خبراء: الحرب التجارية تنذر بأزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة
بات من المسلّمات أن الحرب التجارية الشرسة التي يخوضها عملاقا الاقتصاد العالمي الولايات المتحدة والصين، لم تقتصر انعكاساتها السلبية على اقتصاديهما فحسب، وإنما ألقت بظلالها القاتمة على الاقتصاد العالمي برمته.
هذه الحرب التي بدأت فصولها العام الماضي من خلال فرض رسوم جمركية على البضائع المتبادلة بينهما بقيمة تقدر بمليارات الدولارات، تبعتها بوادر حرب للعملات يتخوف خبراء كويتيون من أن تدفع باتجاه أزمة اقتصادية عالمية، ما لم تكبح جماحها.
- آثار وتداعيات قادمة
الأمين العام لاتحاد المصارف الكويتية الدكتور حمد الحساوي يرى أن الحرب التجارية بدأت آثارها بالظهور في عدد من الاقتصادات الرئيسة في العالم مثل ألمانيا وبريطانيا اللتين سجلتا ركودا خلال النصف الأول من العام الجاري، وهو ما ينذر بتأثيرات قد تكون أسوأ مما لحق بالاقتصاد العالمي في أزمة عام 2008 وجعل الأسواق العالمية تعيش حالة من الذعر.
ويؤكد الحساوي في حديثه للجزيرة نت أن منطقة الخليج العربي بوجه عام لن تكون بمنأى عن تداعيات الحرب التجارية الراهنة، في ظل العلاقات القائمة على التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، والعلاقات الاقتصادية القوية مع الصين.
ويضرب الحساوي مثلا بالاقتصاد الكويتي الذي يعتمد بشكل أساس على إنتاج النفط وتصديره، ويقول إنه إذا تفاقمت تداعيات الحروب التجارية وأثرت في نمو الاقتصاد العالمي فإن ذلك من شأنه التأثير في أسواق النفط بانخفاض الطلب على النفط الخام وبالتالي تراجع أسعاره.
ومن وجهة نظر الحساوي، فإن الحل يكمن في تنويع الاقتصاد عبر السير قدما في تنفيذ الخطط التنموية الطموحة للنهوض بالقطاعات غير النفطية ومشاريعها، لافتا إلى استمرار جهود الحكومة الكويتية في هذا الاتجاه، حيث سيكون من شأنها منح الاقتصاد الكويتي مناعة إضافية إزاء تلك التداعيات وزيادة قدرته على مواجهة الأزمات.
- إشعال أزمة اقتصادية
يؤيد وزير التجارة الكويتي السابق الدكتور يوسف العلي ما ذهب إليه الحساوي من أن استمرار الحرب التجارية سيكون الحلقة الأقوى في إشعال فتيل أزمة اقتصادية عالمية، التي قال إنها ستمتد هذه المرة لتشمل كل القطاعات.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أن الاقتصاد العالمي لا يتحمل حربا اقتصادية بين العملاقين الأبرز فيه، لا سيما في ظل الأهمية الخاصة التي يمثلها كل منهما في الاقتصاد الدولي والاستثمار وحركة رؤوس الأموال والسوق العالمية بشكل عام سواء ما يتعلق منها بالسلع أو الخدمات.
ويحذر العلي من أن نشوب أزمة اقتصادية جديدة ستقصم ظهر الاقتصاد الأميركي الذي يعاني من مشاكل عميقة، كما لن ينجو منها كذلك الاقتصاد الأوروبي الذي يواجه كثيرا من المشاكل، وبالتالي سيتأثر الاقتصاد العالمي بشكل كامل.
ويرى العلي أن الحرب التجارية كان لها انعكاس واضح على اقتصاد كل من أميركا والصين اللتين تراجعت معدلات النمو فيهما، ويحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يحد من وطأتها من خلال إلحاحه على مجلس الاحتياطي الفدرالي بخفض الفائدة في سبيل أن يساعد أو يعطي أملا في النمو في اتجاهات أخرى.
