فورين بوليسي: الأصول السرية للعلاقات الأميركية الكردية تفسر موقف واشنطن
يقول الكاتب برايان غيبسون إن الأصول السرية للعلاقة الأميركية الكردية تشرح كارثة اليوم المتمثلة في تخلي الأميركيين عن حلفائهم الأكراد في سوريا.
ويضيف في مقال نشرته مجلة فورين بوليس الأميركية إن جذور تخلي واشنطن عن الأكراد تعود إلى وثيقة سرية كتبها هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي.
ويشير إلى أنه في 30 يونيو/حزيران 1972 وصل رجلان كرديان هما إدريس برزاني ومحمود عثمان إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية في لانغلي بفرجينيا، وتم نقلهما إلى مكتب مدير الوكالة ريتشارد هيلمز.
وناقش المجتمعون تحولا مذهلا في سياسة الولايات المتحدة تجاه الأكراد، حيث كان كيسنجر شخصيا قد أذن لهيلمز للتعبير عن تعاطف الولايات المتحدة مع محنة الأكراد وطمأنتهم بـ "استعداده للنظر في طلباتهم للحصول على المساعدة".
- تغيير الرأي
ووفق الكاتب، فقد قاتل الأكراد في تلك الفترة ضد الحكومة العراقية لأكثر من عقد من الزمان، وكانوا يناشدون الولايات المتحدة من أجل مساعدتهم ولكن دون جدوى، حيث أعلن هيلمز أن الولايات المتحدة غيرت رأيها.
ويقول الكاتب إن هيلمز فشل في أن يذكّر بأن الولايات المتحدة قد تغير رأيها في هذا السياق مرة أخرى.
ويوضح أن التاريخ الطويل لتخلي الولايات المتحدة عن الأكراد مفهوم بشكل جيد من جانب معظم المراقبين، وأن مثل هذه الخيانات كانت متوقعة تماما في نهاية المطاف، وذلك بالنظر إلى الطريقة التي تجمع بها الجانبان في المقام الأول.
ويضيف أنه من المستحيل فهم قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدعم تركيا في شن حرب في سوريا ضد الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة، دون فهم أصول العلاقات الأميركية الكردية.
- معاهدة سيفر
ويقول الكاتب إن التاريخ يعود إلى عام 1920 حين تبين أنه لا دولة خاصة للأكراد -وهم مجموعة عرقية كبيرة- وأنه تم وعدهم بالحكم الذاتي في معاهدة سيفر.
لكن القوتين العظميين في ذلك الوقت -بريطانيا وفرنسا- تراجعتا في عام 1923 وقامتا بتقسيم الأراضي الكردية في ما بين تركيا وإيران والعراق وسوريا الحديثة.
وثار الأكراد ضد هذه الخيانة غير أن البريطانيين والفرنسيين والإيرانيين والأتراك الجدد سحقوا ثورتهم.
ويشير الكاتب إلى محطات تاريخية متعددة ومختلفة بالنسبة للأكراد، إلى أن يصل إلى نهاية 1971 ليقول إن الرئيس العراقي صدام حسين دفع بالعراق بقوة إلى أحضان الاتحاد السوفيتي وأنه وقع معه صفقة أسلحة في هذا التاريخ.
كما وقع صدام في أبريل/نيسان 1972 معاهدة صداقة وتعاون مع موسكو.
- استقرار العراق
ويضيف أنه في الشهر التالي، زار الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون طهران لدى عودته من قمة موسكو وأنه خلال زيارته تلك ضغط الشاه الإيراني عليه لمساعدة الأكراد في زعزعة استقرار العراق.
وبعد مراجعة دقيقة للمخاطر، خلصت إدارة نيكسون إلى أن التهديد السوفيتي العراقي للمصالح الغربية كان كبيرا بدرجة كافية لتبرير مساعدة الأكراد.
وتشاورت إدارة نيكسون مع الإيرانيين والإسرائيليين والأكراد مرارا وتكرارا حول كيفية إعداد الأكراد لمواجهة حتمية مع بغداد.
وكان هذا بعد الضوء الأخضر من نيكسون وفي الفترة ما بين أغسطس/آب 1972 وأواخر عام 1974.
- تدريب الأكراد
وكان هذا يعني تخزين الأسلحة وتدريب المقاتلين الأكراد على تقنيات الحرب الحديثة، كل ذلك بينما تدهورت العلاقات بين الأكراد وبغداد بسرعة.
ويشير الكاتب إلى أن كيسنجر كتب في مذكراته لعام 1999، "سنوات التجديد"، أن القائد الكردي مصطفى بارزاني "أثار طوفانا من الاتصالات" بين المسؤولين الأميركيين تركزت على سؤالين، وهما فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستدعم إعلانا انفراديا للحكم الذاتي للأكراد، ومستوى الدعم الذي كانت الولايات المتحدة ترغب في تقديمه لهم.
وحذرت وكالة المخابرات المركزية من زيادة المساعدات الأميركية، لكن كيسنجر كان رافضا لتحذير مدير الوكالة وليام كولبي.
وقرر نيكسون في نهاية المطاف زيادة المساعدات الأميركية للأكراد، بما في ذلك آلاف الأطنان من الأسلحة، ومبلغ إجمالي قدره مليون دولار لمساعدة اللاجئين.
- برقية مهمة
وفي أبريل 1974، أرسل كيسنجر أوامر نيكسون إلى السفير الأميركي في طهران، وكانت هذه البرقية مهمة، لأنها وضعت إعلانا مقتضبا إزاء العلاقات الأميركية مع الأكراد.
وتمثلت الأهداف كما تضمنتها البرقية:
1- منح الأكراد القدرة على الحفاظ على قاعدة معقولة للتفاوض على الاعتراف بحقوق من حكومة بغداد.
2- إبقاء الحكومة العراقية الحالية مقيدة.
3- عدم تقسيم العراق بشكل دائم لأن منطقة كردية مستقلة لن تكون قابلة للحياة اقتصاديا وليست للولايات المتحدة وإيران مصلحة في قطع العلاقات الجيدة مع العراق تحت قيادة معتدلة.
كما تم التوضيح أن دعم الولايات المتحدة لحكومة كردية على المدى الطويل لم يكن ممكنا، لأنه لا يمكن الحفاظ عليها سرا.
وكانت هناك مخاوف عميقة داخل الإدارة الأميركية بشأن جدوى دولة كردية، فضلا عن المخاوف لدى الشاه بشأن استقلال الأكراد، وذلك بالنظر إلى الأقلية الكردية في إيران.