النموذج التونسي.. دروس من الديمقراطية العربية الجديدة
[ أعضاء البرلمان التونسي الجديد يؤدون القسم (رويترز) ]
في مقال مطول بمجلة فورين أفيرز الفرنسية، حاولت سارة يركس المهتمة بالشأن التونسي، أن تلقي الضوء على الثورة التونسية وما يمكن أن يستفاد منها باعتبارها الديمقراطية الوحيدة الناجية بين دول الربيع العربي.
واعتبرت الكاتبة أن تونس -بعد ما يقرب من عقد من الزمان- لا تزال هي قصة النجاح الوحيدة التي خرجت من الانتفاضات في جميع أنحاء العالم العربي، حيث أصبحت البلدان التي بدا وكأنها تسير على خطاها، إما غارقة في الحرب الأهلية، كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن، وإما عادت إلى القمع والاستبداد مثل البحرين ومصر، على حد تعبير الكاتبة.
ولخصت الكاتبة النجاح التونسي في صياغة دستور تقدمي وعقد انتخابات حرة ونزيهة على مستويات الرئاسية والبرلمان والمحلية، كما أن تونس شهدت انتقالا سلسا للسلطة بعد وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي، وإن كان عدد من المشكلات لا يزال يعرقل مسيرتها، ولا سيما سوء الإدارة الاقتصادية وانعدام الثقة المقلق في المؤسسات العامة.
- تبديد أسطورة
ورغم عدم اكتمال التجربة -على ما يبدو للكاتبة- فإن تونس ستظل مثالا ومصدرا للأمل في جميع أنحاء المنطقة، لأن ما حققته ساعد في تبديد الأسطورة القائلة إن المجتمعات العربية أو الإسلام لا يمكن أن يتلاءم مع الديمقراطية.
كما أن قصة هذا البلد تقدم أيضا دروسا لما وراء العالم العربي، مفادها أن التحول من الاستبداد يتطلب قادة شجعانا وعلى استعداد لوضع البلاد فوق السياسة، وأن مثل هذه التحولات بطبيعتها فوضوية، وعلى المجتمع الدولي أن يقدم لها الدعم الدبلوماسي والمالي الذي تحتاجه لتحمل آلام الديمقراطية.
وقالت الكاتبة إن تونس ما بعد الثورة ورثت دولة في حالة سيئة، وعانت من نكسات خطيرة، إلا أن فوز حزب النهضة في انتخابات عام 2011 سمح بتشكيل تحالف ثلاثي مع حزبين علمانيين أصغر حجما، وفرض ما يشبه النظام على فوضى ما بعد الثورة، وإن لم يستقر الوضع بسبب مخاوف العلمانيين من أجندة حزب النهضة الإسلامي بقدر خوفهم من العودة إلى الاستبداد.
وقد كادت الثورة التونسية تفشل بسبب اضطرابات عام 2013 على إثر اغتيال اليساريين شكري بلعيد ومحمد براهمي، لولا الحوار الذي آل إلى قانون انتخابي جديد ومجلس وزراء جديد واعتماد الدستور الجديد الذي طال انتظاره وبالإجماع تقريبا.
وتشير الكاتبة إلى أن التونسيين يقولون إن بلادهم ليست نموذجا يمكن قصه للصقه في سياقات وطنية أخرى، ولكن تجربتهم مع ذلك تحتوي على دروس مهمة حول كيفية دعم الديمقراطية، أولها عدم تدخل الأجانب، إلا أن يتدخل المانحون الأجانب والشركاء الدوليون في وقت لاحق لدعمها.
ودعت الكاتبة الولايات المتحدة وأوروبا إلى السماح بحدوث تغيير محلي دون تدخل سابق لأوانه، كما رأت مثالا جيدا في الدور الذي تلعبه مؤسسة تحدي الألفية ومؤسسة مبدأ "المزيد من أجل المزيد" التابعة للاتحاد الأوروبي، اللتان تكافئان البلدان على الإصلاح السياسي والاقتصادي.
- بناء السفينة
وقالت الكاتبة إن الديمقراطيات الشابة يمكن أن تتعلم من سياسة الإجماع في تونس، حيث كان من الممكن أن يفشل الانتقال في تونس عام 2013 لولا أن الرئيس السبسي ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي وضعا الديمقراطية والتعددية فوق طموحاتهما السياسية.
وعلقت الكاتبة بأن تونس كانت تبني السفينة الديمقراطية وهي تبحر، مما أدى في بعض الأحيان إلى الارتباك والتوتر، ولذلك على البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية أن تضع قواعد اللعبة بوضوح منذ البداية وأن تضع جدولا زمنيا فعالا وواقعيا لتشكيل المؤسسات الحيوية لإنجاح الديمقراطية.
ومع ذلك، هناك حدود لما يمكن للمرء أن يتعلمه من تونس -كما تقول الكاتبة- إذ لا تقدم تجربة هذا البلد إجابة مرضية عن كيفية إجراء تسلسل للإصلاحات السياسية والاقتصادية، لأن القادة هنا اختاروا التركيز أولا على التجديد السياسي وصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات وإنشاء المؤسسات السياسية.
وقد أدى ذلك -حسب الكاتبة- إلى إهمال الاقتصاد وبقاء العقد الاجتماعي محطما، بحيث يرى العديد من التونسيين أن النظام الجديد لم يحقق الكرامة التي طلبوها في عام 2010، مما أدى إلى فقدان المؤسسات الديمقراطية الجديدة ثقة الجمهور.
إلا أن الكاتبة مع ذلك أشارت إلى أن محاولة إصلاح الاقتصاد قبل الإصلاح السياسي قد تكون لها نتائج عكسية، إذ لا يؤمن -بمجرد تحسن الاقتصاد- أن يتخلى القادة الانتقاليون عن التزامهم بالإصلاح الديمقراطي، وبالتالي فإن الحل الوحيد القابل للتطبيق هو أن يوفر الأجانب شبكة أمان من خلال ضمانات القروض ودعم الميزانية والاستثمار المباشر على أمل الحفاظ على الدعم الشعبي للديمقراطية.
وتبقى تونس -حسب الكاتبة- منارة الأمل للحركات المؤيدة للديمقراطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولكن حتى بالنسبة للعديد من المستبدين في المنطقة، فإن الانتقال الديمقراطي الناجح هناك أكثر من مجرد قصة تحذيرية، خاصة أن تقاعد بن علي الإجباري في السعودية يبدو أفضل كثيرا من مصير بعض الذين رفضوا الرضوخ للثورات.