مجندو تعز على الحدود السعودية يحلمون بالعودة
[ تعز لم تنج من غارات التحالف وجنّدت السعودية شبابها لحماية حدودها ]
تؤكد شهادات اليمنيين الذين جنّدتهم السعودية للدفاع عن حدودها مع اليمن أنهم باتوا دروعا بشرية يواجهون الموت في كل لحظة، ومن ينجو منهم من الموت لن يسلم من الإعاقة الجسدية أو النفسية، خصوصا وهم يعيشون معاناة مركبة بين وطن ممزق ودور فرض عليهم للدفاع عمن يساهم في تمزيقه ويمعن في إساءة معاملتهم.
تحدث "م.ص" وهو من شباب تعز المجندين في الحدود اليمنية السعودية، عن تلك المعاناة قائلا "وصلنا المملكة في منتصف 2016، لم نتلق أي تدريبات عسكرية، ونستلم رواتبنا بشكل غير منتظم، ويتم استخدامنا كوقود على جبهات التماس مع الحوثيين".
ويضيف "نشعر أحيانا بأننا بلا قيمة، الكثير من زملائي قتلوا ولم تعرف عنهم أسرهم أي شيء، وهناك من يتم دفنهم في مقابر سرية ولا تحصل أسرهم على أي تعويضات حتى بعد وفاتهم".
أما زميله عبد الرحمن أحمد (26 عاما) فيلخص الأمل المتبقي لدى هؤلاء بقوله "لم يعد أمامنا من خيار سوى العودة إلى مدينتنا تعز، واستكمال تحريرها وتأمينها، الوضع هنا لم يعد يطاق، وجميعنا لدينا الرغبة بالعودة، أكثر من ثلاثة أعوام ونحن ندافع عن حدود المملكة أعتقد أنها تكفي وزيادة".
وفي اتصال هاتفي مع الجزيرة نت، تحدث أحمد عن الكثير من المجندين الذين غادروا جبهات الحدود مع السعودية بشكل فردي خلال الفترات الماضية، مشيرا إلى "ترتيب لمغادرة من تبقى على شكل مجموعات خلال الأيام القادمة".
ويؤكد هذه الرغبة قائلا "الأمر أصبح محسوما بالنسبة لنا وقيادتنا أيضا في الجيش والمقاومة، الذين نتواصل معهم من أجل ترحيلنا بشكل نهائي والعودة لليمن، فهو أولى بنا وسنضحي من أجله بدمائنا".
أحمد ليس المجند الوحيد الذي يأمل في مغادرة جبهات الحدود السعودية، فهناك المئات والآلاف من شباب تعز الذين يعملون حاليا على إنهاء وضعهم وإجراء المعاملات الأخيرة للعودة إلى مدينتهم، ومن بنيهم الشاب أيمن خالد (28 عاما) الذي قال إنه أصبح يشعر بالقهر وهو يرى ما يحدث لبلاده.
وعن الأسباب التي جعلته يفكر في العودة إلى تعز، يقول خالد "السؤال الذي أطرحه على نفسي كل يوم هو لماذا نحن هنا؟ ومقابل ماذا ندافع عن السعودية، التي لم تنصر مدينتنا بل تشارك الإمارات في قصف جنود الجيش الوطني في عدن وأبين؟".
ويتابع خالد "واجبنا الوطني والأخلاقي هو استكمال تحرير تعز، وأكثر ما يجعلنا متحمسين للعودة هو الوضع الذي نعيشه هنا ومشاهدتنا الصور المؤلمة التي تصلنا لجنود الجيش الوطني في عدن والذين تمت تصفيتهم من قبل عناصر الحزام الأمني الذي يموله ويدعمه التحالف مع الأسف".
وأفاد ضباط يمنيون تواصلت معهم الجزيرة نت بالإجماع على قرار سحب شباب تعز المجندين في الحدود، مضيفين أنهم "سيسلمون العهدة التي لديهم من أسلحة وعربات عسكرية، وتقديم طلبات رسمية بالترحيل ومغادرة الجبهات الحدودية بصورة نهائية".
وذكرت مصادر عسكرية في وزارة الدفاع اليمنية للجزيرة نت أن هناك عددا كبيرا من الجنود اليمنيين من شباب تعز في جبهات الحد الجنوبي للسعودية (البقع وباقم وميدي وحرض)، ويتجاوز عددهم أكثر من 20 ألف مقاتل، يتم التواصل حاليا مع الجانب السعودي من أجل إنهاء مهمة الكثير منهم والعودة إلى جبهات تعز وبعض المحافظات الأخرى.
وأفادت تلك المصادر بأن مسألة الترحيل "كانت متاحة إلى فترة قريبة، ولكن أصبح من الصعب أن تسمح السلطات السعودية لآلاف الجنود بالمغادرة، خصوصا وأنها باتت تدرك أن سبب رحيلهم هو شعورهم بالخذلان من قبل السعودية، التي تتماهى في الواقع مع ممارسات الإمارات في جنوب البلاد".
وأوضحت المصادر أن إجراءات الدخول للمجندين "كانت تتم بطريقة عشوائية ويقوم بها ضباط وسماسرة وأغلب المجندين من تعز ليس لديهم أرقام عسكرية، وكان يتم منحهم راتب ألفي ريال سعودي (حوالي 550 دولارا) وبشكل متقطع، والآن عندما بدأت مجموعات منهم بالتظاهر والمطالبة بترحيلهم وانتشرت مقاطع مصورة لهم قامت السلطات السعودية بعدها باحتجازهم واتهامهم بالخيانة".
وتؤكد منظمة سام للحقوق والحريات -مقرها في جنيف- هذا الأمر، حيث اعتبرت في تقرير حديث لها بعنوان "محرقة الحدود" أن الكثير من الجنود، وأغلبهم من الفتية، يخوضون بعض المعارك بمشاركة غطاء جوي تابع للتحالف، غير أنه في بعض الأحيان يتم قصف مواقع القوات الموالية للسعودية، ولا يقتصر الأمر على الطيران، بل إن المدفعية وسلاح الدبابات ترتكب بعض الأخطاء ويسقط بسببها ضحايا من المجندين، وفقا للمنظمة.
وطبقا للمنظمة فإن هناك ما يقارب 300 مقاتل يمني على الأقل تعرضوا لبتر أحد أطرافهم في معارك الحدود، ويقبع نحو 250 منهم حاليا في سكن للجرحى بمنطقة عسير السعودية، إضافة إلى آخرين في محافظات ومعسكرات أخرى، معظمهم بانتظار إجراء عمليات جراحية لتركيب أطراف صناعية قبل عودتهم إلى اليمن، في حين يعيش الآخرون أوضاعا نفسية وإنسانية صعبة بسبب توقف رواتبهم منذ سبعة أشهر.