسد فراغا كبيرا في احتياجات أسرته المكونة من ستة أفراد، ويضيف "سنكون أمام مشكلة، فالأعمال تكاد تكون متوقفة، ونحن دون حيلة".
ويقول داود مسعود -وهو ناشط يعمل مع منظمات الأمم المتحدة في العاصمة صنعاء- "إن الإمارات والسعودية مسؤولتان بدرجة رئيسة عن توقف المساعدات التي يعيش عليها اليمنيون، إنهم يحاربوننا ويحاصروننا ويمنعون عنا المساعدات، سنحاربهم مئة سنة".
وفي وقت سابق طالب المستشار السابق لولي عهد أبو ظبي عبد الخالق عبد الله، بلاده بوقف المساعدات المقدمة لليمن. وقال "حكومة اليمن أصبحت عالة وتود إطالة الحرب، وخسارة فيها قطرة دم طاهرة وخسارة فيها دولار واحد ذهب لقيادتها الفاسدة، أتمنى من الإمارات وقف مساعداتها وإعادة جنودها الأبطال من اليمن فورا".
وطالب مصدر رفيع في جماعة الحوثيين الأمم المتحدة بالسماح لليمنيين ببيع مشتقاتهم النفطية، ورفع الحصار الذي يفرضه التحالف السعودي الإماراتي على الفور.
وقال المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالحديث للإعلام، إن التحالف يمارس ضد اليمنيين سياسة الحرب بالتجويع، "لغرض تركيعنا بعد فشلهم في الحرب العسكرية".
وأضاف "المساعدات المقدمة منذ بداية الحرب إلى نهاية النصف الأول من العام الجاري لا تساوي تكاليف الحرب لأسبوع واحد، إذ إن كلفة الحرب اليومية على اليمن تزيد في اليوم الواحد على مئتي مليون دولار".
وأشار إلى أن المادة 54 من اتفاقية جنيف، تحظر تجويع المدنيين واعتماده أسلوبا من أساليب الحرب، وطالب المصدر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمنظمات الحقوقية، بإلزام التحالف السعودي الإماراتي، بدفع المبالغ المتعهدة بها، وتعويض اليمنيين عن كل الأضرار.
ووفق مصدر أممي في اليمن، فإن سياسة تمويل المشاريع تخضع لسياسة الأمم المتحدة في البلد، كما أن موازنة الأمم المتحدة لن تفي إلا بأقل من ربع الاحتياجات الإنسانية في اليمن، في ظل استمرار الحرب وتردي الأوضاع، والحل هو وقف الحرب.
- تقليص
وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، فإن الدول المانحة تعهدت في فبراير/شباط الماضي، بتوفير 2.6 مليار دولار لتلبية الاحتياجات العاجلة لأكثر من عشرين مليون يمني لكن المكتب تسلم حتى الآن أقل من نصف هذا المبلغ.
وأوضحت الأمم المتحدة -من مكتبها باليمن- أن ثلاثة برامج فقط من أصل 34 برنامجا إنسانيا رئيسا للأمم المتحدة تم تمويلها، وأن العديد من البرامج المصممة لمساعدة الأسر الفقيرة والجائعة، قد توقفت.
وأشارت إلى أن 22 برنامجا منقذا للأرواح سيجري إغلاقها، وسبق ذلك تعليق معظم حملات تحصين الأطفال في مايو/أيار الماضي، وإيقاف شراء الأدوية، بينما توقف الدعم المالي للآلاف من العاملين في القطاع الصحي.
وأضافت الأمم المتحدة أنه "في يونيو/حزيران تم تعليق بناء ثلاثين مركزا جديدا للتغذية العلاجية، وأُغلقت 14 دارا آمنة وأربعة مرافق مختصة بالصحة العقلية للنساء، بالإضافة إلى إغلاق محطة لمعالجة المياه".
وشددت على أن وكالات الأمم المتحدة بحاجة ماسة إلى الأموال التي تم قطع وعود بتقديمها، مؤكدا أن "عشرات الآلاف من العائلات النازحة ستجد نفسها دون مأوى"، حال عدم تقديم تلك الأموال.
وحذرت الأمم المتحدة من أنه ما لم يتم تلقي تلك الأموال، "فسيتم خفض الحصص الغذائية لـ12 مليون شخص، كما سيتم قطع الخدمات عما لا يقل عن 2.5 مليون طفل يعانون من سوء التغذية"، مؤكدة أن الموت قد يكون مصيرا محتما.