مصنع جديد بالصومال.. هل هو محاولة لكسر هيمنة الأغذية المستوردة؟
كان النمط الغذائي السائد في الصومال بالفترة ما قبل اندلاع الحرب الأهلية عام 1991 يعتمد بشكل أساسي على المحاصيل الزراعية المحلية، مثل الذرة الشامية والذرة الرفيعة والفول وغيرها، إضافة إلى اللحم واللبن والسمك.
وكانت الأطعمة التقليدية المصنوعة من الذرة هي الطاغية على الموائد في كل المنازل تقريبا مثل "عَنْجٍيرو" في الفطور و،"سَوْر" في وجبة الغداء، و"مُوفُو"، و"عَمْبُولو (المصنوع من الفول)" في وجبة العشاء تبعا للتفضيلات الشخصية.
أما الآن فالمواد الغذائية المستوردة سواء على أشكال حبوب ومواد جافة أو على أشكال معلبات هي الحاضرة الآن بقوة على الموائد الصومالية، وتحتل مرتبة في أعلى سلم الواردات، إلا أن معظمها فقيرة غذائيا ومشكوك في سلامتها وجودتها لضعف نظم الرقابة، والأخطر أن بعض المواد يتم استيرادها وهي قريبة جدا من انتهاء صلاحيتها ما ينعكس سلبا على نمو الأطفال نموا صحيحا، وفق مراقبين.
- تأثير سلبي
نتيجة وجود مواد حافظة في كثير من السلع الغذائية المستوردة وافتقارها للقيمة الغذائية المطلوبة، يمكن ربطها بحالات سوء التغذية وبعض الأمراض غير المعروفة في الصومال سابقا، مثل سرطان الحلق وغيره وإن لم تكن هناك دراسة تثبت ذلك علميا، وفق محمد طيب الشيخ أبوبكر رئيس كلية الزراعة بجامعة "جزيرة" بمقديشو في حديث للجزيرة نت.
وفي رأيه، فإن التأثير السلبي للمواد الغذائية المستوردة لم يقتصر على هذا الباب، بل طال الإنتاج الزراعي المحلي أحد الأعمدة المهمة لاقتصاد الصومال الذي سجل تراجعا ملحوظا في الفترة الأخيرة.
كما أنه عطل مزارع عديدة نتيجة إغراق هذه المواد في الأسواق على طول البلاد وعرضها بأسعار تنافسية.
في هذا الجو أنشأت شركة "صوم جرين" مصنعا يحوي مطاحن للحبوب.
- الأسلوب الغذائي المعهود
تقدر سعة المصنع التخزينية نحو 11 ألف طن، بينما تبلغ طاقته الإنتاجية تسعين طنا يوميا، إلا أن قصر عمر المصنع -الذي لا يتعدى شهورا- فإنه ينتج حاليا ثلاثة أطنان يوميا يتم استهلاكها في مقديشو ومحيطها، وفق مدير الشركة قاسم عدان محمود الذي قال إن إنتاجهم الحالي يتركز على الذرة وطحنها بطرق مختلفة وتعبئتها بمقادير متفاوتة، حتى تكون جاهزة لاستعمالها في أغراض الطبخ المتعددة وفي مختلف الوجبات على أن يضيفوا في الأيام المقبلة حبوبا أخرى من المحاصيل الزراعية المحلية إلى عمليات المصنع.
والهدف في نظر محمود الذي تحدث للجزيرة نت هو إعادة السلوك الغذائي إلى الطريق الصحيح وسابق عهده، ودعم المزارعين المحليين من خلال شراء محاصيلهم الزراعية لصالح المصنع.
ويرى أن الإقبال على منتجاتهم مشجع وأن الطلبات في تزايد مستمر بدعم من توجه عام تشكل لدى المجتمع الصومالي يتمثل في العودة إلى الأسلوب الغذائي المعهود المستمد من المحاصيل الزراعية على الأقل في بعض الوجبات الرئيسية.
ويضيف محمود أن نجاح مشروعهم الرامي إلى كسر هيمنة السلع الغذائية المستوردة مرهون بالدعم والمساندة الحكومية.
- العقبات
هذه الصناعات الصغيرة مهمة باعتبارها إحدى الركائز في النمو الاقتصادي للبلاد وآلية فعالة في معالجة إشكالية البطالة المتفشية في البلاد وخلق فرص عمل لكثير من العاطلين عن العمل، حسب عبد العزيز أحمد إبراهيم الأستاذ في جامعة الصومال بمقديشو الذي أشار إلى أن المصنع الجديد يدفع عجلة الإنتاج الزراعي إلى الأمام ويعطي حافزا وجرعة معنوية للمزارعين المحليين.
ويقول إبراهيم إن طريقة تجهيز الذرة في علب محفوظة بدلا من الطرق التقليدية مع الحفاظ على نظافة أماكن تخزينها تجعلها مقبولة في المحال الصغيرة والكبيرة، ما يسهم في زيادة استهلاكها.
ويضيف أن الصناعات الصغيرة تواجه جملة من العقبات، أهمها أن امتلاك قطعة أرض تقام عليها المصانع مكلف جدا لعدم وجود مساحات خصصتها الحكومة لإنشاء المصانع فيها، إضافة إلى ارتفاع التكاليف المتغيرة مثل الكهرباء وأجور العمالة المحلية مع أنها غير مدربة جيدا وتنقصها الخبرة، ما يؤدي إلى زيادة سعر المنتج ليحد ذلك من قدرته على منافسة السلع الغذائية المستوردة التي تأتي بأسعار زهيدة ومن ثم تتعثر المصانع.
ولمنع وصول الوضع إلى هذا المستوى، يتعين على الحكومة تقديم حماية للصناعات الناشئة من خلال دعم تمويلي وإعفاء ضريبي، وتخفيض التعريفات الجمركية على المكائن والمعدات اللتين تستوردهما من الخارج.
وعلى حد تعبير إبراهيم في حديثه للجزيرة نت فإن الحكومة الصومالية متفهمة لمسؤوليتها ومستعدة لاستخدام الوسائل المشروعة والممكنة لحماية الصناعات الصغيرة، مثل تخفيض أسعار الكهرباء إلى الحد الأدنى بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية.
- تحسين الجودة
أهم ما تسعى الحكومة إلى تحقيقه هو تحسين جودة منتجات الصناعات المحلية حتى ترتقي إلى مستوى المعايير المطلوبة وتتمكن من منافسة السلع المستوردة، تمهيدا لإيجاد أسواق خارجية لها، ومن ثم تعزيز وزيادة حجم صادرات الصومال التي يتأخر عن حجم الواردات بفارق كبير، حسب وزير التجارة والصناعة الصومالي عبد الله علي حسن في حديث للجزيرة نت.
كما يندرج ضمن أولويات الحكومة سن التشريعات اللازمة وتنشيط المجال الصناعي من خلال جذب المستثمرين الأجانب لإقامة صناعات جديدة داخل البلاد، إلى جانب الصناعات الصغيرة الحالية البالغة عددها 104 منها تسعون مصنعا في مقديشو، وفق حسن، الذي اعتبر أن الصناعة في الصومال لا تزال في طور البداية.
وقدر عدد المصانع قبل الحرب الأهلية 53 مصنعا متفاوتة بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة، ومعظمها كان ملكا للحكومة.
ويبقى القطاع الصناعي متواضعا ويسهم في إجمالي الناتج المحلي بنحو 7.4%، بينما تشكل الزراعة ومعها الثروة الحيوانية نحو 40% في إجمالي الناتج المحلي، ونحو 65% من إيرادات الدولة.