"شبح كورونا" لم يفتح سجون الحرب في اليمن
بعد مضي أكثر من شهر ونصف، على توصل الحكومة والحوثيين في اليمن إلى اتفاق لتبادل الأسرى برعاية الأمم المتحدة، عاد طرفا النزاع إلى تبادل الاتهامات بشأن المسؤولية عن تعثر تنفيذه.
ويقبع آلاف من أسرى الحرب المستمرة في اليمن في سجون طرفي النزاع، غير أن جماعة الحوثي تواجه اتهامات باعتقال مدنيين، والسعي إلى مقايضتهم بمقاتليها الأسرى لدى الحكومة.
ورعت الأمم المتحدة، عبر مبعوثها إلى اليمن مارتن غريڤيث، في العاصمة الأردنية عمّان منتصف فبراير/ شباط الماضي، اتفاقا لتبادل الأسرى بين الحكومة والحوثيين، اعتبره مراقبون انفراجا مهما يمكن البناء عليه للتوصل إلى تسوية شاملة للنزاع، الذي دخل عامه السادس، وخلف إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، بحسب الأمم المتحدة.
الاتفاق الذي قال غريفيث إنه "مقدمة لعملية تبادل واسعة النطاق للأسرى"، نص على إطلاق سراح نحو 1420 أسيرا ومعتقلا من الطرفين في مرحلة أولى، تتبعها مراحل أخرى حتى الانتهاء من تبادل كافة الأسرى، الذين يقدر عددهم بأكثر من 10 آلاف، كان الطرفان تبادلا بياناتهم في اتفاق ستوكهولم، ديسمبر/ كانون الأول 2018.
وشمل الاتفاق، وفق مصادر أممية وأخرى يمنية، جنودا سعوديين وسودانيين، إضافة إلى إحدى أربع شخصيات يمنية رفيعة المستوى محتجزة بسجون الحوثيين.
والشخصيات الأربع هي: ناصر منصور هادي (شقيق الرئيس عبد ربه منصور هادي)، ومحمد قحطان (عضو الهيئة العليا لحزب الإصلاح)، ومحمود الصبيحي وفيصل رجب (قائدان رفيعان بالجيش).
ورغم أن مشاورات عمّان خلصت إلى اتفاق الطرفين على عقد اجتماعات مقبلة، لبحث مراحل جديدة من تبادل الأسرى، إلا أن تعثر عملية التبادل المتفق عليها دفع بالأمور نحو مسار مغاير عنوانه "انهيار الثقة" والعودة إلى مربع الاتهامات المتبادلة، ما يضاعف الصعوبات أمام جهود المبعوث الأممي لجمع الطرفين مجددا إلى طاولة المفاوضات.
اتهامات متبادلة
اتهم رئيس لجنة شؤون الأسرى بجماعة الحوثي عبد القادر مرتضى، قبل أيام، الحكومة بالمماطلة وعرقلة اتفاق تبادل الأسرى.
وقال مرتضى، عبر "تويتر"، إن الطرف الحكومي ما زال يماطل بشأن تقديم بقية الكشوفات تمهيدا لاتمام الصفقة، فيما جماعته قدمت كافة الكشوفات المطلوبة منها بناء على الاتفاق.
كما أفاد عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، محمد علي الحوثي، عبر "تويتر" في اليوم نفسه، بجهوزية جماعته لتبادل الأسرى، وتنفيذ اتفاق الأردن بحذافيره.
وتساءل بلهجة اتهام: "إن كانوا جادين فعلا في عمل شيء من أجل كوفيد-19 (فيروس كورونا) فلماذا لم يتم إطلاق الأسرى الذين تم التوافق عليهم؟".
وحمل ما سماه "العدوان السعودي الأمريكي البريطاني الإماراتي وحلفاءه، مسؤولية أي تفاقم صحي نتيجة لعدم إطلاق الأسرى".
ومنذ عام 2015، يدعم تحالف عسكري عربي بقيادة الجارة السعودية، القوات الموالية للحكومة اليمنية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.
