المعارضة السورية تستعيد سراقب.. كيف تغيرت المعادلة العسكرية؟
استعادت فصائل المعارضة السورية مدعومة بالجيش التركي السيطرة على مدينة سراقب الإستراتيجية ونحو 15 قرية أخرى في محيطها، بعد معارك عنيفة بدأت فجر اليوم.
وتمكنت قوات المعارضة من تنفيذ هجمات دقيقة استهدفت تمركز القوات التابعة للنظام السوري والمليشيات المساندة له، في محيطها وسيطرتها على بلدة النيرب الإستراتيجية.
ولم تحتج المعارضة سوى ساعات قليلة حتى تمكنت من بسط سيطرتها الكاملة على المدينة رغم محاولات قوات النظام صد الهجمات، إلا أنها خسرت عشرات المقاتلين وعددا كبيرا من الآليات، مع غياب التغطية الجوية الروسية لتلك المعارك.
واعتمدت فصائل "الجيش الوطني السوري" وفصائل أخرى تكتيكات جديدة وإستراتيجية لعملياتهم العسكرية في ريف إدلب رغم أنها انسحبت من مساحات واسعة بريفي إدلب وحلب، مكنتها من تحقيق التفوق في المناورة العسكرية.
- تغير في المعادلة
ويرى مراقبون وخبراء عسكريون أن فصائل المعارضة عموما تمكنت من استنزاف قوات النظام ومليشياته، خاصة ما يعرف برأس الحربة، عبر الصواريخ المضادة للدروع والقصف الدقيق لمواقعهم والمواجهة المباشرة معهم خلال الشهرين الماضيين والمساحات الواسعة التي انتشروا فيها بسرعة.
ويقول الخبير العسكري العقيد يوسف صطوف للجزيرة نت إن قوات النظام ومليشياته ركزت عبر هجماتها على قوات الاقتحام ما يعرف باسم "مليشيا فاغنر" الروسية وفيغا الأوكرانية واتحاد أسلاف الروسية، وعلى مليشيا النمر ومليشيا الطرماح وقوات خاصة ضمن الفرقة 25 مجهزة بمناظير ليلة ثلاثية أبعاد ومزودة بأحدث الأسلحة والتقنيات العسكرية، لذلك كانت تحقق تقدما بتغطية الطيران الروسي.
ويشير صطوف أن توجه هذه المليشيات لاقتحام قرى جبل شحشبو وترك قوات النظام فيها جعلها هدفا سهلا للمعارضة التي استطاعت التقدم بسرعة كبيرة في محيط سراقب والسيطرة عليها، مؤكدا أهمية تقدم المعارضة في سراقب والذي يجعل التقدم باتجاه جبل الزاوية وجبل شحشبو بدون فائدة.
- أهمية سراقب
ولا تبدو استعادة القوات التركية والمعارضة لمدينة سراقب تحديا فقط لروسيا، بل باتت تمثل تحدياً بالنسبة لتركيا وحتى روسيا لما تحمله من أهمية عسكرية وسياسية من ناحية تحديد الجهة المتحكمة بمصير الطرق الدولية واختبار قدرة وفاعلية استخدام الطرفين للخيار العسكري بعد التغيير الذي طرأ على توازن القوى في الميدان.
ويقول الباحث بمركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي إن تركيا غالبا ما ستتخذ السيطرة على سراقب وسيلة لتعزيز موقفها في المباحثات الثلاثية سواء الجارية على مستوى الخبراء أو المتوقعة على مستوى الرؤساء.
ويضيف أن للسيطرة عليها مؤشرا قويا على احتمال استمرار تركيا في استخدام الخيار العسكري كمسار مواز للمباحثات السياسية، بمعنى أنها لن تتوقف في الميدان ما لم تستجب روسيا بشكل مرضٍ تماما لمصالحها ومخاوفها وليس بشكل جزئي.
- عمليات تكتيكية
وأكد قياديان بالمعارضة السورية إن عمليات الانسحاب السابقة من مناطق مختلفة جاءت كنوع من العمليات التكتيكية بهدف تشتيت قوات النظام السوري ومليشياته على مساحة واسعة ومناطق وعرة من أجل تفادي القوة النارية التي يتمتع بها.
ويقول الناطق باسم قوات المعارضة الرائد يوسف حمود إن العمليات العسكرية للنظام التي تحصل هي نتيجة دعم روسي إيراني عبر سياسة الأرض المحروقة، لذلك كان واجبا على قوات المعارضة التخطيط سياسيا وعسكريا مع الحلفاء الأتراك "كي لا تكون عملياتنا انتحارا عسكريا".
ويؤكد حمود أن قوات المعارضة مستمرة في العمليات العسكرية، وستكون الخطوات القادمة باتجاه عملية شاملة لاستعادة تلك المناطق خاصة بعد استعادة توازن فصائل الثوار هناك.
من جهته، يلفت الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير النقيب ناجي مصطفى إلى أن عمليات الاستنزاف التي خاضوها ضد قوات النظام والمليشيات كانت ضمن إجراء عسكري، مضيفا للجزيرة نت أن عمليات التقدم العسكري الحالي تأتي بعد إضعاف تلك المليشيات والانقضاض عليها.
- محادثات متعثرة
ومع استمرار تعثر التوصل لاتفاق بين الأتراك وروسيا، يرى مراقبون ومحللون أن التحركات العسكرية التركية جاءت ردا على تعنت الروس بعد تحقيقهم مكاسب جغرافية والسيطرة على بلدات ومدن بريف إدلب وحلب.
وفي السياق، يقول الصحفي المختص بالشأن الروسي نصر اليوسف إن التقدم العسكري التركي سيعطي ورقة أقوى في المفاوضات بين الرئيسين التركي والروسي لإيجاد صيغة تفاهم تحقق مطالب الأتراك وتزيل مخاوف الروس.
ويؤكد للجزيرة نت أن تعثر التحركات والمحادثات السياسية بين الطرفين ستدفع بطبيعة الحال لصدام عسكري، وهو ما يخشاه الطرفان داخل سوريا مع تربص دولي لهما.
ورغم ارتفاع حدة التحركات العسكرية التركية في سوريا، لا تزال المفاوضات مستمرة بالعاصمة أنقرة بين وفد روسي ومسؤولين أتراك من أجل الوصول لصيغة اتفاق توقف عملية عسكرية واسعة وشيكة.