الحرب التجارية التي أثرت على أميركا والصين، لم تسلم منها أوروبا التي تراجعت معدلات النمو فيها، حيث إن ألمانيا صاحبة الاقتصاد الأقوى في القارة العجوز مهددة بالركود، في حين تكافح بريطانيا للخروج من أزمة "بريكست" التي ستكون باهظة الكلفة على اقتصادها.
ويتوقع العلي أنه ما لم تتدخل الإدارة الأميركية لتهدئة وطمأنة الأسواق، وتخلق نوعا من التسويات بحيث لا تكون هناك حرب مباشرة أو غير مباشرة مع الصين، فإن الاقتصاد العالمي مهدد بأزمة اقتصادية صعبة وغير مسبوقة خلال السنوات الخمسين الماضية، هذا إذا لم تتوقف الحرب القائمة في الربع الأول من السنة المقبلة أو منتصفها على أبعد تقدير.
- حرب خطرة
أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت الدكتور عباس المجرن يؤكد أن مجرد وجود تهديدات متبادلة بين الولايات المتحدة والصين، حتى من دون فرض رسوم جمركية على البضائع بينهما، يضر باستقرار الاقتصاد العالمي بالنظر إلى دورهما الرئيس والمحوري في التجارة الدولية، فالاقتصاد الأميركي بمفرده يعادل نحو ربع الاقتصاد العالمي.
ويذهب المجرن في تصريح للجزيرة نت إلى أن الحرب التجارية قد دخلت مرحلة وصفها بالخطرة جدا، وهي حرب أسعار العملات والصرف وأسعار الفائدة، حيث إن خفض سعر الفائدة -للحصول على مكاسب أو مزايا كما في الولايات المتحدة- أمر مقلق، لأنه إذا كان هناك نمو وتعاف في الاقتصاد الأميركي من ركود سابق مع خفض الفائدة فإن هذا يؤدي إلى حدوث تضخم لاحقا مع ارتفاع الأسعار.
ومن وجهة نظر المجرن فإن الجمهوريين أكثر تخوفا من الديمقراطيين من حدوث التضخم، وبالتالي دائما ما يخشون الارتفاع المتواصل في الأسعار.
ولم يستبعد المتحدث ذاته من أن ينتج عن هذا الأمر انشقاق داخل كتلة الجمهوريين في الكونغرس، مشيرا إلى أن سياسات الرئيس ترامب تدفع في هذا الاتجاه، فهو بحاجة إلى مواصلة إنعاش الاقتصاد الأميركي كي يدعم حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
ويصف المجرن الحقبة الراهنة بمرحلة عدم الاستقرار في ظل التقلب في المؤشرات النقدية، وهو ما سيكون له آثار وتداعيات سلبية على مجمل الاقتصاد العالمي، مبينا أن تلك الآثار ستطال جميع الدول سواء كانت متقدمة أو نامية أو فقيرة.
ووفقا للمجرن، فإن الرئيس الأميركي يقع تحت ضغط قطاع الأعمال في بلاده الرامي إلى انتزاع مكاسب من الصين بعد اقتحامها الأسواق العالمية بشكل أثر سلبا في الاقتصادين الأميركي والأوروبي.
لكن المجرن عاد ولفت إلى أن المراقبين لسلوك إدارة الرئيس ترامب في أزمات سابقة تعودوا على سياسة "حافة الهاوية"، حيث تقوم بالتصعيد في بعض القضايا ثم ما تلبث أن تلجأ للتهدئة.
فترامب لا يرغب في حدوث صدام مسلح مع أي جهة خارجية، فضلا عن أنه لا يرغب في تصعيد حدة المواجهة الاقتصادية بصورة تلحق ضررا بالاقتصاد الأميركي وترفع حظوظ الديمقراطيين في الفوز بالرئاسة، يقول المجرن، الذي توقع أن يزيد نهج التهدئة وتقديم تنازلات كلما اقترب موعد الانتخابات.