السبت 2024/11/23 الساعة 04:04 AM

أحلام المراهقات.. هجرة وحرية

الخميس, 24 أكتوبر, 2019 - 02:30 مساءً
المهرة خبور -  فاطمة مطهر

تطلب المدربة من الفتيات تخيل موقعهن أو حياتهن بعد 10 سنوات، دقيقتان فقط وقد غادرن جميعهن إلى أوروبا وأمريكا وكندا، جميعهن يردن الهجرة لبلد غربي حيث: المستقبل، الطموح، النجاح، الشهرة، المال والحرية الـ”بلاحدود”، كلهن يقين أن كل ذلك يستحق ما إن تدوس أقدامهن الصغيرة أراضي ما وراء البحار.

 

أتت هؤلاء الفتيات مع ذويهن من اليمن نتيجة الحرب هناك للإقامة هنا في مصر، البعض أتى قبل ثلاث سنوات ومنهن من لم تكمل العام.

 

تركت الحرب آثارًا سلبية كثيرة على الجميع – باستنثاء المتحاربين –  الذين فقدوا حياة “ما قبل الحرب” التي يرونها الآن جميلة، عكست ما كانوا يعتقدون مقارنة بحياة “الحرب”.. تنوعت تلك الآثار اجتماعيًا، اقتصاديًا، صحيًا، تعليميًا، نفسيًا وأمنيًا وغيرها، لكن كيف أثرت في حياة الفتيات “المراهقات”!، هذه الفئة التي تعيش في الظروف الاعتيادية وحتى في أكثر الدول – رفاهًا – شعوراً طبيعيًا بالاضطراب السيكولوجي الناتج عن التغيرات الفسيولوجية التي تمر بها.

 

أتت إبتهال حيدر (17 عامًا) مع أسرتها للقاهرة منذ حوالي العامين، شابة ذكية ذات شخصية قوية ومدركة لطموحاتها التي تؤمن – رغم الحرب – أنها ستحققها.

 

وعاشت ابتهال ظروفًا صعبة في اليمن نتيجة الحرب وقصف التحالف على أحياء العاصمة وقرب منزلهم من أحد المناطق المستهدفة بشكل دائم ومتكرر، فكان قرار العائلة الانتقال لمصر فاتحة لباب جديد لها، من هنا “ستبدأ أحلامي التي كنت يئست أن تتحقق ونحن في صنعاء” تقول ابتهال لـ أنسم.

 

وتضيف أن الانتقال للقاهرة لم يكن بمستوى ما كانت تأمل، فهي هنا أيضًا تعاني من الشعور بالغربة وعدم القدرة على التكيف مع الناس، وترى أنه “لا أمل من بقائها هنا ولن تحقق شئ”، لكنها لم تيأس وأصبحت تخطط للسفر لأوروبا عندما تنتهي من الثانوية العامة، “هناك سأحقق كل أحلامي سأكمل تعليمي الجامعي وأنشئ مشروعي الخاص وتكون لي أسرة ثم سأؤلف كتابًا أقص فيه حكاية نجاحي، ذات يوم” وغادرتنا بحلمها.

 

حرية أكثر

 

تقترب وتبتعد العادات والتقاليد بين البلدان العربية، لكن، تظل مصر منفتحة كثيرًا مقارنة باليمن فيما يتعلق بالمرأة من ناحية حرية لبسها وحركتها، وهذا ما لاحظته “يمنى” التي أتت مع أسرتها هذا العام للإقامة في القاهرة..

 

تقول يمنى لـ أنسم:” أبي منفتح ومرن وأعتبره مَثلي الأعلى، لكنه هنا أعطاني مساحة حرية أكبر مما كان متاحًا في اليمن”.

 

وتستطرد ابنة السادسة عشرة كيف أنها لم تعد ملزمة بلبس “البالطو الطويل الأسود” وأنها أصبحت ترتدي ثيابًا ملونة تتماشى والموضة وتتناسب مع سنها، وتستطيع أن تذهب وصديقاتها للتسوق أو الجلوس في مقهى نهاية الأسبوع.

 

فيما تعاني الفتيات في اليمن والنساء بشكل عام، حتى ما قبل الحرب، من عدم قدرتهن على لبس مايردنه – وإن كان ذلك لا يتم رسميًا كالسعودية وإيران- ويغلب اللون الأسود عليه، عدا قلة اخترن الوانًا غالبًا “غامقة” فيما لم تجرؤ البعض على أن تكون سافرة الشعر أو بملابس قصيرة قليلًا إلا عدد معدود من النساء لكنهن يواجهن الكثير من المضايقات والإساءات.

 

أما منذ اندلاع الحرب – المستمرة – فإن جماعة الحوثي أصبحت تضيق على النساء والفتيات وتحدد ما يجب أن يرتدين وقامت إحدى المدرسات بتمزيق بنطلون طالبة لأنه “جينز” وغير لائق رغم أنها كانت ترتدي فوقه “الزي المدرسي الطويل” ولم يكن ظاهرًا من البنطلون إلا سنتيمرًا واحدًا أو اثنان من ألاسفل.

