هل هناك علاقة بين الفكاهة والاكتئاب؟
تختلف تجارب الناس في مجال الفكاهة، حيث تخدم الفكاهة العديد من الوظائف المختلفة في حياتنا اليومية. لكن كيف ترتبط أساليب الفكاهة التكيفية واللاتكيفية بالاكتئاب؟
في تقريره الذي نشرته مجلة "سايكولوجي توداي" الأميركية، قال جيل غرينغروس إن الفكاهة في بعض الأحيان تستخدم كآلية للتكيف عندما لا تسير الأمور على ما يرام، وتكون أحيانا أخرى مجرد لحظة نستمتع فيها بالضحك مع الأصدقاء.
يستخدم الباحثون مقاييس مختلفة لتقييم تجاربنا في الفكاهة، ولكن أكثرها شيوعا يتمثل في استبيان "أنماط الفكاهة" حيث يستخدم هذا المقياس الذي وضعه رود مارتن وطلابه في تقييم كيفية استخدام الأشخاص للدعابة في حياتهم اليومية، وقد استخدم في مئات الدراسات.
في هذا السياق، طلب من الناس تقييم مدى موافقتهم ومعارضتهم على وضعيات مختلفة (على سبيل المثال "أنا أستمتع بجعل الناس يضحكون"). وشكلت إجاباتهم مقياسا متكونا من أربعة أنماط للفكاهة.
- الفكاهة التبعية
تتمثل في الميل إلى مشاركة الفكاهة مع الآخرين، وإلقاء النكات والقصص الطريفة، وإضحاك الآخرين، واستخدام الفكاهة لتسيير العلاقات، والترويح على الآخرين.
- تعزيز الذات
تتمثل في الميل إلى الحفاظ على نظرة فكاهية للحياة حتى عندما لا نكون مع الآخرين، إلى جانب استخدام الفكاهة في التعامل مع الإجهاد، وتشجيع النفس بالدعابة.
- العدوانية
يميل فيها الأشخاص إلى استخدام الفكاهة للاستهزاء بالآخرين أو التقليل من شأنهم أو التلاعب بهم، فضلا عن استخدام السخرية والدعابة المسيئة وربما استخدام النكات المتحيّزة جنسيا والعنصرية.
ذات النتائج العكسية
يميل فيها البعض إلى إضحاك الآخرين على حساب أنفسهم، وإهانة النفس والضحك مع الآخرين عند التعرض للسخرية أو المضايقة، وأيضا استخدام الفكاهة لإخفاء مشاعر المرء الحقيقية عن نفسه وعن الآخرين.
- العلاقة بين الفكاهة والاكتئاب
نظرت دراسة حديثة إلى العلاقة بين هذه الأساليب والاكتئاب، باعتباره مرضا عقليا خطيرا يصيب ملايين الأشخاص حول العالم.
إن تسجيل درجة عالية في أسلوبي الفكاهة الإيجابيين رُبط بمختلف النتائج الصحية الإيجابية، مثل السعادة وإقامة علاقات صحية. لكن الحصول على درجات عالية في أساليب الفكاهة السلبية قد يكون له تأثير سلبي على صحة الفرد.
وأراد الباحثون من خلال النظر في العلاقة بين أنماط الفكاهة الأربعة والاكتئاب اختبار ما إذا كان الأشخاص المصابون بالاكتئاب يسجلون درجات عالية في نمطي الفكاهة السلبيين، وانخفاضا في النمطين الإيجابيين. كما نظروا فيما إذا كان هناك أساس وراثي للعلاقة بين أنماط الفكاهة والاكتئاب.
- دراسة
بهذا الصدد، استخدم الباحثون نموذجا من 1154 توأما أستراليا، ووجدوا أن 339 منهم كانوا متطابقين، و236 غير متطابقين. من خلال النماذج بأكملها، تم تشخيص 145 شخصا يعانون من الاكتئاب، وذلك من خلال استبيان جميع التوائم لأساليب الفكاهة، بالإضافة إلى الإجابة عن ثلاثة أسئلة تتعلق بالاكتئاب. يذكر أن هذه الأسئلة قد أخذت من مقاييس مختلفة تتماشى مع العناصر المستخدمة لتشخيص الخلل الاكتئابي.
وأظهرت نتائج الدراسة في المقام الأول أن النساء كن أكثر عرضة بمرتين ونصف من الرجال للإصابة بالاكتئاب. ثانيا، وكما كان متوقعا، استخدم المصابون بالاكتئاب الفكاهة ذات النتائج العكسية أكثر من غير المصابين بالاكتئاب.
علاوة على ذلك، استخدمت التوائم الكئيبة نمطي الفكاهة الإيجابي بدرجة أقل من غير الكئيبة. وخلافا للتوقعات، لم تكن هناك اختلافات في استخدام الفكاهة العدوانية بين التوائم الكئيبة وغير الكئيبة. بعد ذلك، درس الباحثون العوامل الوراثية والمحيطية المحتملة التي قد تفسر هذه الارتباطات.
وأتاحت المقارنة بين التوائم المتطابقة وغير المتطابقة استخلاص المساهمات النسبية للعوامل الوراثية والمحيطية لصفة معينة أو علاقة متبادلة من خلال استخدام أدوات وراثية سلوكية.
وبناء على ذلك، كشفت التحليلات أن 26% من الاختلافات في درجات الاكتئاب تعزى إلى عوامل وراثية مضافة، في حين أن 74% من الاختلافات بدرجات الاكتئاب كانت بسبب بيئات غير مشتركة (على سبيل المثال، التوائم الذي يدرسون في فصول مختلفة، والذين لديهم أصدقاء فريدون).
- نتائج أخرى
وأظهرت النتائج الأخرى أن العلاقة الإيجابية بين مقياس الاكتئاب والفكاهة ذات النتائج العكسية، والعلاقة السلبية بين مقياس الاكتئاب وفكاهة تعزيز الذات، لديها عامل وراثي أساسي يؤثر على الارتباطات.
عموما، لم تثبت الدراسة أن أنماط الفكاهة ترتبط بالاكتئاب فحسب، وإنما أثبتت أيضا أن بعض هذه الارتباطات نتيجة لبعض التأثيرات الوراثية الجوهرية. فضلا عن ذلك، يبرز البحث أيضا حقيقة أن الفكاهة ليست جيدة دائما بالنسبة لنا، وفي بعض الحالات قد تكون لها آثار سلبية خطيرة.
ولا تعني العلاقات المتبادلة السببية، ومن غير الواضح ماذا تعني بالضبط. هل يختار الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب استخدام المزيد من أساليب الفكاهة السلبية وعدم محاولة تحسين حالتهم باستخدام أسلوب دعابة أكثر إيجابية؟ أم أن استخدام نمط الفكاهة السلبية يؤثر على الاكتئاب؟ والواقع أن الاحتمال الثالث والمحتمل أن بعض العوامل (الوراثية والبيئية) تؤثر على الاكتئاب واستخدام الأنماط السلبية.