اللغة المهريّة.. لغة شفهية عريقة في اليمن يهدد بقاءها الإهمال والحداثة
عرب دون عربية.. هكذا يُوصف بعض أبناء محافظة المهرة شرق اليمن، الذين يتحدثون لغة ذات طابع شفهي اشتق اسمها من اسم محافظتهم خاصة، هي اللغة المهرية.
يقول تقرير نشرته وكالة أنباء العالم العربي إن أبناء محافظة المهرة ورثو هذه اللغة عن أسلافهم، حيث تواترت شفهيا بين الكثير من أبناء البادية والريف والساحل؛ لكنها باتت اليوم مهددة بالاندثار، حيث تناساها أهل المدن ولا تُدرَّس في المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات.
رافقت المهريّة قوافل البخور واللبان التي كانت تخرج من بوابة اليمن الشرقية إلى العشرات من دول العالم.
وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات الكثيرة التي أنهكت الكثير من اليمنيين ومخاوف اندثار هذه اللغة، إلا أنها ما زالت على ألسُن الكثيرين.
ونقلت الوكالة: إن اللغة المهرية لها تاريخ عريق، لكنه أكد عدم وجود تاريخ محدد لنشأتها، وإن كان قال إن هناك اجتهادات تشير إلى أن المهرية ظهرت قبل أكثر من 3000 عام.
ويرى القميري أن ما سمّاه تفريط الأجيال الحديثة من الشباب في هذه اللغة وعوامل التطور التكنولوجي والإعلامي في العالم من الأمور التي أثّرت كثيرا على اللغة المهرية وناطقيها.
* خصائص صوتية فريدة ولوحة مفاتيح خاصة
وبحسب القميري، فإن اللغة المهريّة تمتلك خصائص صوتية ونحوية متميزة، العديد منها يتعلق بتراكيب الجمل والصرف، حيث يقول إن هذه التراكيب تميّزها عن اللغات الأخرى.
وأوضح أن الجوانب الصوتية الخاصة باللغة المهرية، مثلها مثل باقي اللغات في الجزيرة العربية، مثل السقطرية والهبيوت في عُمان وغيرها، تمتلك العديد من الأصوات العربية المعروفة، وهي 28 صوتا أو حرفا.
لكن المهرية، بحسب قوله، يميّزها وجود أصوات أخرى خاصة عددها ستة أصوات، وهي بأحرف غير متوفرة ضمن أحرف اللغة العربية ولكنها صوتية فقط وغير مكتوبة.
وقال محمد بن جعفر، نائب مدير مركز اللغة المهرية الحكومي التابع لجامعة المهرة، في لقاء خاص مع وكالة أنباء العالم العربي إن المركز ابتكر باجتهادات ذاتية من باحثيه لوحة مفاتيح كتابة خاصة باللغة المهرية، ضمت أحرف جديدة تُعبّر عن الأصوات الزائدة عن الأحرف العربية.
في تلك اللوحة، استُبدل الحرف الصوتي بحرف مشابه له باللغة العربية، مع إضافة نقطتين لكل حرف من الأحرف الصوتية الستة، ليصبح عدد أحرف اللغة المهرية 34 حرفا.
* لغة غير مكتوبة
وأوضح بن جعفر أن اللغة المهرية لم تكن أبدا لغة غير مكتوبة، حيث وجدت كما هي شفهية فقط وتوارثتها الأجيال حفظا عن الآباء والأمهات دون كتابة أو تعليم.
لذلك، يقول بن جعفر، عمل مركز اللغة المهرية على لوحة المفاتيح تلك واعتمد أحرف اللغة العربية لتدوينها، مشيرا إلى أن لوحة المفاتيح تلك لم تخرج إلى العلن والتطبيق حتى الآن، وما زالت في طور التجهيز منذ عام 2019، نظرا لقلة الإمكانيات وعدم وجود القدرات الكافية.
وأشار بن جعفر في الوقت ذاته إلى أن باحثين يعتقدون أن اللغة المهرية كانت تُكتب في السابق ولكن بأحرف خط المسند؛ غير أن الباحثين توصلوا حديثا إلى أن أبناء المهرة يستخدمون الحروف العربية بشكل واسع في مكاتباتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل الشخصيّة حاليا، حيث يكتبونها باللغة العربية وينطقونها باللغة المهرية.
لذلك، بحسب بن جعفر، قرر الباحثون اعتماد أحرف اللغة العربية لكتابة اللغة المهرية، حتى تكون أكثر سهولة في استخدامها على المواطنين والأطفال، وبحيث لا يحتاج المواطن أن يتعلم من الصفر، من حيث الحروف وكتابتها. وقال "قد يؤدي التعقيد في اللغة إلى العزوف عن استخدامها من قبل الناس".
وفي الجانب النحوي، يقول بن جعفر إن اللغة المهرية تمتلك قواعد وأنظمة لغوية في الجانب التركيبي، تُميّزها عن اللغات الأخرى، حيث إن اللغة المهرية قد يراها البعض متشابهة مع السقطرية. لكنه أكد وجود اختلاف كبير بين اللغتين في التركيب وفي الصرف رغم تشابه تكوينهما.
* غير معتمدة رسميا
وقال بن جعفر إن اللغة المهرية لم تُعتمد رسميا ليتم تعليمها في المدارس، مشيرا إلى وجود اهتمام رسمي حاليا بما يخص تطوير اللغة المهرية وتوثيقها "وإن كان اهتماما متأخرا، حيث إن المهرية تواجه تحديات نظرا لارتباط المهري بغيره من الوافدين وانفتاحه على أبناء المحافظات الأخرى بشكل كبير".
أَضاف "الأحداث السياسية أيضا لها دور في زيادة التحديّات، لما أفرزه الواقع السياسي من نزوح إلى المهرة من المحافظات التي تشهد صراعا أو تضررت بفعل الحرب والصراع".
محمد المهري، وهو من أبناء محافظة المهرة والناطقين باللغة المهرية، قال من جانبه في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي إن هناك الكثير من الأطفال الذين لم يعودوا يتحدثون بالمهرية أو يحفظونها، معتبرا أن هناك عزوفا عن ممارسة اللغة المهرية في أوساط الأجيال الأصغر سنا "خصوصا في المدن الرئيسية مثل مدينة الغيضة".
لكنه قال إن المهرية "ما زالت صامدة على ألسن المجتمعات في الأرياف وسكان الجبل والصحراء والساحل".
وفضلا عن تميزها باللغة المهرية، تتفرد محافظة المهرة اليمنية، الواقعة على البوابة الشرقية لليمن على الحدود اليمنية العمانية والحدود اليمنية السعودية من الشرق، بثقافة وتاريخ عريقين؛ كما تتميز بتضاريسها المتنوعة بين الجبل والصحراء والساحل، ما جعل منها منطقة تاريخية.