 

وكان ناشطون على وسائل التواصل الإجتماعي تداولوا منتصف سبتمبر الماضي صورة بروشور باللون الأحمر تم تعميمه في الجامعة اللبنانية بصنعاء – التي تسيطر عليها جماعة الحوثي شمال اليمن – يدعو الفتيات إلى “احترام العادات والتقاليد” بـ: “عدم ارتداء الملابس الضيقة، والملابس المفتوحة وعدم ارتداء البالطوهات القصيرة، إضافة إلى تغطية الشعربالكامل”. كما رُسمت على البروشور صورة لتوضيح ما يجب أن تكون عليه الفتيات.

 

حيرة

 

تارا (18عامًا) تؤكد هي الأخرى أن حياتها في مصر اختلفت وأن كل شئ أختلف تمامًا، “الحرام أصبح حلالًا.. فجأة، تغيرت والدتي في تعاملها معنا، خلعنا النقاب وأصبحنا نلبس ملابس حديثة، ونخرج للمعهد وللتمشية (التنزه)، وأصبح مسموحًا لأختي أن تخرج مع خطيبها!”.

 

وبحيرة تواصل كلامها لـ أنسم: “لقد تربينا في أسر (ملتزمة دينيًا) وكانت تنظر للعلاقات خاصة بين الفتيات والفتيان بشكل خاطئ جدًا، وتلقينا العديد من التعاليم المغلوطة”.

 

ووجدت تارا التعبير عن شعورها إزاء ذلك صعبًا جدًا، “لا أعرف كيف أشعر!”، لكن “أتمنى لو أستطيع حماية الفتيات وقريباتي الموجودات في اليمن من كل ذلك، وأن أُعرفهن بالتغيير الذي أعيشه الآن”.

 

"مع ذلك لازلت غير متأكدة ما هو الصحيح والخطأ!"، تضيف باضطراب.

 

فارس الأحلام

 

لكل من الفتيات الثلاث زاوية مختلفة لحياتها هنا لكنهن أجمعن أن السفر للغرب هو حلمهن، فهو لهن الفردوس الذي سيكون مكافأة الأيام الصعبة التي عشنها في اليمن والغربة والعزلة التي يعشنها الآن، يحلمن بإكمال تعليمهن الجامعي وبناء مستقبلهن والعيش بحرية، ليس فيها قيود ولا تحكم.

 

واختلفت الفتيات في الزواج والأسرة كجزء من الحلم، حيث تراه “تارا” جزءًا هامًا لكنه مؤجل إلى حين إنهاء التعليم وتحقيق النجاح العملي أولًا، فيما تعتقد “إبتهال” أنها ستتزوج بشخص لا يعارض طموحاتها أو “لن أتزوج”، لكن “يمنى” تعارض الفكرة تمامًا: “لن أتزوج.. أريد أن أعيش بحرية، لا أريد رجلًا يقيدني” قالت بثقة.

 

وكانت مطلع الشهر الجاري عقدت عدد من ورشات العمل في محافظات: صنعاء، عدن والقاهرة نظمها منتدى الشقائق لحقوق الإنسان، استهدفت حوالي 30 فتاة ضمن مبادرة “الفتيات اليافعات” التي تنفذها منظمة “كرامة” لمدة عامين في 18 بلدًا عربيًا بهدف التعرف عن قرب على احتياجات ومشاكل الفتيات اليافعات والعمل على رفع قدراتهن وتشجيع اسهاماتهن في التنمية المجتمعية والسلام.

 

وغالبًا ما تعاني هذه الفئة العمرية “المراهقين” من التهميش وعدم الاهتمام إذ تركز المنظمات والجهات المعنية على فئة الطفولة والشباب وهو ما يجعلها تشعر بالفجوة والاغتراب بينها وبين فئات المجتمع الأمر الذي يحول دون الاستفادة من طاقتها، وهو ما ظهر من خلال أحاديث اليافعات اليمنيات الـ 30 للمدربات خلال ورشات العمل إذ طالبن بتوعية المجتمع وتعريفه بقضاياهن وسماع أصواتهن خاصة الوالدين، وكذا رفع قدرات اقرانهن وبناء شخصياتهن ليتمكنَّ من استثمار طاقاتهن وقدراتهن.

 

مهاجرات

 

وحسب منظمة الهجرة الدولية، بلغ عدد المهاجرين حول العالم  258 مليون شخص، شكلت المهاجرات 48٪ من هذا التعداد، ويقدر عدد الأطفال بنحو 36.1 مليون.  وتعتبر أوروبا الوجهة الأولى لهم والتي استقبلت عام 2017 م (95085) مهاجر عن طريق البحر المتوسط، غرق منهم 2112 شخصًا.

 

فيما ذكرت منظمة كير الألمانية أن عدد الفتيات “اليمنيات” اللاجئات يبلغ حوالي 551 ألف فتاة، وأشارت في تقرير نشرته في أكتوبر الماضي  بعنوان “بعيداً عن الوطن: أسوأ 13 أزمة لجوء بالنسبة للفتيات” أن أكثر من ثلثيّ الفتيات يتزوجن قبل بلوغهنّ السن القانوني. وشدد التقرير أن الفتيات هنّ أكثر من يتأثر بأزمات اللجوء حول العالم.

 

*البوابة اليمنية للصحافة الإنسانية "أنسم "


اقراء ايضاً