السودان.. هل يغرق في المخدرات العابرة للحدود؟
[ كمية من الحشيش بعد ضبطها من السلطات (الموقع الرسمي للجمارك السودانية) ]
أعادت ما نشرته صحيفة سودانية حول ضبط شحنة مخدرات الحديث عن خطر هذه الآفة على البلاد، ورغم أن السلطات دأبت على تأكيد أن السودان ليس المستهدف بهذه الشحنات فإن هناك مخاوف من أن القطر الأفريقي بحدوده الشاسعة لم يعد معبرا فقط لهذه التجارة، في ظل تقارير تتحدث عن ارتفاع نسب الإدمان وسط الشباب.
آخر ما جرى ضبطه نحو 17 طنا من الحشيش اللبناني والحبوب المخدرة، تقول السلطات الأمنية إنها أفلحت في حجزها قرب مدينة عطبرة الواقعة على بعد 310 كيلومترات شمالي الخرطوم، بعد دخولها البلاد جوا.
ونقلت الصحف المحلية أن تلك الشحنة من المخدرات جرى تفريغها في المطار عبر مدرج لإحدى شركات الطيران التابعة لجهة رسمية، وتم شحنها في سيارات لتهريبها إلى دول مجاورة.
ولاحقا أصدر مجلس الصحافة والمطبوعات قرارا بعدم النشر في الموضوع، مما صعب من التوصل إلى معلومات بخصوص الشحنة وهوية الجهة المتورطة فيها، في حين ذكرت تقارير أن القائمين على الشحنة متنفذون وأحدهم هرب إلى الخارج.
لا مبالاة
"غالبية الحالات المضبوطة سواء كانت بكميات تجارية أو للاستهلاك الشخصي، لا تصل إلى نهاياتها، بصدور أحكام قضائية تجاه المتورطين فيها" بحسب إفادة الأستاذ الجامعي فيصل عوض حسن.
ويتحدث حسن بمرارة عن تجربته الشخصية في تبصير الشباب في إحدى الجامعات بخطورة تفشي المخدرات، ويقول إنه لمس من إدارة إحدى الجامعات "لا مبالاة" تجاه ظاهرة تعاطي الحبوب المخدرة والتدخين للحشيش بين الطلاب، وفي بعض الأحيان -يقول حسن- ووجه بالنقد لما يقوم به من مكافحة لتلك الظاهرة.
ويضيف أن مظاهر اللامبالاة "يمكن ملاحظتها بشكل واضح في طريقة تعامل السلطات الرسمية مع تلك الكميات الضمة المضبوطة، وهي بالأطنان وتدخل للبلاد بالحاويات وبالسفن".
ويصف "حالة من التراخي الرسمي تجاه أصحاب تلك الشحنات الضخمة" على حد قوله، بأنها" تقوِّي احتمالات التنسيق بين جهات رسمية وأولئك التجار المروجين للمخدرات عبر العالم".
ويستبعد حسن وجود مؤامرة خارجِية لإغراق الشباب السوداني في المخدرات، قائلا إن "بعض الجهات النافذة في الداخل هي من يسوّق لهذا الإجرام".
تفشي الإدمان
وتقول تقارير إن من يتعاطون المخدرات في السودان أو يروجونها أكبر بكثير مما يقع بين أيدي جهات الاختصاص، ومن يفلتون من الضبط كثر، وبالتالي يفلتون أيضا من العقاب.
وبحسب آدم حسب الرسول، وهو معالج نفسي، فإن نحو 15 مدمنا في المتوسط يلجؤون لعيادته النفسية في الخرطوم طلبا للعلاج من الإدمان.
ويقول حسب الرسول إن غالبية المدمنين الذين يؤتى بهم للعلاج يعتقدون أنهم أسوياء، ولذلك يبدأ تأهيلهم عن طريق إقناعهم بخطورة ما هم فيه، وإن الكثير من زوار عيادته يعترف بإدمانه للمخدرات هربا من ضغوط نفسية.
ويحذر من تفشي ظاهرة الإدمان بين الأطفال والمراهقين، مشيرا إلى أن نسبة من التعاطي تزايدت في السنوات الأخيرة في أوساط الفتيات.
ووفق الدكتور علي بلدو مدير مركز الأمل لعلاج الإدمان فإن انتشار المخدرات "مشكلة كبرى يتم التكتم عليها لأسباب خاصة تتعلق بطبيعة الأنظمة السياسية، وبسبب عادة السودانيين في التستر على كثير من المشاكل دون الإقدام على إيجاد حلول جذرية لها".
ومن خلال متابعته لتقارير شبه رسمية وعبر تواصله مع مدمنين ومروجين، يؤكد بلدو نحو 25% من الشباب ينزلق نحو المخدرات، وأن غالبية الإنتاج الأفريقي من مخدر البانغو يستهلك وتروج في الداخل السوداني.
ويتهم النظام السابق بالتقاعس عن مكافحة المخدرات، ويذكر بدخول حاويات عديدة للمخدرات عبر الميناء الرسمي، دون محاصرة المتاجرين بها أو القبض عليهم.
ويخلص بلدو إلى أن السودان "أصبح دولة عبور واستهلاك نتيجة لضعف الرقابة وعدم توفر الإرادة لمكافحة تجارة المخدرات التي يشارك فيها نافذون من مواقعهم الرسمية".
العدد الحقيقي أكبر
من جهتها تتحفظ رحاب شبو، مديرة مركز "حياة" للعلاج والتأهيل النفسي والاجتماعي، على اتهام جهات رسمية بأنها تشارك في الترويج للمخدرات، وتقول إن مثل هذا الحكم ينبغي أن تصدره الجهات العدلية.
وتؤكد شبو من خلال تجربتها في معالجة الإدمان أن نسبة من يتعاطون المخدرات بين الشباب في ازدياد مطرد، وأن ظاهرة الإدمان على حبوب الترامادول والبانغو تستشري بكثافة في أوساط الفتيات، بصورة تكاد تقارب مستوى تفشي الإدمان بين الشباب.
وفي الماضي -تقول شبو- كان السودان دولة عبور لكنه لم يعد كذلك لانفتاح حدوده على مناطق مضطربة عديدة في ليبيا والجنوب المصري، ونظرا لعدم وجود رقابة على حدوده الواسعة شرقا وغربا.
وتدعو شبو إلى التعجيل بإجازة قانون مكافحة المخدرات المعدل لسنة 2001 "حتى يتواءم مع المستجدات، وحتى يُمكِّن جهات الاختصاص لعمل المكافحة بصورة أفضل".
وتختم إفادتها بقولها إن تجارة المخدرات مشكلة عالمية تفوق قدرات الدولة مهما بلغت مؤسسات تلك الدولة من قوة وقدرة، وأن المعالجة لداء المخدرات يتحقق بتضافر جهود قوى أمنية وشرطية عديدة إلى جانب وزارات الشباب والرياضة والإعلام، وليس من الممكن إنجاز حلول جذرية دون تنفيذ برامج توعوية وإرشادية، أكثر من انشغال وزارة الداخلية لوحدها بضبط شحنة هنا أو هناك.
المصدر : الجزيرة