اليمنيّون يعودون لسيرة آبائهم الأولين.. يقتلعون "القات" ويزرعون البُنّ مكانه، هل يعود اليمن موطناً للذهب الأسود؟
[ مزارع يمسك بحفنة من القهوة الطازجة في حراز. بعد الحصاد، يتم تجفيفها ، وتقسيمها وفصلها عن قشور يدوياً/ رويترز ]
تشعر في حراز، وهي مجموعة قرى في مرتفعات اليمن تعود إلى القرون الوسطى، أنك بعيدٌ تماماً عن الدمار الذي خلفته الحرب الأهلية في البلاد. وتُغيِّم صفوف السحب على الشرفات الخضراء بالزراعة وتعانق المنازل المتعلقة بجانب الجبل مثل خبز الزنجبيل، وتخلق هذه الظروف البيئية الفريدة بعضاً من أفضل أنواع القهوة في العالم.
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، كان اليمن يصدر القهوة منذ القرن الخامس عشر، إذ سُميت القهوة بالشوكولاتة (الموكا) على اسم ميناء المُخاء في البحر الأحمر. ورغم أن نبات القهوة منشؤه إثيوبيا، فقد تطوَّر ليصبح على الشكل الذي يعطينا هذا المشروب الحديث على أيدي الأديرة الصوفية في اليمن حيث كانوا يشاركونه مع التجار والحجاج. وفي النهاية، شقَّت القهوة طريقها إلى القسطنطينية (إسطنبول الآن)، وبغداد، ولندن، مما أدى إلى ظهور المقاهي.
اليمن.. مولد الذهب الأسود
في يومنا الحالي تُقدَّر صناعة القهوة بحوالي 61.4 مليار جنيه إسترليني (حوالي 80 مليار دولار)، مما يجعل القهوة أعلى السلع التجارية قيمةً في العالم بعد النفط. لكن عقوداً من عدم الاستقرار السياسي تعني تذبذب توافر حبوب البن اليمني، لكن الآن عقدت حفنة من المزارعين والمصدرين العزم على استعادة سمعة مولد الذهب الأسود.
قال المزارع حسن أحمد السلول، 35 عاماً: “ظلَّت عائلتي تزرع القهوة هنا، لأكثر من 200 عام”. وأضاف: “كان لديّ متجرٌ لقطع غيار الدراجات البخارية في صنعاء، لكن عندما اندلعت الحرب، ركدت الأعمال، وعانيت لاستيراد القطع من الصين. فعدت إلى الوطن وقررت أن أجرب زراعة القهوة. أشعر بحرية أكبر هنا، والعمل مجز. إذا أحسنت إلى الأرض، سترد لك الإحسان”.
عانى اليمن طويلاً من مشكلاتٍ مزمنة في إدارة الموارد المائية، وهي مشكلاتٌ تتفاقم بسبب ولع البلاد بنبات القات، تلك الأوراق النباتية المخدرة الخفيفة التي يمضغها معظم الرجال. تُستَخدَم على الأقل نصف المياه المسحوبة من مصادر المياه الجوفية المنهكة للأغراض الزراعية في زراعة القات، وهو محصول سريع، ليس مثل الذرة، أو الشعير التي تحتاجها بشدة هذه البلاد غير المؤمنة غذائياً.
القهوة بدلاً من القات
في حراز، يقرر المزيد والمزيد من السكان أن يزيلوا القات من الأراضي الزراعية أمام منازلهم ويتجهوا إلى زراعة القهوة بدلاً من ذلك، وهي خطوة قد تسبب ثورةً في الزراعة اليمنية. أزيلت حوالي 2 مليون شجرة قات في المنطقة وحلَّت محلَّها القهوة والذرة في العقد الماضي.
ما زالت زراعة القهوة عملاً شاقاً، إذ يستغرق المحصول الواحد عدة مواسم ليصل إلى النضج، ويطلب العديد من المزارعين تمويلاً من أجل البدء. توفِّر شركات تصدير صغيرة مثل Mokha Route و Port of Mokha وMokha Mountain قروضاً دون فوائد، وتدرِّب المزارعين على استخدام أجهزة تحليل الرطوبة، وجداول التجفيف الحديثة، والأسمدة العضوية.
تُجمَع حبوب القهوة الحمراء الناضجة، وتُجفَّف، وتُترَك لفترة، وتُفصَل الحبوب عن القشور يدوياً. عادةً ما تكون الأراضي المرتفعة عرضة للجفاف، لذلك يبني المزارعون مثل السلول باستمرار سدوداً صغيرة، ليقودوا مياه الأمطار من أعالي الجبال في قنوات.
أغلى وأجود قهوة في العالم
الظروف الصعبة تعني أن المحاصيل محدودة، لكن إنتاج الحراز له شهرة واسعة حول العالم، بسبب الأطعمة الفريدة والمتنوعة من الكراميل، والشوكولاتة، والتوابل، والفانيليا، بالإضافة إلى نكهات الليمون، والجوافة، والتوت البري، والتفاح.
لكن الحصار الذي تقوده السعودية على المجال الجوي اليمني، والحدود البرية، والذي يُصعِّب الحصول على الوقود والدواء والغذاء داخل البلد، يخلق أيضاً مشاكل لمصدري القهوة الناشئين.
يبيع السلول قهوته مقابل 18 دولاراً للكيلوغرام. ثم يُباع المنتج الذي يسعى إليه الكثيرون إلى مشترين غالباً في السعودية، وكوريا الجنوبية، واليابان، والولايات المتحدة، حيث يمكن أن تُباع بحوالي 500 دولار للكيلوغرام، لتصبح أغلى قهوة في العالم -ويُقال إنها الأفضل كذلك.
يتفاخر المشترون مثل أحمد طاهر من شركة Mokha Mountain بأنهم يدفعون جيداً لمزارعي ومنتجي الحراز لتشجيع الممارسات الأفضل، وإعادة تأسيس صناعة القهوة في اليمن.
وقال: “كان التأسيس للزراعة الجماعية هنا عملاً شاقاً جداً، لكننا متفائلون للغاية بمستقبل ونمو التجارة. الطلب عالٍ جداً، وهذا مفهوم بسبب جودة منتجنا الرفيعة”.
وأضاف: “لم أعتقد أبداً أن الحرب سيكون لها إيجابيات، لكن العديد منا اكتشفوا أصولهم في قرى أجدادنا، وعدنا للممارسات التي عاش عليها آباؤنا وأجدادنا. إنها عادةٌ خاصة جداً”.