بالمقابل، قال عضو اللجنة الحكومية لمفاوضات الأسرى والمعتقلين ماجد فضائل، في تصريح لوكالة "سبأ" (حكومية) الجمعة الماضي، إن الحكومة ملتزمة بتنفيذ ما تم التوافق عليه في الجولة الأخيرة من التفاوض في عمّان من إطلاق مرحلي للأسرى، بدءا من 1420 معتقلا وأسيرا، وصولا إلى التبادل الشامل وفق مبدأ "الكل بالكل".
وأضاف فضائل، أن جماعة الحوثي تقابل ذلك بالتعنت تحت مبررات وحجج وصفها بأنها "واهية"، متهما إياها بالانقلاب على اتفاق تبادل الأسرى.
وتابع أن "ممثلي المليشيات (الحوثيين) يضعون العراقيل والاشتراطات، إما بطرح أسماء وهمية أو مفقودين ليس لهم أثر، لتعطيل الملف واستغلاله سياسيا وإعلاميا".
ودعا فضائل، المبعوث الأممي إلى الضغط على الحوثيين للإفراج الفوري عن كافة الأسرى والمعتقلين، الذين قال إن بينهم "جرحى ومرضى وكبار سن، وإعلاميين، إضافة إلى أربع شخصيات مشمولة بقرار مجلس الأمن الدولي".
اختبار للحوثيين
قال مصدر بمكتب رئيس الوزراء اليمني، للأناضول، إن اتفاق عمّان "يمثل اختبارا لجماعة الحوثي"، التي لم تلتزم بكافة الاتفاقات السابقة مع الحكومة، سواء المتعلقة بملف الأسرى والمعتقلين، أو غيرها.
وأضاف المصدر، طالبا عدم نشر اسمه كونه غير مخول بالحديث للإعلام، أن مكتب غريفيث رعى، قبل مشاورات عمان، اجتماعات عديدة بين الطرفين، لتحقيق تقدم بملف الأسرى والمعتقلين، غير أنها لم تسفر عن تقدم بسبب تعنت الحوثيين.
واعتبر أن اتهامات الحوثي لحكومته بعرقلة اتفاق عمّان، تأتي ضمن "محاولة الجماعة الهروب إلى الأمام، والتنصل من استحقاقات التنفيذ".
وتابع المصدر أن: الفريق الحكومي تفاجأ برفض الحوثيين عددا من الأسماء المقدمة في الكشف الحكومي، بزعم أنهم متهمون بقضايا خطيرة، وتعتزم الجماعة محاكمتهم.
واستطرد: "بعض هؤلاء صحفيون وأكاديميون جرى اختطافهم من المنازل والشوارع، ولم يكن لهم أي ذنب سوى مناهضة انقلاب جماعة الحوثي عبر صفحاتهم على فيسبوك وتويتر".
ولم يتسن الحصول على تعقيب من الحوثيين بشأن ما أورده المسؤول بمكتب رئاسة الوزراء.
خطر كورونا
بعودة الجانبين الحكومي والحوثي إلى تبادل الاتهامات بشأن تعثر تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، تتضاءل الآمال بخصوص إمكانية استغلال المخاوف من تفشي فيروس كورونا، للإفراج عن جميع المحتجزين بالسجون اليمنية.
وأعرب فريق الخبراء الإقليميين والدوليين بشأن اليمن، الإثنين الماضي، عن قلقه البالغ إزاء المخاطر المحتملة لتفشي الفيروس بين السجناء والمحتجزين.
ودعا الفريق، في بيان، أطراف النزاع إلى الإفراج فورا عن جميع المتحجزين والمعتقلين السياسيين بمرافق الاحتجاز السياسية والأمنية والعسكرية، لمنع وتخفيف انتشار الفيروس، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي.
والجمعة الماضي، أعلنت الحكومة تسجيل أول إصابة بكورونا، في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت، شرقي البلاد.
وتحذر منظمات إغاثية دولية من عواقب وخيمة لكورونا حال تفشيه في اليمن، حيث يعاني القطاع الصحي انهيارا شبه تام بسبب الحرب، التي جعلت 80 بالمئة من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية.