حصار اليمنيين.. صراع العملات يفاقم أزمات التنقل والتحويلات
يشكو الأربعيني منير الورافي، المحاسب في مطعم شهير بسوق الهاشمي بمنطقة الشيخ عثمان شمال عدن (جنوب اليمن)، من عدم قدرته على السفر لزيارة أسرته في محافظة إب (شمال غرب) والخاضعة لسيطرة الحوثيين بسبب عدم توفر العملة القديمة لديه ورفض تداول العملة الجديدة المطبوعة.
ويحاول الورافي جاهداً حسب حديثه لـ"العربي الجديد" جمع أوراق نقدية من العملة القديمة مما يدفعه بعض الزبائن، لكن عملية التجميع بطيئة للغاية بسبب ندرة الزبائن الذين يدفعون بالعملة القديمة.
ويعاني المواطن، بشار عبد الكريم، الذي يعمل في شركة ملاحية بميناء عدن، من نفس مشكلة صعوبة التنقل، إلى جانب معاناته من ارتفاع عمولة التحويلات المالية من مناطق الحكومة اليمنية إلى بقية المحافظات والمناطق، خصوصاً الخاضعة لسيطرة الحوثيين. لكنه اضطر حسب حديثه مع "العربي الجديد"، إلى جلب أسرته من تعز (جنوب غرب اليمن) إلى عدن للإقامة معه رغم صعوبة وارتفاع تكاليف الحياة المعيشية في العاصمة المؤقتة.
وزادت معاناة اليمنيين منذ نهاية العام الماضي مع اشتعال الصراع على العملة في اليمن، ما ضاعف الأوضاع الإنسانية المتدهورة، في ظل الحد من عملية التنقل بين المدن والمناطق اليمنية.
وينفذ الحوثيون منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي قراراً بمنع تداول العملة الجديدة المطبوعة في مناطق سيطرتهم، وهو ما تسبب بأزمة نقدية خانقة، مع قيام الحكومة اليمنية رداً على هذا القرار بإيقاف رواتب موظفين مدنيين لبعض الجهات الحكومية في مناطق سيطرة الحوثيين.
وتأثرت الأسواق اليمنية كثيراً نتيجة هذا الصراع الدائر الذي تسبب بانخفاض الريال اليمني مقابل الدولار بنسبة كبيرة مع فارق سعري بين عدن (جنوباً) وصنعاء (شمالاً) وارتفاعات واسعة في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية في عموم المناطق اليمنية، وتأسيس سوق سوداء رائجة في "التحويلات المالية".
وفوجئ الموظف المدني، عصام محمد، الذي يستلم راتبه من الحكومة اليمنية بصفة نازح في عدن، من طلب عامل أحد محلات الصرافة في عدن التي عاد إليها لاستلام راتبه الذي تم صرفه بعد توقف ثلاثة أشهر، مبلغ خمسة آلاف ريال لكل خمسين ألفاً يريد تحويلها من عدن إلى صنعاء.
وقال محمد لـ"العربي الجديد" إنه اضطر بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية العودة إلى صنعاء، التي يواجه فيها صعوبات حياتية كبيرة.
ويصف موظف نازح آخر، رفض ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد" هذا الإجراء بالابتزاز البشع للمواطن اليمني الذي يعرض ما تبقى من دخله للنهب بإشكال وطرق متعددة ومختلفة وآخرها ما أحدثته الأزمة الأخيرة في العملة من تقسيمها وانهيارها ورفع عمولات التحويلات بشكل مضاعف.
وحسب خبراء اقتصاد ومصرفيون، فإن هذه الأزمة والإجراءات التي رافقتها أحدثت فرقا كبيرا في سعر الصرف بين عدن وصنعاء، لأن تداول العملة في صنعاء يتم في ظل ندرة السيولة النقدية، لكن هذا الفرق وفقاً للخبير المصرفي، حافظ طربوش، في حديث مع "العربي الجديد"، انعكس على رسوم التحويلات والذي ارتفع بشكل غير معقول.
ويفيد طربوش أن شركات الصرافة العاملة في هذا الجانب تنسب زيادة رسوم التحويل إلى الفرق في سعر صرف الريال السعودي والدولار الأميركي بين صنعاء وعدن.
وقال: "كلما زاد الفرق بين سعر الريال السعودي أو الدولار بين عدن وصنعاء زادت خدمة التحويل، وهذا كبّد المواطنين خسائر كبيرة، لهذا تنشط عملية المضاربة بالعملة لصالح السوق السوداء التي انضمت إليها مؤخراً، شركات ومحال الصرافة الخاصة بالتحويلات".
ونتيجة لذلك، تضررت كثيراً عمليات التبادل النقدي وألقت بظلالها على الاستقرار الاقتصادي بعد أن تحول إلى نوع من الجباية الضريبية الملزمة التي يجب على العملاء دفعها، مع استمرار تراجع الريال أمام العملات الأجنبية وبطء التدخلات الحكومية لإيقاف هذا الانخفاض المتواصل منذ مطلع يناير/كانون الثاني الماضي.
ويشير الباحث الاقتصادي، نشوان سلام، إلى ما تتمتع به المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين بثقل سكاني ومالي وتجاري، ولولا ذلك حسب حديثه لـ"العربي الجديد"، لما كان بالإمكان إلحاق هذه الأضرار بالعملة الوطنية وإحداث مثل هذه الفروقات.
ويعتقد سلام أن جهات تجارية ومالية متوافقة على الإضرار بالمواطنين، موضحا أنه بالتزامن مع هذه التوجهات يتم تسعير بعض السلع بالدولار في العاصمة المؤقتة، وهذا يعني أن المستهلكين هم الأكثر تضررا من هذه الإجراءات المجحفة.