السبت 2024/11/23 الساعة 06:35 AM

الحرب تدفع اليمنيّات للجوء إلى مهن جديدة وقاسية

الأحد, 22 مارس, 2020 - 01:19 مساءً
الحرب تدفع اليمنيّات للجوء إلى مهن جديدة وقاسية
المهرة خبور -  القدس العربي

من أجل انقاذ عائلتها “خمس بنات وولدان” من أتون الصراع الذي يدخل عامه السادس في اليمن، اضطرت نسيم الشيباني، 45 سنة، لمغادرة بيتها في تعز “جنوب غرب” والنزوح إلى صنعاء “شمال”. ونتيجة لتداعيات الحرب وانقطاع المرتبات، لم يكن أمامها سوى العمل في مجال يوفر لها دخلاً يومياً يساعدها في حماية بنيها من الجوع؛ فتركت عملها في مجال التدريس باعتبارها خريجة كلية التربية، وعملت في مجال تعليم قيادة السيارات، لكن هذا العمل لم يوفر لها دخلاً مستقراً، فاهتدت لفتح دكان لبيع الخضروات والفواكه، متحدية بذلك كونها أول يمنيّة في صنعاء تفتح دكانا في هذا المجال.

 

ووفق منظمات دولية تشكل النساء والفتيات ما يُقارب من نصف 4.3 مليون نازح على مدى السنوات الثلاث الماضية في اليمن.

 

صارت نسيم تستيقظ باكراً كعادة تجار الخضار، وتذهب للسوق المركزي لشراء احتياجات دكانها، الواقع في شارع مجاهد. كما صارت تعمل في دكانها أكثر من 12 ساعة في اليوم مع ابنتها أثير التي فضّلت العمل مع أمها تاركة مجال تخصصها، وهي خريجة كلية الصيدلة.

 

تشكو هذه السيدة صعوبات ومشاكل التجربة التي لم يمض عليها سوى أسابيع معدودة، لكنها تبدو عازمة على تجاوزها: “لن تعوقني أي مشكلة عن البقاء وحماية عائلتي” تقول نسيم لـ “القدس العربي”.

 

تجد النساء أنفسهن في بلدان الصراع في ظروف بالغة التعقيد، لكن ما يميز المرأة أنها أكثر مرونة من الرجل، إذ تستطيع في خضم معاناة الحرب أن تمسك بطرف تستطيع من خلاله مواجهة جوع عائلتها، ولهذا نجدها كما يقال، تأكل أخيراً وتأكل أقل وتعمل أكثر.

 

لم تتوقع هذه السيدة أنها ستعمل يوماً ما في هذه المهنة، “لكنها الحرب، تفرض علينا وضعاً نضطر معه للتفكير بوسيلة ما لمواجهة ظروفها، ولهذا عندما نزحتُ مع أسرتي إلى صنعاء بحثتُ عن عمل؛ فاهتديت للعمل في مجال تعليم النساء قيادة السيارة، لكن هذا العمل لم يغط احتياجات عائلتي اليومية، ففكرت بعمل يدر عليّ دخلاً يومياً؛ فكان هذا المجال باعتبار الخضروات والفواكه احتياج يومي للعائلة؛ وهو احتياج سنحرص على أن نلبيه بمبيعات نظيفة وطازجة، لاسيما ونحن في ظروف حرب وأوبئة؛ وبالتالي فالاحتياج يتزايد لاسيما عندما يكون الدكان نظيفاً ومحفوظاً”.

 

كانت نسيم، وهو منفصلة عن زوجها منذ سنوات طويلة وتعول أسرتها، تدرك صعوبات هذه المهنة باعتبارها ما زالت مهنة رجالية، وخاصة على صعيد الاستثمار في دكان ثابت وتجارة منتظمة، وعلى الرغم من أنها ستضطر للاحتكاك يومياً بالرجال والأسواق وخاصة عند شراء احتياجات دكانها؛ علاوة على أن البدايات ستكون أكثر صعوبة؛ لأنها بلا خبرة كافية ولا تستطيع اكتشاف حيل الأسواق، إلا أنها قررت خوض التجربة وتحدي واقعها “فأنا أريدُ أن أعيش، وهذا عمل شريف”.

 

ساعدها زوج إحدى بناتها في اختيار تصميم جميل وديكور جديد للدكان، وهو ما كلفها مبلغا لا بأس به، وفرته “من خلال مشاركتي في جمعية استلمتها أول مشاركة” ومن هذا المبلغ بدأتْ نسيم مشروعها.

 

منذ منتصف أواخر شباط/فبراير بدأتْ عملها في مجال يقتضي منها حركة يومية بين السوق المركزي ودكانها.

 

من المشاكل التي تواجهها تبرز “وسائل النقل أول مشكلة” باعتبارها امرأة علاوة على تعرضها، أحياناً، للاحتيال من قبل بعض بائعي الخضروات والفاكهة بالجُملة، حيث تكتشف، لاحقاً، أن بعض ما اشترته كان مغشوشاً، “لكنني كل يوم أتعلم، واكتسب خبرات جديدة”.

 

تتحدث ابنتها أثير عن الاقبال، وتعتبره مبشراً، “فالزبائن من الجنسين، وبعضهم يأتون إلينا من شوارع وأحياء بعيدة، وقد استفدنا كثيراً من منشورات البعض عن الدكان في مواقع التواصل الاجتماعي”.

 

أثير خريجة كلية الصيدلة، قررتْ ترك مجال تخصصها والعمل مع والدتها، وتعتبر هذا العمل “ممتعاً ومريحاً، حيث أبقى مع والدتي معظم الوقت حتى المساء، ولا استمتع بشيء مثلما استمتع بالعمل مع أمي على الرغم من أنني اشتغلت في الصيدلة سنة ونصف، لكنني تركت العمل، وأنوي أن أجمع مالا مع تجارة الخضروات، بعد نجاح هذا المشروع، ومن ثم أفتح صيدلية خاصة بي”.

 

وعن المشاكل التي ما زالت تواجههم أشارت إلى “أن رأس المال ما زال بسيطاً ما يضطرنا أن نضيف ربح كل يوم إلى رأس المال، وهي مشكلة مؤقتة، سنتجاوزها”.

 

وتستطرد والدتها مؤكدة أنه “لم يعد هناك عمل محتكر للرجال فالمرأة ستعمل في أي مجال ملائم لها”.

 

وتمثل شريحتا الأطفال والنساء أكثر شرائح المجتمع اليمني تضرراً من تداعيات الحرب. وقصة نسيم وأثير ليست سوى مثال ليمنيات كثيرات تركن العمل في مجالات تخصصاتهن والتحقن بمجالات جديدة وقاسية من أجل مواجهة جوع عائلاتهن تحت نير حرب ليست عمياء في بلد فقير.


اقراء ايضاً